الجفاف الذي يجتاح المغرب نذير شؤم لإمدادات الغذاء العالمية

موجة الجفاف المستمرة تؤدي لارتفاع واردات القمح لمستويات قياسية وتهدد صادرات الفاكهة والخضروات

time reading iconدقائق القراءة - 13
نبتة تخترق الأرض المتشققة في حقل للحبوب في برشيد، المغرب. - المصدر: غيتي إيمجز
نبتة تخترق الأرض المتشققة في حقل للحبوب في برشيد، المغرب. - المصدر: غيتي إيمجز
المصدر:بلومبرغ

يزرع محمد سديري ثلاثة هكتارات من الأرض في غرب المغرب منذ عام 1963، ولم يشهد في حياته أن وصلت أرضه إلى هذه الدرجة من الجفاف والعطش.

انهار محصول القمح في العام الماضي إلى طن واحد لكل هكتار (الهكتار = 2.4 فدان)، وهو أقل محصول يحصده على الإطلاق، مع انتشار أسوأ فترة جفاف منذ ثلاثة عقود تطال أرجاء الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

أصاب الجفاف بئراً يصل عمقها إلى 25 قدماً في أرض سديري، الذي لا يستطيع أن يتحمل تكلفة حفرها إلى مستوى أعمق من ذلك.

لذلك فهو يحاول الآن زراعة الشعير، لأنه محصول يتسم بمرونة أكثر من القمح.

يعتبر سديري واحداً من 1.2 مليون فلاح يزرعون الحبوب في المغرب، ويعانون من أعباء تغير المناخ في البلاد، التي شهدت تضاعف وتيرة الجفاف خمس مرات خلال القرن الحالي.

سيمتد تأثير ذلك إلى مناطق واسعة خارج حدود المغرب، إذ تتأهب البلاد لاستيراد كمية قياسية من القمح، في وقتٍ تعاني فيه فرنسا وروسيا، وهما من الدول الكبرى المصدّرة للقمح، من تراجع المحصول، مع انخفاض كمية صادرات المغرب من الفواكه والخضراوات إلى رفوف المتاجر في أوروبا والولايات المتحدة وبقية دول أفريقيا.

تحت شمس قاسية ورياح حارة تثير أعمدةً من الغبار في قرية الزحليكة، قال سديري، المزارع الذي يبلغ من العمر 77 عاماً: "لم نحظ بسنة واحدة جيدة منذ عام 2000، وأسوأ فترة مررنا بها هي السنوات الثلاث الأخيرة. ولا نستطيع الآن سوى أن ندعو الله طلباً لرحمته".

أقل محصول منذ أزمة الغذاء العالمية

تتوقع السلطات المغربية انخفاض محصول القمح الحالي دون مستوى 2.5 مليون طن، وهو أقل بكثير من المعتمد في الميزانية الوطنية، وأدنى مستوى للمحصول في المملكة منذ أزمة الغذاء العالمية عام 2007.

أما الواردات من القمح، فستكون ثلاثة أضعاف هذه الكمية، حسب توقعات الحكومة الأميركية، وهو الموسم الخامس من ستة مواسم ينخفض فيه الإنتاج دون الواردات.

هذه البيانات تشير إلى تحولٍ واضح في قدرة المغرب على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، وإلى زيادة الإنفاق في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة فاتورة إعادة إعمار بقيمة 120 مليار درهم (12 مليار دولار) بعد زلزال سبتمبر المميت.

كذلك تنفق الحكومة 20 مليار درهم لتحديث ملاعب كرة القدم استعداداً لبطولة أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.

ورغم أن الدول المجاورة تستعد لجني محصولٍ أفضل من الحبوب هذا العام، فإن محاصيل مصر تأثرت أيضاً بشدة الحرارة، بينما عانت الجزائر وتونس من الجفاف العام الماضي.

يقول عبد الرحيم حندوف، الباحث في "المعهد القومي للبحوث الزراعية" التابع للدولة: "يعيش قطاع الزراعة في مأساة، خاصة بالنسبة للحبوب. سنستورد كمية أكبر من القمح على المديين القصير والمتوسط لأن إصلاح الوضع سيتطلب وقتاً طويلاً".

ويوضح مايكل باوم، القائم بأعمال نائب المدير العام لـ"المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة"، وهو منظمة لا تهدف للربح، أن موجات الجفاف المتتالية قلصت إنتاج المغرب السنوي من القمح اللين والقمح الصلب والشعير إلى 3 ملايين طن، مقابل 10 ملايين طن في موسم الأمطار قبل ثلاث سنوات.

هذا الوضع لا ينذر بغدٍ أفضل بالنسبة للفلاحين الذين يزرعون الطماطم والفلفل والفراولة والزيتون التي تملأ رفوف المتاجر الكبرى خارج المغرب.

فلا تزال الكردان، وهي أكبر منطقة زراعية مروية تبلغ مساحتها 10 آلاف هكتار، بدون مياه منذ نوفمبر، وسط انخفاض حاد في الاحتياطي الذي تحتفظ به معظم السدود الرئيسية في المملكة.

وفرضت السلطات قيوداً على صادرات البصل والبطاطس إلى غرب أفريقيا للمساعدة في دفع الأسعار نحو الانخفاض في السوق المحلية.

