يمكن للأوروبيين والأميركيين مناقشة مواضيع مختلفة تتناول مثلاً: المشروبات بدون ثلج، والطريقة الأفضل لصنع الشاي ومدة الإجازات المناسبة. لكن عندما يتعلق الأمر بالاحتفاظ بالنقد في البنك مقابل استثماره في سوق الأسهم، فلا شك في من هو المخطئ: فعادات ادخار الأموال لدى الأوروبيين تزيد من ظاهرة عدم المساواة، وتجعلهم بذلك أفقر مما لو كان الوضع خلاف ذلك، كما تحرم الشركات المحلية من رأس المال السهمي.
هل تواصل أسهم "العظماء السبعة" قيادة مكاسب السوق في 2024؟
ليس من غير المألوف أن يميل المزيد من الشركات إلى إدراج أسهمها في الولايات المتحدة على أمل الحصول على تقييم أفضل. وهناك، تعتبر موضوعات مثل أسهم "العظماء السبعة"، وأعلى مستوى قياسي لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500 " من الموضوعات المقبولة "للمحادثات المهذبة"، في حين أن العديد من الأوروبيين يساوون بين الاستثمار ولعب القمار.
يؤكد تراجع القوة الشرائية بسبب التضخم وشيخوخة السكان في أوروبا -ما سيجعل تمويل المعاشات التقاعدية العامة أكثر صعوبة- على الحاجة الملحة لتحويل من يكنزون الأموال إلى مستثمرين.
تجنب المخاطرة
نبدأ بالأخبار الجيدة. فبفضل شركات الوساطة على الإنترنت وصناديق المؤشرات المتداولة منخفضة التكلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الاستثمار في الأسهم أو السندات والحصول على المشورة المالية أسهل مما كان في أي وقت مضى. كذلك يدخر الأوروبيون نسبة أعلى بكثير من دخلهم القابل للإنفاق مقارنةً مع الأميركيين.
تكمن المشكلة في ما نفعله بهذه الأموال: في بلدان مثل المملكة المتحدة، هناك تحيز واضح للاستثمار في العقارات السكنية، أحياناً على حساب حيازة أصول أخرى. وفي دول مثل ألمانيا، فإن الشكوك حيال سوق الأسهم والسعي لتجنب المخاطرة لهما جذور عميقة.
الأسهم الأميركية تتكبد أكبر خسائر أسبوعية منذ أكتوبر
والنتيجة النهائية هي أن الأسر الأوروبية (بما فيها الأسر في المملكة المتحدة) احتفظت بما يقرب من 14 تريليون يورو (15 تريليون دولار) من النقد والودائع المصرفية في نهاية عام 2022، وفقاً لتقرير نشرته "الجمعية الأوروبية للصناديق وإدارة الأصول - إفاما" (EFAMA) الشهر الماضي. وتمثل هذه السيولة 34% من إجمالي الأصول المالية للأسر في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لـ"مكتب الإحصاءات الأوروبي - يوروستات"، وترتفع هذه النسبة لتتجاوز 40% إذا استبعدت الحصص التي لا يسهل تسييلها في الشركات غير المدرجة، كما فعلت "إفاما" في تحليلها.
الودائع المصرفية
بعض هذه المدخرات تراكمت عندما لزم الناس منازلهم خلال فترة الوباء، وربما ربحوا أخيراً قدراً لا بأس به من الفوائد لأول مرة منذ أكثر من عقد. ومع ذلك، من الصعب الاختلاف مع تحذير "إفاما" من أن معظم الأوروبيين "مازالوا يحتفظون بمبالغ كبيرة جداً من المال في ودائع مصرفية". في المقابل، تمثل صناديق الاستثمار 10.5% فقط من الثروة المالية للأسر الأوروبية (باستخدام تعريف "إفاما")، بينما تمثل الأسهم المدرجة أقل من 6%.
