بلومبرغ
فقدت سوق الأسهم قوتها بعدما كانت قرب مستويات قياسية، وذلك وسط استعداد المتداولين لوابل من البيانات الاقتصادية والتصريحات من المتحدثين باسم مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والتي ستساعد في تشكيل التوقعات لأسعار الفائدة.
تراقب وول ستريت أيضاً عن كثب كيف سيتمكن السوق من استيعاب المبيعات الكثيفة لسندات الخزانة وللشركات الكبيرة خلال نهاية الشهر.
ارتفعت العائدات على السندات الأميركية الحكومية لأجل عامين و5 أعوام، بعد مزادات يوم الاثنين. وفي غضون ذلك، باعت الشركات الكبرى في الولايات المتحدة رقماً قياسياً من السندات بقيمة 172 مليار دولار في فبراير، في وقت تتسابق للاستفادة من طلب المستثمرين، وسط انخفاض في تكاليف الاقتراض.
ومع عودة الاقتصاد إلى الواجهة، من المتوقع أن يظهر مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي أكبر وتيرة زيادة خلال عام. ومن المرجح أن يسلط مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي يوم الخميس، الضوء على المسار الوعر الذي يواجهه الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق هدفه للتضخم البالغ 2%.
وبعد القفزة في كل من مؤشرات أسعار المستهلكين والمنتجين، سيصادق مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي أيضاً على التصريحات الفيدرالية الأخيرة، التي تؤكد أن المسؤولين ليسوا في عجلة من أمرهم لخفض أسعار الفائدة.
قال كريس لاركين من "إي ترايد" (E*Trade) من "مورغان ستانلي" إن "البيانات الاقتصادية ستعود إلى الواجهة"، مضيفاً أنه "بعد قراءات مؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر أسعار المنتجين التي جاءت أكثر سخونة من المتوقع، قد يتطلع المزيد من الناس إلى مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي للحصول على نظرة ثاقبة حول تهديد عودة التضخم، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على توقيت بنك الاحتياطي الفيدرالي لتخفيض أسعار الفائدة".
وظل مؤشر "أس آند بي 500" دون مستوى 5100 نقطة. هبطت أسهم شركة "ألفابت" (Alphabet Inc.) بفعل تجدد المخاوف من أن أخطاء الشركة المالكة لـ"غوغل"، في مجال الذكاء الاصطناعي، تعرض أعمال البحث الخاصة بها للخطر.
ارتفعت أسهم "إنفيديا" (Nvidia Corp) إلى مستوى قياسي جديد، بينما انضمت شركة "أمازون" (Amazon.com Inc) فعلياً إلى مؤشر داو جونز الصناعي. عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات تراجعت ثلاث نقاط أساس إلى 4.28%، في حين ارتفعت "بتكوين" فوق 54000 دولار.
فرصة توسيع المكاسب
لدى أسواق الأسهم مجال لتوسيع المكاسب إلى ما هو أبعد من الارتفاعات القياسية، خصوصاً إذا ظلت التوقعات الاقتصادية متفائلة، وعمد المستثمرون إلى ضخ أموالهم في الأسهم المتأخرة، وفقاً لما قاله الاستراتيجيون في مجموعة "غولدمان ساكس" بقيادة سيسيليا ماريوتي.
وكتبوا أن وصول مؤشر "أس آند بي 500" إلى أعلى مستوياته على الإطلاق دفع المستثمرين إلى التركيز بشكل كبير على أسهم "العظماء السبعة" (في إشارة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى).
وفي حين أن هذا يخلق خطر التراجع، إلا أن هناك أيضاً "مساحة لمزيد من الدعم للميول الصعودية وبناء المراكز، خاصة إذا بدأنا في رؤية تحول أكثر وضوحاً من النقد إلى الأصول الخطرة والمتراجعة داخل سوق الأسهم".
قال سام ستوفال، من "سي أف آر إيه" (CFRA): "الآن، نتيجة للطفرة التي يسببها الذكاء الاصطناعي، يتساءل المستثمرون عما إذا كانت السوق ستبلغ ذروتها أم ستتوسع"، مضيفاً: "نعتقد أن الأمر سيتسع في نهاية المطاف، ولكن ليس قبل أن يشعر المستثمرون بالاطمئنان إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يؤجل التخفيض الأول لسعر الفائدة إلى ما بعد الربع الثاني من هذا العام".
