حظر العملات المشفرة لا يمثل أول محاولة لفرض ضوابط على تداولات العملة في الهند. ولكن تلك المرة، من غير المرجح أن ينجح الحظر إضافة إلى العواقب الاقتصادية الأكثر خطورة. ولذلك يجب ألا ترتكب الدولة نفس الخطأ مرتين.
في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، في ذروة ما كان يعرف بترخيص راغ – نظام اللوائح والروتين الذي تم العمل به في الفترة من 1947 – 1990 في الهند - لم يكن مسموحا للمواطنين الاحتفاظ بالعملة الأجنبية إلا لغرض معين وبتصريح من البنك المركزي.
فعلى سبيل المثال، إذا اشترى رجل أعمال عملات أجنبية ليقضي أكثر من يومين في باريس وليلة واحدة في فرانكفورت، وقضى بدلاً من ذلك يومين في ألمانيا، سيطلب بنك الاحتياطي الهندي معرفة سبب عدم التزامه بتصريح العملة وسط تهديد المخالفين بفرض غرامات والتعرض للسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات في حالة عدم الالتزام.
كذلك تطلب الاستيراد تصاريح إضافية. فقد أنفق نارايانا مورثي، مؤسس شركة إنفوسيس المحدودة، حوالي 25 ألف دولار (بما في ذلك الرشاوى) وقام بخمسين رحلة إلى دلهي على مدى ثلاث سنوات للحصول على إذن لاستيراد جهاز كمبيوتر بقيمة 150 ألف دولار.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر أية عملات أجنبية تدخل الشركة مملوكة افتراضياً للحكومة، وهو ما يترتب عليه تحكم بنك الاحتياطي الهندي في حرية إنفوسيس في إنفاق نصف أرباحها من العملات الأجنبية فقط على نفقات الاستيراد وعملياتها في الخارج.
ظهور السوق السوداء
لذلك كان بديهياً ظهور سوق سوداء للعملات الأجنبية بكل ما تحمله من مشاكل. وهو ما دفع الحكومة لمضاعفة جهودها والبدء في إخضاع المتعاملين في العملات الأجنبية بشكل غير مشروع للاحتجاز احتياطياً والذي عادة ما يقتصر على الإرهابيين.
وبالفعل تم القبض على رجال أعمال يبيعون أحذية تحمل العلامة التجارية نايك وأجهزة ستريو تحمل العلامة التجارية سوني كمهربين.
وأدت تلك الإجراءات الحكومية إلى زيادة معدلات فقر الهنود وصعوبة منافسة الشركات الهندية عالمياً. وفي العام 1991، وتحت وطأة أزمة ميزان المدفوعات أُجبرت الهند على فتح اقتصادها ما أدى إلى بدء انطلاق شركات تكنولوجيا المعلومات إلى المنافسة العالمية.
تجريم التعامل في العملات المشفرة
وعلى الرغم من أن مشروع قانون الحظر المحتمل للعملات المشفرة الذي أطلق عام 2019 وحتى مع عدم الكشف عن تفاصيله حتى الآن يبقى متشابها بشكل يثير القلق مع إجراءات حقبة السبعينات حيث يجرِّم حيازة العملة المشفرة أو تعدينها أو تداولها أو تحويلها ومن المحتمل أن يتعرض من يخالف تلك القواعد للسجن حتى عشر سنوات إلى جانب الغرامات.
ويعكس ذلك الحظر الشامل على العملات المشفرة حماقة على كافة المستويات. لسبب واحد، وهو أن تطبيق القانون سيكون أكثر صعوبة مما كان عليه الوضع أثناء ترخيص "راغ".
فالمداهمات من أجل الاستيلاء على الدولارات والسبائك الذهبية في السابق سوف تواجه تحدياً يتمثل في تحديد كلمة مرور للدخول إلى الملايين من عملات البتكوين.
ولن تستطيع الحكومة الاستيلاء على شبكة أجهزة الكمبيوتر المنتشرة في جميع أنحاء العالم أو حتى الوصول إليها في الوقت الذي يتم تعدين العملات المشفرة والاحتفاظ بحساباتها في سلاسل بلوكتشين المتخصصة.
