خافير بلاس: سوق تداول النفط تردد أصداء مقلقة لفضيحة "الليبور"

فرض غرامة على "ترافيغورا" الأسبوع الماضي بعد "فيتول" و"غلينكور" بسبب التلاعب بأسعار زيت الوقود

time reading iconدقائق القراءة - 12
تمثال العدالة العمياء - المصدر: بلومبرغ
تمثال العدالة العمياء - المصدر: بلومبرغ
المصدر:بلومبرغ - مقال رأي

وجه متداول في سوق النفط أمراً واضحاً وقاطعاً لمساعده: "احرص على أن تبدأ في دفعها (السوق) نحو الهبوط"، وفعل الأخير ذلك، بل أكثر من ذلك بكثير، حيث قدم عروضاً وطلبات "كاذبة ومضللة" للتلاعب بأحد المؤشرات الرئيسية للنفط الأميركي، محققاً أرباحاً بملايين الدولارات.

تلاعب موظفو التداول في شركة "غلينكور" (Glencore) بأسعار زيت الوقود في الولايات المتحدة لما يقرب من 5 سنوات قبل القبض عليهم، وفقاً لاتفاق الإقرار بالذنب بين الشركة ووزارة العدل الأميركية.

لم تكن تلك هي المخالفة الوحيدة التي اجتاحت هذا المؤشر بالتحديد. فخلال السنوات الأربع الماضية، فرضت "لجنة تداول العقود الآجلة للسلع" غرامة على أكبر ثلاث شركات لتداول النفط، إما لتلاعبها فعلاً بسوق زيت الوقود، أو على الأقل لمحاولتها التأثير على الأسعار من خلال مخططات محكمة ومتطورة.

فرضت الهيئة التنظيمية الأميركية غرامات على مجموعة "فيتول غروب" في 2020، وبعدها بعامين على شركة "غلينكور"، وفي الأسبوع الماضي فرضت غرامة جديدة على مجموعة "ترافيغورا غروب".

مشكلة هيكلية

لا نستطيع تجاهل هذا السلوك المخالف باعتباره حالات فردية وعارضة، نظراً للتعاقب السريع نسبياً لثلاث فضائح كبرى، سارت على نفس المنوال، وتورط فيها أكبر اللاعبين في القطاع. بل إن هذه الحالات تشير إلى وجود مشكلة هيكلية يجب على الهيئات التنظيمية معالجتها، وأن هناك فساداً في هذه السوق.

لم تجذب هذه القضايا الكثير من الاهتمام لأنها تركز على زاوية غامضة نسبياً في السوق، وهي زيت الوقود، المادة المستخدمة لتشغيل محطات الطاقة والسفن.

علاوة على ذلك، وفي الوقت نفسه تقريباً، كانت شركات التداول الثلاث تعترف بسلوكيات أشد فظاعة بكثير، شملت الرشوة والفساد وغسيل الأموال، لذلك طغت هذه الجرائم على قضايا التلاعب، وإن ظلت مهمة مع ذلك.

حتى نفهم ما حدث، علينا أن نخوض في دهاليز سوق النفط. إن تحديد أسعار العشرات من خامات النفط المعيارية في سوق التعاملات الفعلية المباشرة –أو تقييمها، بحسب اللغة التي يستخدمها القطاع– يحدث عبر ما يُسمى بشركات الإعلان عن الأسعار. وأهم هذه الشركات هي "بلاتس" (Platts)، وهي وحدة تابعة لشركة "إس آند بي غلوبال"، شركة التقييم المدرجة في نيويورك وتبلغ قيمتها 140 مليار دولار أميركي وتشتهر بأعمالها في مجال التصنيف الائتماني.

تقوم "بلاتس" والشركات المنافسة لها بتقييم سعر السوق من خلال مراقبة الطلبات والعروض والصفقات الفعلية، بالإضافة إلى عنصر يُسمى بـ"لون" أو حال السوق. ويهدف المزج بين هذه العناصر إلى الخروج بتسعير يعكس واقع السوق، بهامش خطأ زائد أو ناقص.

وتركز "بلاتس" على نافذة محددة خلال يوم التداول، وعادةً ما تستمر من 30 إلى 45 دقيقة، لذلك فخلال تلك الفترة القصيرة، يمكن أن يكون للعروض والطلبات التي يقدمها المتداولون تأثير كبير على تحديد الأسعار.

التلاعب بالأسعار

إذا كان كل ما سبق يشبه إلى حد ما فضيحة الليبور (سعر الفائدة لليلة واحدة بين البنوك في لندن)، عندما تواطأ متداولون في سوق المال على التلاعب بأسعار الفائدة، فذلك لأن عملية التوصل إلى تحديد الأسعار متشابهة للغاية، لاسيما لجهة اعتمادها على افتراض أن الأسعار التي يعلنها المتداولون دائماً صحيحة.