وزير الفلاحة محمد الصديقي صرح أمام أعضاء المجلس التشريعي في أبريل الماضي أن زراعة الحبوب في البلاد انخفضت إلى 2.5 مليون هكتار هذا العام، مقابل 4 ملايين هكتار في السنوات الأخيرة.

وبينما يؤكد باوم أن "موجات الجفاف أصبحت أكثر تواتراً وأشد قسوة"، فإنها أيضاً تغذي التضخم في أسعار الغذاء، إذ يفيد أحمد العامري، عضو مجلس إدارة "تعاونية ريهام" في منطقة فاس-مكناس، وهي إحدى أكبر مؤسسات الإنتاج الزراعي، أن سعر القمح الصلب ارتفع بنسبة 85% منذ عام 2020.

المغرب من البلدان الرئيسية التي تستورد الحبوب من فرنسا، وأنفق 562 مليون يورو (602 مليون دولار) على الواردات العام الماضي، وفقاً لمكتب المحاصيل في منظمة "فرانس أغريمير" (FranceAgriMer).

ارتفعت العقود الآجلة لقمح الطحين المتداولة في باريس إلى أعلى مستوى لها في عام واحد في مايو، قبل أن تتراجع.

تفاقم الفجوة بين الريف والحضر

يفاقم الطقس القاسي التفاوت الكبير في الدخل بين المناطق الحضرية والريفية، حيث فقد الريف العام الماضي ما يقدر بنحو 200 ألف وظيفة، ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني إلى 13%.

ويعمل ثلثا مزارعي الحبوب على قطع أرض تقل مساحتها عن ثلاثة هكتارات، ومعظمهم لا يملكون جراراً زراعياً، ولا يستطيعون شراء البذور أو الأسمدة أو المبيدات الحشرية، ولا يحصلون على تمويل، ولا على الكثير من التدريب على تقنيات الزراعة البديلة، بحسب حندوف. مضيفاً: "أصبحت زراعة الحبوب مرادفاً للبؤس في الريف المغربي".

في ظل هذه الظروف، تعمل الدولة على التكيف. فهي تدفع ببرنامج لاستخدام الحراثة المحافظة على التربة في مليون هكتار بحلول عام 2030، وهي تقنية يمكن أن تزيد المحصول بحوالي 30% مع الحفاظ على خصوبة التربة ورطوبتها.

وتستخدم الحراثة المحافظة على التربة في مساحة 100 ألف هكتار حتى الآن.

وبحسب "المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية"، ومقره الرباط، فإن البرامج العامة خلال العقود الأخيرة "لم تخدم بعدالة الزراعات البعلية"، وبدلاً من ذلك قدمت إعانات كبيرة للمناطق المروية التي لم تتحكم في استهلاكها للمياه.

وأوصى المعهد بإعطاء الأولوية للإمدادات للمزارع الصغيرة التي "تساهم في الأمن الغذائي الوطني"، أي إطعام الناس لتجنب أي احتمال للاضطرابات.

المعهد، الذي أنشئ بموجب مرسوم ملكي، أضاف بتقرير صادر في فبراير: "تجد الزراعة المغربية نفسها في وضع حرج غير مسبوق".

لم تستجب وزارة الفلاحة لطلب التعليق عبر البريد الإلكتروني.

الجفاف يضر بأهداف مشاركة المرأة

في الوقت عينه، يضر الجفاف ببرنامج المملكة لتعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد. فعلى مدى شهرين، لم تشترِ عائشة عواتشو و10 زميلات لها في العمل أي قمح صلب لصنع "الكسكس" الذي حصلت بسببه تعاونية "المرأة والعمل" التي تشتغل فيها على جائزة حكومية.

يرجع ذلك إلى أن الحبوب المعروضة كانت باهظة الثمن وذات جودة رديئة، على حد قولها. حيث وصل السعر إلى 7300 درهم للطن هذا العام، مقارنةً بحوالي 4000 درهم عندما افتتحت التعاونية عام 2014.

وتكسب النساء حوالي 500 درهم فقط في الشهر، ومعظمهن هن المعيلات الوحيدات لأسرهن.

تقول عواتشو (69 عاماً)، داخل مقر التعاونية في منطقة بني ملال وسط البلاد، وهي من أفقر مناطق المغرب: "لا أستطيع استيعاب ما يحدث".

في حالة محمد سديري، فإنه كان يكسب حوالي 10 آلاف درهم من بيع القمح خلال ما وصفه بـ"السنة الجيدة". غير أن هذا المبلغ لا يزال أقل من ثلث الحد الأدنى للأجور على المستوى الوطني.

أما هذا العام، فتحول إلى زراعة الشعير لتجنب "إرهاق التربة" وحصد تسعة أطنان. وكان ذلك كافياً فقط لإطعام أسرته وتغطية نفقاته إلى أن يقوم بالحراثة مرة أخرى في الخريف.

تحدث سديري وهو جالس حول خبز القمح الكامل والزبدة والمربى والشاي بالنعناع، عن مدى التغير الذي طرأ على قريته منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما لم تكن هناك كهرباء أو خطوط هاتف أو مدارس، ولكن كان هناك الكثير من الأمطار. أما الآن فأصبحت القرية تتوفر فيها هذه المرافق لكنها تفتقر إلى مياه الأمطار.

وقال: "كل شيء متاح باستثناء الماء للشرب والزراعة.. نحن بحاجة إلى الماء".

تصنيفات

قصص قد تهمك