الصين و"الفيدرالي" والانتخابات.. ماذا سيحرك أسهم آسيا 2024؟
تعتبر مشاركة الأفراد في أسواق رأس المال في أوروبا منخفضة بشكل صادم. حيث تمتلك 13% فقط من الأسر في منطقة اليورو وثائق في صناديق الاستثمار، في حين تمتلك 11% من هذه الأسر أسهماً مدرجة بشكل مباشر، وفقاً لبيانات صادرة عن استطلاع أجراه المركزي الأوروبي. الوضع في المملكة المتحدة ليس أفضل من ذلك بكثير، حيث انخفض عدد المستثمرين الأفراد الذين يمتلكون الأسهم بشكل مباشر إلى النصف ليبلغ 11% فقط خلال العقدين الماضيين.
الحد من عدم المساواة
التداعيات المالية واضحة: تبلغ قيمة الأسهم وصناديق الاستثمار والسندات والتأمين على الحياة وأصول صناديق المعاشات التقاعدية المملوكة للأسر حوالي 90% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي، مقارنةً بأكثر من 310% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة و182% في المملكة المتحدة، وفقاً للأرقام التي جمعتها "جمعية الأسواق المالية" في أوروبا للنصف الأول من 2023.
إذا قامت الأسر في الاتحاد الأوروبي بتعديل تخصيص أصولها، وزيادة استثماراتها بالأسهم بنسبة متواضعة تبلغ 5 نقاط مئوية، فقد يؤدي ذلك إلى توجيه 1.8 تريليون يورو من رأس المال للاستثمار الإنتاجي، وفقاً لحسابات أجراها مركز الأبحاث "نيو فاينانشال" (New Financial) العام الماضي. وبالمثل، يمكن للمملكة المتحدة أن تطلق 740 مليار جنيه إسترليني (943 مليار دولار) من رأس المال إذا زادت الأسر حيازاتها من الأسهم والصناديق إلى ربع إجمالي الأصول المالية.
هوس أسهم التكنولوجيا الأميركية يحتدم.. ومؤشر "S&P 500" يتجاوز مستوى 5000 نقطة
وقد تساهم هذه الخطوة في الحد من ظاهرة عدم المساواة: فأكثر من 80% من الأسهم المدرجة في منطقة اليورو من حيث القيمة مملوكة لأغنى 10% من الأسر، في حين أن أدنى 50% يمتلكون 2% فقط، وفقاً للبنك المركزي الأوروبي.
يحتفظ الأميركيون بـ13% فقط من أصولهم المالية في صورة سيولة نقدية، وحوالي نصفها في شكل أسهم ووثائق صناديق استثمار. وأكثر من خمس الأسر الأميركية تمتلك أسهماً ملكية مباشرة، ويرتفع الإجمالي ليصل إلى 58% بمجرد تضمين الحيازات غير المباشرة مثل حسابات التقاعد.
إقناع الناس بالاستثمار
تعتبر هذه الفروق ثقافية جزئياً وتعكس أيضاً نظام الضمان الاجتماعي الأقل سخاءً في الولايات المتحدة، والذي يجبر الأميركيين على تكوين ثروة من خلال نظام معاشات 401 (ك) ذي المزايا الضريبية. وقال وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر خلال حدث لـ"بلومبرغ" الأسبوع الماضي إن "حلمه الكبير" هو أن تقدم ألمانيا حسابات استثمار فردية على غرار خطة 401 (ك)، لاستكمال صندوق الثروة السيادية الجديد الذي سيستثمر 12 مليار يورو سنوياً في الأسهم العالمية بدءاً من هذا العام. وقال: "يكمن الهدف الرئيسي في التغلب على تجنب الألمان لأسواق رأس المال".
ومن حسن الحظ أن نفور الأوروبيين من امتلاك الأسهم ليس على نفس المستوى في مختلف أنحاء القارة. حيث تحتفظ الدول التي تقع شمال أوروبا بالقليل نسبياً من ثروتها المالية في صورة نقدية ولديها ملكية عالية نسبياً من الأسهم المدرجة وصناديق التقاعد، وفق تحليل "إفاما" .