يعتبر آرثر لافر جونيور، رئيس شركة "لافير تينجلر إنفستمنت" (Laffer Tengler Investments.) أن أولئك الذين يرون حالياً إمكانية رفع أسعار الفائدة "مخطئون تماماً". وأشار إلى أن "التضخم يجب أن يقفز بالفعل (وبثبات) لأكثر من ربع، قبل أن يفكر بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة في هذه المرحلة".
لافر جونيور اعتبر أن التضخم كان دائماً غير منتظم من شهر لآخر، وإذا ظل التضخم مرتفعاً لفترة أطول أو بدأ في الارتفاع، فسوف يظل بنك الاحتياطي الفيدرالي ثابتاً لفترة من الوقت، قبل إعادة إمكانية رفع أسعار الفائدة.
ومن وجهة نظره، فإن السيناريو الأسوأ في الوقت الحالي هو أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتأجيل أي تخفيضات في أسعار الفائدة حتى نهاية الربع الثاني إلى بداية الربع الثالث.
شركات خارج أميركا
قام الاستراتيجيون في بنك "إتش أس بي سي" (HSBC) بترقية وجهة نظرهم بشأن الأسهم العالمية إلى الحياد من التوصية بالبيع، قائلين إن قرارهم بتخفيض التصنيف في يناير كان "خاطئاً" لأنهم فشلوا في التنبؤ بارتفاع أسهم الذكاء الاصطناعي.
وقال مايكل لاندسبيرغ، كبير مسؤولي الاستثمار في "لاندسبيرغ بينيت برايفيت ويلث مانجمنت (Landsberg Bennett Private Wealth Management) إن "رسالتنا للمستثمرين هي مواصلة التركيز على القطاعات والشركات التي تشهد نمواً"، مشيراً إلى أن أسهم "التكنولوجيا والرعاية الصحية وبعض الشركات المختارة عرفت نمواً قوياً في الأرباح، وهذا هو المكان الذي نريد التركيز عليه. ويمكن أن يكون هذا أيضاً خارج الولايات المتحدة".
بالنسبة إلى سوليتا مارسيلي، من "يو بي أس غلوبال ويلث مانجمنت" (UBS Global Wealth Management)، فإن المستثمرين الذين يتطلعون إلى تعزيز تنويع محفظتهم، لديهم مجموعة واسعة من الفرص خارج الشركات الأميركية الكبيرة.
على سبيل المثال، حددت مارسيلي "أسهم النمو عالية الجودة في أوروبا والتي، في تقديراتنا، تقدم آفاق نمو أرباح مماثلة مثل العظماء السبعة" في الولايات المتحدة، في حين أن الهند هي من بين المناطق الأكثر تفضيلاً لدى شركتها داخل الأسواق الناشئة. وأشارت مارسيلي إلى "أننا نرى قيمة أيضاً في الشركات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة ونظيرتها في أوروبا".
لقد حان الوقت للمستثمرين للابتعاد عن وجهة النظر القائلة إن الولايات المتحدة هي اللاعب الوحيد في المدينة، وفق ليزا شاليت، كبيرة مسؤولي الاستثمار في "مورغان ستانلي ويلث مانجمنت" (Morgan Stanley Wealth Management).
وقالت إن الارتفاع المدعوم بالذكاء الاصطناعي ساعد في خفض فجوة في التقييم بين الأسهم غير الأميركية ومؤشر "أس آند بي 500" إلى أدنى مستوى منذ 20 عاماً، مما حول التنويع الجغرافي إلى "تحوط غير مكلف" ضد تصحيح السوق.
وأضافت: "فكر في إعادة موازنة الشراء المكثف للأسهم الأميركية مع بعض التعرض لليابان وأوروبا والأسواق الناشئة، بما في ذلك البرازيل والمكسيك والهند".