ليس كل مشارك في سوق زيت الوقود متورطاً بالتلاعب في الأسعار. لكن من خلال الإقرارات القضائية وأحكام الهيئات التنظيمية، ندرك أن العاملين في أكبر شركات تداول النفط المستقلة في العالم (وهي "فيتول" و"ترافيغورا" و"غلينكور") كذبوا كثيراً أو شرعوا في استخدام استراتيجيات لتضليل الشركات التي تعلن عن الأسعار، مما أدى إلى تسعير غير حقيقي ومصطنع.[1]

في بعض الحالات، مرت تلك التصرفات المخالفة دون أن يلاحظها أحد لسنوات، مع وجود أمثلة متعددة للتلاعب. وفي حالات أخرى، كشفت الهيئات التنظيمية عن حالات فردية فقط من هذه المخالفات التي استمرت لأسابيع.

تؤدي هذه الحالات مجتمعة إلى تقويض الثقة في آلية تحديد الأسعار، تماماً مثلما كشفت فضائح الليبور عن عدم موثوقية نظام تحديد أسعار الفائدة في سوق المال.

والمثير للصدمة أن أسعار زيت الوقود التي جرى التلاعب بها لا تزال قائمة دون تصحيح، كما لو لم يحدث أي شيء خارج عن المألوف، أو كأنها كانت نتاجاً لقوى العرض والطلب الحقيقية، وليس الجشع والتلاعب.

تنظيف الأسواق

سألتُ شركة "بلاتس" عن ذلك، لكنها لم ترد على الأسئلة. وبدلاً من ذلك، أرسلت بياناً قصيراً عبر البريد الإلكتروني قالت فيه إنها "لم تُتهم بارتكاب أي مخالفات". وأضافت الشركة أن "منهجيتها مصممة لضمان نشر التقييمات التي تعكس القيمة السوقية"، قائلة إنها "واثقة من عملها".

في الماضي، أطلقت الهيئات التنظيمية مبادرات شاملة لتنظيف الأسواق المالية. وجرى إلغاء الليبور، وهو مجموعة أسعار الفائدة التي كان يُطلق عليها ذات يوم أهم رقم في العالم، واستبداله بمؤشرات معيارية مصممة لتعكس المعاملات الفعلية بدلاً من الاعتماد على ما يقوله المتداولون عن تكلفة الاقتراض.

وحان الوقت لإجراء إصلاح مماثل لكيفية تسعير المنتجات النفطية مثل زيت الوقود، وقد تكشف التحقيقات الكاملة عن مزيد من التلاعب على نطاق واسع.

يجب على "لجنة تداول العقود الآجلة للسلع" أن تحذو حذو وزارة العدل، التي أعطت الأولوية للقضاء على الفساد والرشوة في تداول النفط.

وعند القيام بذلك، يجب أن تتصدى للإشراف على كيفية صياغة المؤشرات المعيارية للنفط، وضمان أن يتعلم القطاع من حالات التلاعب السابقة.

والأهم من ذلك، ما لم تفرض الجهات التنظيمية عقوبات أشد صرامة، سيستمر المتداولون في أسواق النفط بتجاهل الغرامات باعتبارها من تكلفة ممارسة النشاط. فعلى سبيل المثال، دفعت شركة "ترافيغورا" غرامة قدرها حوالي 55 مليون دولار، مقارنة بصافي أرباح العام الماضي الذي بلغ 7.4 مليار دولار.[2]

أما الخبر السعيد، فهو أن "لجنة تداول العقود الآجلة للسلع" يبدو أنها بدأت. والدليل على ذلك هو العقوبات التي فُرضت على "فيتول" و"ترافيغورا" و"غلينكور"، العمالقة الثلاثة في قطاع تداول النفط.

لكن الوضع في أوروبا وآسيا يستدعي قلقاً أكثر من ذلك. فغياب الإجراءات التنفيذية في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ على مؤشرات معيارية مماثلة تعتمد على نزاهة السوق يعني أحد أمرين: إما أن المتداولين غير الأميركيين يتسمون بالنزاهة والشفافية التامة، أو أن أحداً لا يضبطهم.

[1] في بعض الحالات كانت تلك الأسعار غير الحقيقية أقل مما تمليه العلاقة بين قوى العرض والطلب، وأعلى في حالات أخرى.

[2] شملت الغرامة ادعاءات أخرى غير التلاعب بزيت الوقود.

هوامش

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك