تحرص الشركات الأمريكية، مثل سلسلة الفنادق "هيلتون وورلدوايد هولدينغز"، بشدة على الاستفادة من تكاليف الاقتراض المنخفضة في الوقت الحالي قبل أن ترفع مخاوف التضخم عوائد السندات أكثر أو تغلق السوق تماماً في وجهها لدرجة أنها قد تضطر إلى دفع ملايين الدولارات من الغرامات لإعادة تمويل الديون مبكراً.
وتبيع الشركات مثل شركة تأجير السيارات "أفيس بدجيت غروب"، وشركة المؤشرات المالية "مورغان ستانلي كابيتال انترناشونال"- سندات جديدة وتستخدم الأموال التي تجمعها لإعادة شراء ديونها الحالية، ولكن هذه المشتريات تأتي بتكلفة وهي الرسوم التي يتعين عليها دفعها لاسترداد أوراقها المالية مبكراً، وعادة تكون هذه الرسوم، التي يطلق عليها علاوة الاسترداد، أقل أو حتى صفرية إذا انتظرت الشركة ما بين شهور قليلة إلى عام.
ومن المتوقع ازدياد هذه الصفقات. وهناك سندات قائمة أخرى بقيمة 70 مليار دولار والتي يبدو من المعقول إعادة تمويلها الآن بدلاً من انتظار أن تصبح عمليات إعادة الشراء أرخص، وفقاً لتحليل أجرته "بلومبرغ انتيليجنس". ويراهن الكثير من الشركات على أنها ستخرج من الأمر رابحة إذا دفعت الرسوم الآن لأنها إذا انتظرت لوقت طويل جداً فسينتهي بها الأمر بدفع تكاليف فائدة أعلى بكثير أو ربما تجد نفسها غير قادرة على بيع أذون جديدة.
ولننظر إلى "أفيس" على سبيل المثل، فقد باعت في فبراير 600 مليون دولار من السندات لتسديد سندات سابقة باعتها في ذروة الوباء في مايو 2020، وكانت الأوراق المالية التي أعادت تمويلها مستحقة في 2025، وتكلف إعادة شرائها الآن حوالي 60 مليون دولار أكثر مما كانت شركة تأجير السيارات لتدفعه إذا استردتها العام المقبل، ولكن الديون الجديدة تشطب 20 مليون دولار من تكلفة الفائدة سنوياً مقارنة بالسندات الحالية، وهو توفير قد يتقلص إذا انتظرت الشركة حتى 2022.
وقال نوبل هيبرت، مدير أبحاث الائتمان في "بلومبرغ انتيليجنس": "إذا كان لديك ثقة في أن السوق ستظل مفتوحة أمامك وأن العائدات ستظل منخفضة، فمن الأفضل أن تنتظر".
صعود العائدات
صعدت عائدات السندات العام الجاري في الوقت الذي أصبح المستثمرون أكثر قلقاً من التضخم بعد ضخ الحكومة الأمريكية لمحفزات بقيمة 1.9 تريليون دولار في الاقتصاد. وارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بأكثر من 0.8% منذ بداية 2021 حتى فبراير إلى حوالي 1.72%.
وارتفع متوسط عائد السندات دون الدرجة الاستثمارية بنسبة 0.39% منذ بداية العام حتى يوم الخميس الماضي، ولكن يمكن أن تتضرر السندات أكثر إذا ازداد الفزع في الأسواق. ويعود ذلك جزئياً إلى أن أسعار الأوراق المالية حساسة نسبياً تجاه التغير في العائدات حالياً. وإذا كانت موجة البيع منفلتة بشكل كبير، فإن سوق الإصدارات الجديدة قد تغلق فعلياً كما حدث في 2013 عندما قفزت العائدات بعد أن تحدث الفيدرالي عن تقليص برنامج التيسير الكمي وهي فترة تعرف بـ"نوبة الغضب".
وساعدت المخاوف من الارتفاع المحتمل في تكاليف الاقتراض على زيادة إصدار السندات عالية العائد، والتي ازدادت حتى يوم الخميس إلى أكثر من 80% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، ويعد الربع الأول بالفعل هو ثاني أكثر الأرباع نشاطاً في الإصدار على الإطلاق.
وتجبر العائدات المتزايدة الشركات على القيام بحسابات معقدة، وأصبح بإمكانها تقليص تكاليف الفائدة من خلال إعادة تمويل الديون القريبة من الاستحقاق لأن العائدات عند أدنى مستوياتها على الإطلاق. وهذه الوفورات وحدها قد لا تكون كافية لتغطية الغرامات المرتبطة بسداد الدين مبكراً، ولكن الانتظار لوقت أطول قد يقلص هذه الوفورات بحدة أو يجبر الشركات على إعادة التمويل عندما تغلق الأسواق، ما يترك المقترضين في وضع أسوأ مما لو أعادوا التمويل الآن.
