بلومبرغ
ظهرت علامات على أن التضخم لم يخفف قبضته على الأسواق منذ أسابيع. تعيش السوق اليوم حالة غليان بعد أن أدى مؤشر أسعار المستهلكين الذي فاق التوقعات، إلى تراجع الأسهم والسندات.
مع ارتفاع الذهب والنفط والعملات المشفرة في الآونة الأخيرة، وسط الطلب الجديد على التحوطات من التضخم، أطلق تقرير مؤشر أسعار المستهلكين لشهر مارس العنان لاضطراب في "وول ستريت".
انخفض مؤشر "إس آند بي 500" بما يصل إلى 1.3%، ليصل إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع، في حين قفزت العائدات على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوياتها منذ نوفمبر. وكانت شركات الطاقة هي الأسماء الأفضل أداء، وهو تذكير بقواعد اللعب في مرحلة ما بعد الوباء، عندما كان تداول يتزامن مع صعود التضخم.
مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية الذي يؤدي إلى زيادة ضغوط التكلفة على نطاق أوسع، بدأت مجموعة من المتداولين التشكيك في أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول سيكون قادراً على هندسة هبوط اقتصادي ناعم، أي حين تتوسع دورة الأعمال بوتيرة صحية تماماً، مع تراجع التضخم.
بدلاً من ذلك، هناك وجهة نظر تكتسب زخماً مفادها أن الارتفاع في الأصول المتعددة هذا العام، بما في ذلك طفرة الأسهم التي بلغت عدة تريليونات، يعمل في حد ذاته ضد مهمة الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم، من خلال تشجيع السخاء بين المستهلكين والمستثمرين.
اقرأ أيضاً: الاحتياطي الفيدرالي مخطئ بشأن حد خفض أسعار الفائدة
وقال دوج رامزي، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة "لوثهولد غروب" (Leuthold Group) ومقرها في مينيابوليس، إن "المشكلة الرئيسية التي يواجهها بنك الاحتياطي الفيدرالي هي أن هذه المكاسب في أسعار الأصول تحدث مع الاقتصاد عند التوظيف الكامل، وينمو بشكل معتدل"، مضيفاً أن "احتفال سوق الأسهم بتخفيضات أسعار الفائدة التي تلوح في الأفق، يعرض في الواقع هذه التخفيضات للخطر".
بعد أن تجاوز مؤشر أسعار المستهلكين التوقعات للشهر الثالث، تحملت الأسهم ذات الموارد المالية الضعيفة وطأة البيع، حيث أدى شبح فترة طويلة من ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة الضغط على التقييمات.
وانخفض مؤشر شركات التكنولوجيا غير المربحة بنسبة 3.4%، في حين انخفض مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة بنسبة 2.5%.
وفي سوق السندات، بدأت القناعة بأن ضغوط الأسعار لم يتم محوها من الاقتصاد بعد، في الظهور في فرق العائد بين سندات الخزانة وسندات الخزانة المرتبطة بالتضخم. وقفز ما يسمى بمعدلات التعادل لمدة عامين مرة أخرى إلى 2.9%، في حين بلغت معدلات التعادل لمدة عام واحد 4.3%، وكلاهما أعلى بكثير من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
اللجوء لأماكن أخرى
مع تحرك الأسهم والسندات بشكل متزايد جنباً إلى جنب، اضطر المستثمرون إلى اللجوء لأماكن أخرى طلباً للحماية. عزز مديرو صناديق التحوط رهاناتهم الصعودية على الذهب إلى أعلى مستوى في أربع سنوات، حسبما أظهرت بيانات لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأسبوعية، عن العقود الآجلة والخيارات قبل تقرير مؤشر أسعار المستهلك. رفع مديرو الأموال صافي مراكز الشراء لنفط "برنت" و"غرب تكساس" الوسيط إلى أعلى مستوى صعودي في أكثر من ستة أشهر.
اقرأ أيضاً: مرونة الاقتصاد الأميركي لا يمكن إنكارها
كتب سكوت روبنر، المتخصص التكتيكي في مجموعة "غولدمان ساكس"، في مذكرة في وقت سابق من هذا الأسبوع، أنه "بالنظر إلى الارتباط الإيجابي بين الأسهم والدخل الثابت، فإن هذا يشكل إعداداً خطيراً للمحفظة المقسمة وفق 60/40"، أضاف: "لقد شهد مكتبنا انتعاشاً في تداولات السلع الأساسية بهدف التحوط".
عوامل أخرى
أكد باول مراراً وتكراراً على أن الظروف المالية تؤثر على الاقتصاد، فإن العديد من التدابير القائمة على السوق تشير إلى خلاف ذلك. أضافت الأسهم 12 تريليون دولار من القيمة منذ أكتوبر وحده، مما دفع مقياس الظروف المالية التي تتبعها "بلومبرغ" إلى الإشارة إلى أنها أصبحت أكثر مرونة مما كانت عليه قبل أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية.
وفي الوقت نفسه، فإن ارتفاع أسعار العقارات السكنية يجعل الأميركيين الأثرياء يشعرون بأنهم أصبحوا أكثر ثراءً، مما يشجع هؤلاء المستهلكين على تخفيف قيود محفظتهم على نحو قد يعوض عن حملة مكافحة التضخم التي يشنها البنك المركزي.
من خلال رسم الاتجاه في صافي ثروات الأسر الأميركية مقابل مؤشر أسعار المستهلك، وجدت شركة "غافيكال للأبحاث" أن الاثنين قد تتبعا بعضهما البعض بشكل وثيق على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وكتب باحثو "غافيكال" في مذكرة أنه "مع ارتفاع صافي ثروة الأسر مقارنة بالمعدل الحالي للاستهلاك الاسمي، فإن تأثير الثروة يمكن أن يلهم الناس على الإنفاق قليلاً"، مضيفاً "إذا لم يواكب العرض الزيادة الناتجة في الطلب، فقد يتسارع تضخم المستهلك".
ركوب موجة التضخم
في حين أن ضغوط التسعير تعني ارتفاع تكاليف المدخلات، فقد تمكنت العديد من الشركات، وخاصة الشركات الكبيرة، من تمرير رسوم إضافية إلى العملاء، مما أدى إلى ركوب موجة التضخم، وتحقيق أرباح قياسية.
ومع توقع أن تبدأ البنوك أرباح الربع الأول بشكل غير رسمي هذا الأسبوع، ستتم مراقبة نتائجها عن كثب لمعرفة ما إذا كان النمو يمكن أن يبرر نسبة السعر إلى الأرباح على مؤشر "إس آند بي 500" التي تزيد بنحو 20% عن متوسطها خلال عشر سنوات.
وبأرباح تعادل 21 مرة، فإن ذلك يترجم إلى عائد أرباح قدره 4.8%، وهو مضاعف يبدو غير موات على نحو متزايد، مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.5%.
وفي الواقع، فإن هامش تقييم الأسهم يقترب الآن من أدنى مستوى له منذ عقدين من الزمن.
وقال إيمانويل كاو، رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في "بنك باركليز": "لقد تجاهلت الأسهم ارتفاع أسعار الفائدة لبعض الوقت، ولكن اليوم هو بمثابة دعوة للاستيقاظ"، مضيفاً: "أدت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين اليوم إلى انعكاس في الزخم التجاري الشعبي، والتحول نحو التحوط من التضخم".