صورة أقل روعة
قام عدد من المتنبئين برفع أهدافهم لمعايير الأسهم بسبب التوقعات المتفائلة لأرباح الشركات، لكن هوامش الربح قد تصل في الواقع إلى ذروتها، وفقاً لاستراتيجيين من "جي بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase & Co) بقيادة ميسلاف ماتيجكا، الذين أشاروا إلى أن هوامش الربح مرتفعة حالياً وفقاً للمعايير التاريخية.
وفي حين أن الأرباح ظلت على حالها، مع تحقيق قفزات كبيرة في الربع الرابع، فإن الصورة للعام الجاري تبدو أقل روعة. قام المحللون بتقييم كل ربع من الأرباع الأربعة في العام المالي 2024، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس". لا تزال التوقعات تشير إلى زيادة قوية بنسبة 9.5% في ربحية السهم لهذا العام.
سيحدد الطلب الضعيف من الشركات على البرامج والأجهزة، إلى جانب جهود خفض التكاليف لحماية هوامش الربح، نغمة التقارير من "ديل" و"أتش بي" و"سايلز فورس" هذا الأسبوع.
ومن المتوقع أن تصبح المحركات الرئيسية الثلاثة لقوة أرباح الشركات أضعف مع تقدم العام، الأمر الذي سيضغط على أسعار الأسهم، وفقاً لماركو كولانوفيتش من بنك "جيه بي مورغان تشيس".
وقال إن أكبر مصادر المخاطر السلبية على هوامش الربح والأرباح، هي زيادة صافي نفقات الفائدة، وإضعاف القدرة التسعيرية للشركات، وارتفاع تكاليف العمالة.
في غضون ذلك، قال جيمي ديمون إن المشاكل في العقارات التجارية سيتم احتواؤها في "جيوب" القطاع طالما أن الولايات المتحدة تتجنب الركود. واعتبر الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان" لشبكة "CNBC" الاثنين، أن العديد من مالكي العقارات يمكنهم التعامل مع المستوى الحالي من التوتر، مضيفاً أن التقييمات المنخفضة المرتبطة بأسعار الفائدة المرتفعة "ليست أزمة، إنها شيء معروف نوعاً ما".
وارن بافيت مستاء
خلال عطلة نهاية الأسبوع، قالت شركة بيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway) التابعة لوارن بافيت، إن مستويات النقد لديها وصلت إلى مستوى قياسي جديد، حيث شجب الملياردير عدم وجود صفقات ذات معنى من شأنها أن تمنح الشركة فرصة لتحقيق "أداء مذهل".
وقال بافيت (93 عاماً) في رسالته السنوية للمساهمين، والتي نشرتها الشركة جنباً إلى جنب مع إعلان النتائج السبت، إنه "لا يوجد سوى عدد قليل من الشركات في هذا البلد التي يمكن وصفها بأنها قادرة على إحداث تغيير حقيقي في بيركشاير، وقد تم اختيارها كثيراً من قبلنا ومن قبل الآخرين".
بالنسبة لنيكولاس كولاس من شركة "داتا تراك ريسرتش" (DataTrek Research)، فإن كلام بافيت يظهر كما لو أنه يقول إن الأسهم العالمية ذات قيمة عادلة، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيداً، فنظراً إلى أن شركته "ضخمة"، ستحتاج إلى أخذ مراكز ضخمة في الشركات الكبيرة من أجل "تحريك الإبرة".
كما سلط كولاس الضوء على الغياب المطلق لعبارة "الذكاء الاصطناعي" في رسالة بافيت هذا العام. وأضاف: "هناك مقولة قديمة في وول ستريت تقول: لا تجادل أبداً بشأن الاستثمار مع أي شخص أغنى منك بكثير".
ونوّه إلى أن "بافيت يستحق كل الاحترام الذي اكتسبه على مدى عقود"، رغم ذلك، "فإن وجهة نظرنا تختلف عن وجهة نظره، وهي تعتمد على فكرة أن النمو المدعوم بقطاع التكنولوجيا هو المحرك الوحيد الموثوق لقيمة المساهمين، بصرف النظر عن وجود عبقري على رأس شركة مثل بيركشاير".