وتقول أليكساندرا بارث، التي تترأس بشكل مشترك المجموعة التي تبيع سندات عالية العائد وقروض تمويلية في بنك "دويتشه" في نيويورك: "تقول الكثير من الشركات "الأفضل أن أُصدر الآن بما أني سأدفع هذه الفائدة (الجديدة) لمدة ثمان أو عشر سنوات مقبلة، حتى وإن كان ذلك يعني أني سأدفع غرامات لاسترداد السندات مبكراً".
المزيد من إعادة شراء الديون
يبدو أن السوق تستعد لإعادة شراء المزيد من الشركات لديونها من خلال الاستردادات. وتتداول حوالي 60% من السندات في السوق مرتفعة العائد فوق سعر استردادها بينما تكون النسبة عادة 40%. ويقول روبيرت سبانو، مدير محفظة في "بي جي آي إم" إنه عندما تتداول السندات فوق سعر استردادها تكون تلك علامة على أن مديري الأموال يتوقعون المزيد من عمليات إعادة التمويل. ويضيف: "يرى المزيد من المستثمرين أن الشركات ستعيد تمويل ديونها قبل أن يحين تاريخ استردادها".
ولا يوجد شك في أن الشركات تعيد تمويل ديونها، ولننظر على سبيل المثال إلى "إم إس سي آي"، مقدمة مؤشرات وبيانات الأسواق المالية، فقد باعت أذون بقيمة 500 مليون دولار في أوائل الشهر الجاري لإعادة تمويل سندات مستحقة في 2026. وتعد هذه الأوراق المالية غير قابلة للاسترداد قبل أغسطس وحينها يصبح بالإمكان إعادة شرائها بـ102.375 سنت للدولار، ولن تكون قابلة للاسترداد بالقيمة الاسمية حتى 2024.
وهناك "هيلتون وورلدوايد" التي باعت 1.5 مليار دولار من السندات في يناير، واستخدمت العائدات لإعادة شراء أذون مستحقة في 2026، وكلفها الاسترداد المبكر حوالي 55 مليون دولار من غرامات الاسترداد وغيرها من الرسوم. ولو انتظرت مالكة الفنادق حتى مايو، لَكانت الغرامات انخفضت إلى ما يقرب من 40 مليون دولار، ولكن في ظل أسعار الفائدة الأقل التي تدفعها على الأوراق المالية الجديدة، ستوفر الشركة حوالي 22.5 مليون دولار سنوياً. وقال متحدث باسم "هيلتون" إنه منذ بداية 2020، قلصت الشركة متوسط سعر الفائدة المرجح إلى 3.5% من 4.36% وجمعت 4.4 مليار دولار من الديون، من بينها 3.4 مليار دولار استُخدمت في إعادة التمويل.
طريقة الحساب
إذا تمكنت الشركات من بيع سند بعائد يقل بحوالي 10% عن متوسط تكلفة التمويل لنفس التصنيف الائتماني، قد تزيد الديون المعاد تمويلها على 70 مليار دولار، ويُقدر تحليل لـ"بلومبرغ انتيليجنس" أن يقترب الرقم من 105 مليارات دولار، وينظر التحليل إلى القيمة الصافية الحالية لتكاليف التمويل وفقاً لمتوسط مؤشر كوبون الفائدة، والوقت المتبقي للسندات المعاد تمويلها، وإجمالي مدفوعات غرامات الاسترداد.
وخلال أغلب الأشهر الستة الماضية، انخفضت علاوات المخاطر على السندات دون الدرجة الاستثمارية مع ارتفاع عائدات سندات الخزانة، وساعد ذلك على إبقاء العائدات منخفضة نسبياً على السندات منخفضة التصنيف الائتماني، وهو ما يعني بالنسبة للعديد من الشركات أن إعادة التمويل لا تزال منطقية.
ولكن أسعار السندات دون الدرجة الاستثمارية أصبحت أكثر حساسية لمخاوف التضخم عما كانت عليه في الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن عائدات السندات منخفضة للغاية، وأوضح جوناثان شاركي، مدير محفظة في "أموندي بايونير"، أنه إذا واصلت العائدات الارتفاع بمقدار 0.5% إلى 1% إضافيين، فقد تتغير حسابات الشركات، ولن تكون عمليات إعادة التمويل جذابة. وقال شاركي: "سيكون الأمر هذه المرة مختلفاً قليلاً، فهكذا تجري الحسابات".