ولهذا، سيتعين على السلطات لفرض الحظر، تطوير نظام مراقبة يمكنه التدخل وتتبع جميع الأنشطة الرقمية والإنترنت في البلاد.
لحسن الحظ، لا تملك الهند القدرة على تحقيق ذلك. وعلى الأرجح، ستؤدي تلك الإجراءات الحكومية إلى دفع سوق العملات المشفرة لتصبح سوق سوداء.
هجرة العقول
ومن شبه المؤكد أن يؤدي ذلك - مرة أخرى - إلى مجموعة من القواعد التعسفية المتلاحقة التي يفرضها البنك المركزي وإدارة الضرائب، والتي سيتم في الغالب تعديلها باستمرار للابتزاز والحصول على الرشاوى.
ومن المتوقع أن يواجه المبرمجون الشباب ومؤسسوا الشركات الناشئة غارات قاسية وتعسفية.
وعلى العكس من "المهربين" في سبعينيات القرن الماضي نجد بعض النخبة والعاملين في مجال الأعمال في الهند منخرطون في هذه التقنيات المالية الجديدة. وسيؤدي ذلك الاضطهاد إلى تحفيز هجرة العقول.
سيتم حرمان المواطنين العاديين من فوائد حقيقية للغاية من العملات المشفرة. حيث سيمنعهم الحظر من الاستفادة من ادخار الثروة في الأصول الرقمية، وهو الخطأ الذي يصفه رائد البلوكتشين بالاغي سرينيفاسان "خطأ التريليون دولار".
حيث تتلقى الهند أعلى تدفق للتحويلات عالمياً ويمكن أن يؤدي استخدام شبكات البلوكتشين إلى توفير المليارات من رسوم التحويل.
وفي الوقت نفسه، فإن النخبة من الهنود ممن يملكون خيارات سوف يهربون من البلاد بثرواتهم وابتكاراتهم.
ولن تقدم تلك الإجراءات حلول لانقشاع مخاوف الحكومة المتعلقة بالتهرب الضريبي على عكس ما تم سابقاً مع إخفاء سبائك الذهب والدولار حيث من الصعب إن لم يكن من المستحيل تتبع العملة المشفرة. ولكن لا شك سيقوم بعض المستخدمين باستغلال تلك الحقيقة لإخفاء الأرباح عن السلطات الضريبية.
تكرار الأخطاء الكارثية
وستصبح تلك الإجراءات تماماً مثل سابقتها الكارثية - قرار الحكومة المفاجئ في عام 2016 بإلغاء صلاحية 86% من العملات الورقية في الهند بين عشية وضحاها – ليكون حظر العملة المشفرة لمحاربة "الأموال السوداء" سيكون بمثابة إشعال النار في الغابة من أجل شواء عدد قليل من الأغنام.
الحل الأفضل بكثير من تلك الإجراءات يتمثل في تبسيط قانون الضرائب الهندي المعقد بشكل شيطاني وتوسيع القاعدة الضريبية وعدم التعسف في التنفيذ وبالتالي تشجيع المزيد من الهنود على دفع التزاماتهم الضريبية.
وبالنظر لثاني تخوفات الحكومة من منع هروب رأس المال والتقلبات أثناء الأزمات الاقتصادية وسماح العملة المشفرة بتجاوز الهنود القيود المفروضة حالياً على تحويل رأس المال والاستثمار في الخارج بسهولة أكبر.
ولكن مرة أخرى، فإن حماية الهنود من التقلبات الاقتصادية العالمية من خلال حظر العملات المشفرة سيكون مثل جعل الطرق أكثر أمانًا من خلال القضاء على السيارات.
الحل الحقيقي طويل الأجل هو أن تقلل الحكومة تدريجيًا من ضوابطها على حركة رأس المال وتجعل الهند وجهة استثمارية جاذبة.
وبدلاً من تجريم العملات المشفرة. يجب على الحكومة مراجعة القيود على المعاملات المالية بدقة لتصبح مناسبة مع التطور حول العالم. فقد ساهم تحرير الاقتصاد في 1991 في أن تصبح الهند رائدة عالمياً في مجال تكنولوجيا المعلومات. وقد يؤدي المزيد من الانفتاح إلى وضع الهنود في المكان الذي يستحقونه دون شك في ذلك بصدارة دول العالم من حيث ابتكارات التكنولوجيا المالية.