أبوظبي تعاني شح المساحات المكتبية وسط طفرة الطلب العقاري

الإمارة بذلت جهوداً حثيثة لتشجيع المستأجرين لأعوام لكن أبراجها الأربعة المميزة بلغت طاقتها الاستيعابية القصوى الآن

time reading iconدقائق القراءة - 15
أفق إمارة أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
أفق إمارة أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:بلومبرغ

تسعى أبوظبي إلى جذب صناديق التحوط الكبرى إلى مركزها المالي، مما سبب نقصاً في المساحات المكتبية بالإمارة الغنية بالنفط.

بذلت الإمارة جهوداً حثيثة لجذب المستأجرين على مدى أعوام، لكن الأبراج الأربعة المميزة في سوق أبوظبي العالمي، والتي تقع في جزيرة الماريه، وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى تقريباً. لذا تعمل الحكومة الآن على توسيع نطاق المنطقة الحرة لتشمل جزيرة الريم المجاورة، مما يزيد مساحتها بعشرة أضعاف ويجعلها واحدة من أكبر المناطق المالية في العالم بمساحة 14.4 مليون متر مربع (3558 فداناً).

وفي ذلك الإطار، يطلب المسؤولون من المستأجرين الحاليين في جزيرة الريم الحصول على ترخيص من سوق أبوظبي العالمي أو إخلاء مكاتبهم بحلول نهاية العام. وتعتقد شركة العقارات التجارية الكبرى "كوشمان آند ويكفيلد كور" (Cushman & Wakefield Core) أن نحو ربع هؤلاء المستأجرين ربما يضطرون إلى الانتقال من الجزيرة.

قال ممثل عن سوق أبوظبي العالمي في بيان عبر البريد الإلكتروني، إن "معدلات الإشغال في جزيرة الماريه تجاوزت 95% نظراً لتزايد طلب الشركات للتواجد في سوق أبوظبي العالمي. وبالتالي؛ فإن التوسع يعد الخطوة الطبيعية والضرورية التالية لتلبية الطلب المتزايد من الشركات الساعية لترسيخ وجودها في المركز المالي لأبوظبي".

طفرة بسوق العقارات في أبوظبي

سيضطر الأشخاص الذين يغادرون المركز المالي بأبوظبي إلى مواجهة سوق عقارات تجارية شهدت تغيرات كبيرة بسبب التحول الهائل في الثروة الموجودة بالعاصمة الإماراتية. وتمتلك الإمارات 6% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، كما تُعد أبوظبي موطناً لأغنى عائلة في العالم، وتملك الإمارة صناديق ثروة سيادية تدير حوالي 1.5 تريليون دولار.

تتناقض طفرة سوق العقارات في أبوظبي مع وضع مدن كبرى أخرى حول العالم مثل نيويورك ولندن وسان فرانسيسكو، حيث تظل معدلات شغور المكاتب مرتفعة نتيجة تحول العديد من الموظفين للعمل عن بُعد في أعقاب الجائحة. وارتفعت معدلات الشغور في سان فرانسيسكو بأكثر من الضعف لتصل إلى 16%، وهو مستوى لم تشهده المدينة منذ التسعينيات.

وحتى في دبي، مركز الأعمال في الشرق الأوسط، بلغ متوسط معدلات الإشغال 91.3% في الربع الأول من العام.

تحديات نقص المساحات المكتبية

يشكل نقص المساحات المكتبية تحدياً كبيراً لمديري العقارات في الشركات الكبرى متعددة الجنسيات. وعادةً ما يتوفر أمام هؤلاء المديرين التنفيذيين أشهر لتقييم عقود الإيجار طويلة الأجل. لكن في أبوظبي، اضطرت بعض الشركات لاتخاذ مثل هذه القرارات في غضون أسبوع. كما دفع التوافر المحدود للمساحات المكتبية المتاحة للإيجار بعض الشركات للتفكير في بناء أبراجها الخاصة في الإمارة.

قال ديفيد شورت، المدير المساعد لدى "كوشمان آند ويكفيلد كور"، إن "إيجاد مبنى في الوقت الحالي أمر صعب للغاية، وعندما تحدد الشركات العقار الذي تفضله، غالباً ما تضطر إلى التحرك سريعاً أو المخاطرة بفقدانها".

يتواجد أيضاً في أبوظبي مليارديرات مثل راي داليو، وأغنى رجل في عالم العملات المشفرة، تشانغ بينغ تشاو، ويتشاركون جميعاً المساحة مع أكثر من 25 ألف شخص يعملون لدى 1950 شركة، بما فيها "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management) و"بلاكستون" (Blackstone) و"غولدمان ساكس غروب" إضافة إلى مجموعة من صناديق التحوط الكبرى وشركات رأس المال الجريء وشركات العملات المشفرة التي تأسست في المركز المالي العام الماضي.

وأدى تدفق الوافدين الجدد إلى قفزة قدرها 211% في الأصول المدارة بالمركز المالي خلال الربع الأول.

مزايا أخرى في أبوظبي

إلى جانب جذب صناديق الثروة السيادية في أبوظبي بشكل كبير لمديري صناديق التحوط، هناك أيضاً مزايا أخرى مثل عدم وجود ضرائب على الدخل والطقس المشمس والنطاق الزمني الذي يسمح بالتداول خلال ساعات التداول الآسيوية والأوروبية والأميركية، مما يساعد الإمارة على جذب شركات من لندن وهونغ كونغ وسنغافورة.

