التأمين التكافلي يساعد مزارعي باكستان على مواجهة تغير المناخ

يكتسب هذا النوع من التأمين شعبية وسط البحث عن سبل للتحوط من مخاطر المناخ المتزايدة

time reading iconدقائق القراءة - 10
مزارعان يتفقدان أرضاً محصودة في باكستان - المصدر: بلومبرغ
مزارعان يتفقدان أرضاً محصودة في باكستان - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يتعامل إظهار الحق مع الزراعة كعلم في أرضه التي تبلغ مساحتها أربعة أفدنة ونصف الفدان في وسط باكستان. وهو يعرف بدقة حموضة التربة والكمية الدقيقة من المياه الجوفية القليلة المالحة التي يمكن أن تتحملها محاصيله إذا مُزجت بمياه القنوات التي تتدفق عبر حقول القمح والقطن.

خلال فترة فراغه من العمل في الأرض، يدرس إظهار الحق، البالغ من العمر 30 عاماً، مقاطع مصورة على موقع يوتيوب بحثاً عن استراتيجيات جديدة لمكافحة ندرة المياه ودرجات الحرارة المرتفعة التي تعاني منها الأراضي الزراعية في باكستان. يقول إن تغير مواسم النمو وحالات الجفاف المتكررة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ تعني أن "تقنيات الزراعة القديمة لم تعد فعالة".

مع ذلك، فإن كل هذه الأبحاث الدقيقة لن تحمي إظهار الحق من الخسائر المالية الفادحة في حالة وقوع كارثة مناخية، مثلما حدث في 2022، عندما دمرت الفيضانات القياسية جزءاً كبيراً من الأراضي الزراعية في باكستان. ولم يؤمن على أي من محاصيله. ولم يشتر مطلقاً تغطية تجارية، لأسباب منها أن عقيدته لا تدعو إليها. فمثل هذه العقود تحتوي على عنصر الفائدة، وهو أمر تحرمه الشريعة الإسلامية لمنع العقود الاستغلالية.

التشارك في أعباء الخسائر

المعضلة التي يواجهها المزارعون مثل إظهار الحق تثير الاهتمام بالتأمين التكافلي، وهو منتج مالي مصمم للالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية.

وفي هذا النموذج، يدفع المشترون اشتراكات لتعويض خسائر بعضهم بعضاً، وإذا كان هناك فائض بعد رسوم الخدمة والتكاليف الأخرى، يحق لهم استرداد بعض أموالهم. وهذا النهج هو واحد من عدة أدوات متخصصة، مثل سندات الكوارث ومشتقات الطقس، التي تكتسب شعبية مع بحث أصحاب المنازل والشركات والحكومات عن سبل للتحوط من مخاطر المناخ المتزايدة.

في باكستان، يقول ويشان حسيب بايج، المدير العام للشركة المحلية التابعة للشركة الزراعية العملاقة "سينغنتا" (Syngenta AG)، إن "التأثير الاقتصادي للطقس على الأمن الغذائي هو أكبر عقبة. تتصدر هذه المسألة اهتمامات جميع المزارعين".

يقول عمير إسماعيل غايا، المدير التنفيذي السابق في شركة التأمين "سلام تكافل" (Salaam Takaful)، إن فيضانات 2022 ساعدت في تجديد الاهتمام بالتأمين التكافلي كحل محتمل في باكستان، والذي يهدف إلى تحويل ثلث الصناعة المالية في البلاد من الخدمات المصرفية التقليدية إلى الإسلامية بحلول العام المقبل.

أضاف: "عندما تحدث كارثة، يكون الجميع حساسين. لقد أعطى هذا النوع (من التأمين) دفعة ومصداقية أكبر لفكرتنا".

في العام الماضي، دخلت شركة "سلام تكافل" في شراكة مع شركات زراعية كبيرة في باكستان بما في ذلك "سينغينتس" (Syngents) و"ناشيونال فودز" (National Foods) لتجربة برامج التأمين الإسلامي.

كما أنها تعمل أيضاً مع شركة "إن فارمر" (InFarmer)، وهي شركة تقدم بيانات الأقمار الاصطناعية، و"جاز كاش" (JazzCash)، خدمة الدفع عبر الهاتف المحمول الشهيرة.

يمكن للعملاء دفع أقساطهم نقداً، وهي ميزة كبيرة نظراً لأن 79% من الباكستانيين ليس لديهم حسابات مصرفية. وتُدفع الأقساط من خلال تطبيق "جاز كاش"، تفادياً للنظام المصرفي التقليدي.

عوائد جذابة

يشتمل العرض الرئيسي لشركة "سلام تكافل" على استراتيجية تأمين أخرى أقل شهرة، والتي تُستخدم غالباً للحماية من الظروف الجوية القاسية. تستخدم هذه الأدوات نهجاً معيارياً، مما يعني أنها تُدفع عند تجاوز عتبات معينة، مثل متوسط ​​درجات الحرارة اليومية أو ملليمترات مياه الأمطار. تتمثل الميزة الرئيسية في الاتفاق المسبق على هذه المعايير والحدود، لذلك لا يضيع وقت كثير في تقييم الخسارة بعد وقوع الكارثة.