صعود تاريخي لأسهم التكنولوجيا يقفز بـ"S&P 500" لأعلى إغلاق على الإطلاق
فكيف تقنع الناس بالاستثمار؟ إلى جانب نظام معاشات تقاعدي متطور، يمكن أن يساعد على ذلك دعم التعليم والمعرفة المالية، على الرغم من أنني أشك فيما إذا كانت الدروس حول عجائب الفائدة المركبة هي الحل المناسب (فما حجم المعلومات التي تتذكرها من المدرسة الثانوية؟).
أنا أكثر اقتناعاً بالسياسات التي "تدفع" المستهلكين إلى الاستثمار دون أن يضطروا إلى التفكير كثيراً في الأمر، وبالتالي التغلب على مشكلة الجمود (وهو أمر أعترف بأنني أعاني منه أيضاً).
على سبيل المثال، أصلحت السويد نظام المعاشات التقاعدية الحكومية منذ أكثر من عقدين حيث ألزمت الموظفين باستثمار 2.5% من الإيرادات في ما يسمى "نظام التقاعد الممتاز". وتُستثمر الأموال في صندوق افتراضي، لو لم يذكر الأفراد غير ذلك. وقد حقق هذا الصندوق متوسط عائد سنوي مرجح على رأس المال بنسبة 9.8% بين عامي 2000 و2022. وبالمثل، أدخلت المملكة المتحدة التسجيل التلقائي في المعاشات التقاعدية المهنية في عام 2012، وفرضت حداً أدنى للمساهمة بنسبة 8% من الأرباح منذ عام 2019؛ وزادت العضوية عشرة أضعاف بين عامي 2011 و2019.
مصاعب محتملة
كما تعتبر حسابات الاستثمار ذات الكفاءة الضريبية، مثل حسابات التوفير الاستثمارية "إنفستيرينغس باركونتو" (Investeringssparkonto) في السويد، وخطط الادخار الفردي (Piani Individuali di Risparmio) الإيطالية أو حسابات التوفير الفردية في المملكة المتحدة من الطرق الجيدة لدفع الناس إلى زيادة استثمار أموالهم.
ومع ذلك، يمكن تحسين نظام المملكة المتحدة: يختار الكثير من الناس حسابات التوفير الفردية المعروفة اختصاراً بـ"آي إس إيه" (ISA) النقدية بدلاً من حساب مستثمر في الأسهم على الرغم من أن الأخير يقدم عوائد محتملة أعلى. يجب على بريطانيا أيضاً النظر في إعادة هيكلة حسابات التوفير الفردية لإعطاء الأولوية للاستثمار في الشركات المحلية وبالتالي إحياء سوق رأس المال المتعثرة في لندن، ويبدو أن وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت منفتح على هذه الفكرة.
استعانة الأميركيين بحسابات التقاعد تتزايد وسط ضغوط المصاريف
من أجل الحد من ظاهرة عدم المساواة، أؤيد تزويد الأطفال بصناديق استثمار ممولة من دافعي الضرائب، تستثمر في مؤشر أسهم متنوع. بهذه الطريقة، يمكن للأسر الفقيرة أيضاً أن تكوّن فكرة عن سوق الأسهم، كما يمكن للمستفيد أن يلاحظ سحر التراكم مباشرةً.
أكبر صندوق تقاعد بالعالم يتكبد خسارة فصلية بـ4.5 مليار دولار
قد لا يكون الأوروبيون الذين يضعون كل مدخراتهم في البنك على دراية بالمصاعب المالية التي تنتظرهم. هذا هو السبب في أن أنظمة تتبع المعاشات التقاعدية التي تزود الأفراد بنظرة عامة واحدة واضحة على المدفوعات المستحقة من المعاشات التقاعدية العامة والخاصة مهمة للغاية.
تكمن الخطوة الأولى في التغلب على الإدمان هي إدراك أن لديك مشكلة. وتعتبر عادة ادخار النقد في أوروبا مشكلة كبيرة من هذا النوع.