وفر مسؤلو الإمارة أيضاً حزمة امتيازات، بدءاً من مساعدة المتداولين في الحصول على قبول في المدارس المرموقة لأطفالهم وصولاً إلى تأمين عضويات في الأندية الاجتماعية الخاصة، حسبما ذكرت "بلومبرغ نيوز" في مارس.

أجرى اثنان من أكبر صناديق التحوط في لندن- وهما "مارشال ويس" (Marshall Wace) و"كابولا إنفستمنت مانجمنت" (Capula Investment Management)- محادثات لتوسيع عملياتهما في الإمارة. ويمكن أن ينضموا إلى عمالقة مثل "بريفان هوارد أسيت مانجمنت" (Brevan Howard Asset Management)، التي جعلت الإمارة أكبر مركز تداولات لها، وكذلك رجل الأعمال التشيكي، رادوفان فيتيك، والملياردير المصري ناصيف ساويرس الذين يأسسون جميعاً شركاتهم في الإمارة.

كما حصلت العديد من الشركات على تراخيص سوق أبوظبي العالمي الكاملة خلال النصف الأول من العام، بما في ذلك الفروع التابعة لشركة "أكسا" (Axa) و"باكسوس" (Paxos)، و"مورغان ستانلي" (Morgan Stanley) و"بارينجوي ماركتس" (Barrenjoey Markets).

متوسط إيجارات مكاتب أبوظبي

في الوقت نفسه، أدى ارتفاع الطلب على المكاتب إلى زيادة متوسط الإيجارات في المناطق المميزة والفئة "أيه" والفئة "بي"، حيث زادت الإيجارات بنسبة 6.6% و3.4% و9.7% على التوالي فيها خلال الربع الأول.

تيمور خان، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط لدى شركة الخدمات العقارية "سي بي آر إي" (CBRE)، رجح "استمرار الأداء القوي"، وقال إن "ارتفاع الطلب بسبب البحث المستمر عن العقارات ذات الجودة العالية بجانب ندرة العرض المتاح سيستمران في رفع الأسعار".

رغم هيمنة المؤسسات المالية على قائمة الوافدين الجدد للإمارة خلال العامين الماضيين، إلا أن هناك شركات من قطاعات الصناعات الدوائية وعلوم الحياة والأمن والدفاع تدخل أيضاً إلى السوق أو توسع مكاتبها في أبوظبي.

ومع دخول مزيداً من الشركات الخاصة إلى السوق وبحثها عن مساحات مكتبية، تتغير ديناميكيات سوق المكاتب التي كانت تهيمن عليها تقليدياً الشركات المرتبطة بالدولة.

ينقسم المعروض من المنازل والمكاتب في المدينة بين المباني القديمة التي تفتقر إلى وسائل الراحة العصرية والأبراج الجديدة والمساحات المطورة التي تم تصميمها خصيصاً لتلبية احتياجات الشركات العالمية، مما ينشئ سوقاً ذات شريحتين مختلفتين.

من جانبه، قال حيدر طعيمة، مدير ورئيس قسم الأبحاث العقارية لدى "فاليو سترات" (ValuStrat): "لهذا السبب هناك طلب على المكاتب المبنية حديثاً التي تتمتع بتكنولوجيا متقدمة وصديقة للبيئة وتلبي بمتطلبات الشركات الكبرى".

حالة المعروض

لن يستمر نقص المعروض الحالي على الأرجح لفترة طويلة. ففي البداية، سيؤدي تعزيز نطاق سوق أبوظبي العالمي عبر إضافة جزيرة الريم إلى مضاعفة المساحات المكتبية المتاحة في المنطقة الحرة.

وهناك أيضاً مشروع ميدان مدينة مصدر، وهو مجموعة من سبعة مباني تجارية مصممة لتكون منخفضة الكربون، الذي سيعزز المساحات المكتبية بما يصل إلى 50 ألف متر مربع عند اكتماله بحلول نهاية هذا العام. وسيضيف مبنى "ذا لينك" أيضاً 30 ألف متر مربع من المساحات المكتبية بحلول نهاية 2025. كما سيضيف برج آخر في جزيرة ياس 50 ألف متر مربع بحلول نهاية العام المقبل، وفقاً لشورت، من "كوشمان آند ويكفيلد كور".

في الواقع، يُتوقع أن يضيف المطورون العقاريون أكبر عدد من المساحات المكتبية إلى المدينة منذ 2012 خلال العامين المقبلين، وذلك للاستفادة من الطلب المتزايد، وفقاً لـ"سي بي آر إي".

قال سيمون تاونسند، الذي يقود عمليات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى شركة الاستشارات العقارية "أفيسون يونغ" (Avison Young)، إن "هذه الخطط الرئيسية كانت موجودة منذ فترة طويلة، لكن التنفيذ يحدث الآن بوتيرة أسرع بكثير، نظراً لزيادة عدد الأشخاص الذين يدركون حقاً ما تقدمه أبوظبي".

تصنيفات

قصص قد تهمك