العوائد المحتملة يمكن أن تكون جذابةً. فعلى سبيل المثال، يحدد أحد منتجات التأمين المعياري المعروضة على موقع "سلام تكافل" أنه إذا ساهم المزارع بمبلغ 5 دولارات لكل فدان سنوياً، فإنه سيحصل على نحو 18 دولاراً للفدان إذا وصل إلى معيار معين.

لكن لكي يكون التأمين المعياري ناجحاً، يجب أن ينتشر حاملو وثائق التأمين عبر منطقة واسعة بما فيه الكفاية بحيث لا يؤثر حدث مناخي واحد على الجميع. سوف يشكل ذلك تحدياً كبيراً في باكستان، وهي واحدة من أكثر البلدان تعرضاً لتغير المناخ في العالم. بحلول 2035 إلى 2044، سيتعرض زهاء 5 ملايين شخص آخرين لفيضانات الأنهار الشديدة، وفق بنك التنمية الآسيوي. وصناعة الزراعة، التي تدعم ما يقرب من ثلثي سكان باكستان، معرضة للخطر بشكل خاص.

من المتوقع أن ينمو سوق التأمين التكافلي العالمي، الذي بلغت قيمته نحو 32 مليار دولار في 2022، إلى ما يقرب من 127 ملياراً بحلول 2032 بحسب شركة "ألايد ماركت ريسيرش" (Allied Market Research). ويرتفع الطلب بنحو 10% سنوياً، وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خاصة في الدول ذات الأغلبية المسلمة ومنها السعودية وماليزيا.

مع ذلك، فإن باكستان متأخرة منذ فترة طويلة عن بلدان أخرى من حيث انتشار التأمين، الذي لا يزال يحوم حول 1% على الرغم من الجهود التي تبذلها منذ أكثر من عقد لزيادة التغطية. شكلت الخسائر غير المؤمن عليها الناجمة عن الكوارث المناخية نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي لباكستان على مدى العقدين الماضيين. وتسببت فيضانات 2022 وحدها في خسائر تقارب 30 مليار دولار، لم يُغط أي منها تقريباً.

في الوقت الحالي، يعتمد انتشار التأمين التكافلي على نطاق واسع في باكستان على من يروج للأداة ويدعم أقساط التأمين، كما يقول نافيد علام، مؤسس شركة "إن فارمر". ويضيف: "لا يزال المزارعون غير مستعدين للدفع مباشرة من أموالهم الشخصية".

اهتمام دولي

أبدت منظمات غير حكومية محلية ومؤسسات تنموية مثل البنك الدولي اهتمامها بدعم مثل هذه البرامج حتى تنطلق. يقول المؤيدون إن الابتكارات في صناعة التكافل يمكن أن تساعد باكستان في التغلب على فجوة التأمين لديها.

يقول محمد علي خان، الذي أعد تقريراً حديثاً عن التأمين التكافلي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبنك التنمية الإسلامي: "عندما تنظر إلى تغير المناخ وتأثيراته، فأنت بحاجة إلى آلية تمويل ترتبط بقيم (الناس)". 

في جلسة توعية في منطقة توبا تيك سينغ الباكستانية في مايو، تجمع العشرات من صغار المزارعين لعرض ترويجي لمنتجات تأمينية من شركة "سلام تكافل". وتناوب مندوبو الشركة على شرح كيف تؤدي الظروف الجوية تلقائياً إلى حصول المزارعين على دفعات مالية حتى قبل حصاد محصولهم. وكان العديد من المزارعين مهتمين، رغم أنه كان لديهم أيضاً الكثير من الأسئلة.

في المجتمعات الريفية، من الشائع الحصول على سُلفة من ملاك الأراضي وأفراد الأسرة والمقرضين للمساعدة في دفع ثمن المواد الخام مثل البذور والأسمدة. وهذا يعني أن المزارعين "سيخسرون كل شيء تقريباً" إذا واجهوا موسماً سيئاً، كما تقول مها قاسم، مؤسسة شركة "زيرو-بوينت بارتنرز" (Zero-point Partners)، وهي شركة استشارية في شؤون المناخ في كراتشي.

لكن الدخول إلى سوق التأمين قد يكون أمراً مخيفاً أيضاً. تقول قاسم إن العديد من المزارعين يفضلون الاقتراض من الأشخاص المقربين منهم بدلاً من الخضوع للعملية البطيئة والبيروقراطية في التعامل مع شركة تأمين. أضافت: "أعتقد أن الأمر يمكن أن يكون صعباً بعض الشيء".

تصنيفات

قصص قد تهمك