بلومبرغ
تتم زراعة ما مقداره ملايين الأطنان من المحاصيل المهمة في مناطق أوكرانيا التي تحتلها روسيا. المشكلة تتمثل في صعوبة معرفة حجم تلك المحاصيل أو أماكن تصريفها. كما يصعب للغاية تقدير الكميات لدرجة أن بعض أبرز المحللين يستبعدون تلك المناطق التي تسيطر عليها موسكو أثناء إصدار التوقعات تماماً.
وفي ظل استمرار الحرب، أصبح من الصعب الحصول على معلومات موثوقة بشأن مقدار ما تتم زراعته وحصاده. في حين سيتم استهلاك بعض المحاصيل في تلك المناطق، يتم شحن كميات أخرى إلى روسيا أو خلطها مع الحبوب الروسية وبيعها في السوق العالمية.
لكن برنامج الأمن الغذائي والزراعة التابع لـوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) يقدم لمحة عن هذه الكميات، حيث تم حصاد حوالي 6.4 مليون طن من القمح-ما يعادل إجمالي إنتاج بلغاريا- وحوالي 1.5 مليون طن من بذور عباد الشمس في المناطق التي تحتلها روسيا بأوكرانيا هذا العام، حسبما أظهرت الأبحاث باستخدام صور الأقمار الصناعية.
ورغم أنها ليست كافية لترجيح كفة التوازن في العالم، إلا أنها كمية كبيرة غير محسوبة في تقارير الصناعة التي يستخدمها التجار لقياس الإمدادات والصادرات، مما قد يؤثر على أسعار السوق. بالإضافة إلى ذلك، فإن مناولة الحبوب من مناطق النزاع عن غير عمد يمكن أن تزيد من المخاطر القانونية للتجار الدوليين.
قالت إنبال بيكر-ريشيف مديرة برنامج "هارفست" (حصاد) التابع لوكالة (ناسا): "نتحدث عن كمية هائلة من الحبوب.. من الأهمية بمكان أن تكون هذه المعلومات متاحة وشفافة، وأن تتناول كمية الغذاء التي يتم حصادها وإنتاجها في الوقت الحالي".
"قدر كبير من عدم اليقين"
يعد تقييم قيمة الحبوب المزروعة في الأراضي الواقعة بمناطق النزاع والأضرار التي لحقت بها، أمراً مهماً أيضاً لأي مطالبات قد تقدمها أوكرانيا للحصول على تعويضات من روسيا. في حين أن أبحاث "ناسا" لا تظهر مقدار الحبوب المزروعة هناك ويتم تصديرها، إلا أنها تساعد في الإشارة إلى الكمية التي يمكن خلطها مع الشحنات الروسية، التي تتجه إلى دول بما في ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا. وتواجه المنظمات التي تتنبأ بالإمدادات معضلة بشأن المناطق التي يجب تضمينها. قالت وزارة الزراعة الأميركية إن تقديراتها الخاصة بأوكرانيا تشمل شبه جزيرة القرم وليس الأراضي الأخرى التي تسيطر عليها روسيا.
يشمل نظام معلومات السوق الزراعية شبه جزيرة القرم باعتبارها جزءاً من روسيا الاتحادية، لكنه يستبعد الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في دونيتسك وزاباروجيا ولوغانسك وخيرسون من التقديرات الروسية والأوكرانية، حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، التي تستضيف أمانة نظام معلومات السوق الزراعية، في رسالة بالبريد الإلكتروني.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الشهر إن إجمالي محصول بلاده سيشمل ما بين 5 ملايين إلى 6 ملايين طن من الحبوب من المناطق التي يسيطر عليها الكرملين في أوكرانيا، حسبما أوردت وكالة "إنترفاكس". ويمكن أن تكون الكمية أكبر، وفقاً لرئيس جمعية الحبوب الأوكرانية، الذي صرح لمجلة "فوربس" الشهر الجاري أنه يتم إنتاج حوالي 15 إلى 16 مليون طن من جميع المحاصيل في مناطق النزاع. ولم ترد وزارة الزراعة الأوكرانية فوراً على طلب للتعليق.
قالت وزارة الزراعة الأميركية عبر البريد الإلكتروني: "يوجد قدر كبير من عدم اليقين بشأن وضع الزراعة الأوكرانية في الأراضي الواقعة بمناطق النزاع، بما في ذلك الافتقار إلى بيانات موثوقة لتقييم حجم إنتاج المنطقة بشكل صحيح".
"تحذير سويسري"
يثور سؤال آخر بشأن كمية الحبوب التي يتم تمريرها على أنها روسية. حذر المدعي العام السويسري العام الماضي التجار من التعامل مع المواد الغذائية التي يقال إنها خرجت من أوكرانيا، الأمر الذي يعرضهم لخطر ارتكاب جريمة حرب. لكن تتبع إمدادات الحبوب بشكل موثوق قد يكون صعباً، خاصة عندما يتم خلطها مع مصادر أخرى. في حين اختار كبار التجار الغربيين التوقف عن استيراد الحبوب مباشرة من المزارعين الروس، إلا أنهم ما زالوا قادرين على التعامل مع تلك الشحنات عبر كبرى شركات شحن القمح.
قال أرتيم سفيريد، رئيس الاستراتيجية والاستثمار في شركة "سمارت هولدنغ" (Smart Holding) إنه لا توجد ضوابط بشأن أصول الصادرات الروسية في الوقت الحالي. أوضح سفيريد، الذي تمتلك شركته حصة في "هارفي إيست" (HarvEast) للأعمال الزراعية، التي فقدت قطعة أرض بسبب الغزو: "من الظلم عدم مراقبة الإنتاج.. يتعين أن يبذل المجتمع الدولي والمؤسسات العالمية بعض التحقق، لا يمكن لأوكرانيا أن تفعل ذلك بمفردها".
يظهر بحث "ناسا هارفست" أيضاً التخلي عن نحو 7% من الأراضي الزراعية في أوكرانيا هذا العام، معظمها على طول الخطوط الأمامية. تأمل بيكر-ريشيف أن تساعد هذه الأساليب في إظهار كيفية تأثير الحرب والطقس الشديد على الإنتاج في أماكن أخرى من العالم. قالت إنه بالنسبة لأوكرانيا، "من المهم للغاية أن نتحلى بالشفافية بشأن هذه الأرقام.. إنه أمر لا يمكننا تجاهله".