ربما تكون سوق سندات الخزانة الأميركية هي الأهم في العالم، فهي ملاذ للمستثمرين في أوقات الاضطراب، كما أنها مقياس لكل ما سواها من الأصول تقريباً.
لكنها تواجه ضغوطاً متعاظمة، إذ أن الاقتراض الحكومي غير المستدام والتشديد الكمي للاحتياطي الفيدرالي، يغرقها بدين قدره تريليونات الدولارات.
لذلك ينبغي على السلطات الأميركية إحداث تعديلات عاجلة لتمنع تحول سوق سندات الخزانة إلى مصدر لعدم استقرار.
رواج سندات الخزانة مرده جزئياً سيولتها العالية، أي أن شراءها وبيعها أمر يسير، ولا يحدث تقلبات كبيرة في الأسعار. وتعتمد هذه الميزة جزئياً على مجموعة صغيرة من بنوك كبرى، معروفة باسم المتعاملين الأساسيين، وهي على استعداد لتداول هذه الأوراق المالية والاحتفاظ بكميات كبيرة منها في ميزانياتها.
لكن في السنوات الأخيرة، كان الحجم الهائل للديون الحكومية المستحقة، جنباً إلى جنب مع تشديد متطلبات رأس المال، سبباً في جعل المتعاملين أقل قدرة على الاضطلاع بدورهم التقليدي، وخاصة عندما تكون هناك زيادات مفاجئة في النشاط وفي تقلبات الأسعار.
كما يلعب المشاركون الآخرون الآن دوراً أكبر، فزاد ذلك من هشاشة الحال. توفر شركات التداول المعتمدة على الخوارزميات سيولةً وهميةً، فهي تحتفظ بالأوراق المالية لأجزاء من مليون من الثانية فقط، ثم تنسحب، خاصة عند حدوث التقلبات، وتلك هي الأوقات التي تشتد الحاجة إلى تواجدها لتكون صانعة سوقٍ.
البيع القسري
في الوقت نفسه، تستخدم صناديق التحوط رافعة مالية هائلة لاستغلال التباينات الضئيلة بين أسعار سندات الخزانة في السوقين النقدية والمستقبلية.
وهذه "التجارة الأساسية" تزيد كفاءة السوق لكنها تنطوي أيضاً على خطرٍ كبيرٍ يتمثل في اضطرار الصناديق، في الأوقات المتقلبة، لأن تبيع كميات كبيرة من سندات الخزانة لتلبية طلبات الضمان على قروضها. قد يؤدي مثل هذا البيع القسري لزعزعة الاستقرار، نظراً لحجم المراكز وتركيزها.
فما الذي يجب فعله؟ أرى ثلاث طرق لتخفيف المخاطر.
- أولاً، يجب على من يتمتعون بميزانية عمومية قابلة للتوسيع بشكل كبير أن يوفروا سيولةً حقيقيةً وموثوقةً. ولتحقيق هذا، ينبغي للاحتياطي الفيدرالي أن يتيح لجميع حاملي سندات الخزانة تسهيلات إعادة شراء دائمة، أي أن يقرض المال مقابل ضمانات الأوراق المالية الحكومية. هذا من شأنه أن يسمح لصناديق التحوط وغيرها، بجمع الأموال بسرعة من دون الحاجة إلى البيع بكميات كبيرة. ولضمان استخدامه فقط كمساندة، ينبغي أن يفرض الاحتياطي الفيدرالي فائدةً أعلى بقليل من المستوى السائد عادة في أسواق إعادة الشراء. وبدلاً من محاولة التفاعل بشكل مباشر مع المجموعة الأوسع من المشاركين في السوق، يستطيع الاحتياطي الفيدرالي أن يستخدم المتعاملين الأساسيين كوكلاء، دون إثقال ميزانياتهم.
اقرأ أيضاً: تقلّب السندات الأميركية يطيح بالأسهم والعملات الآسيوية
- ثانياً، يتعين على الحكومة أن تلزم بتوجيه كل معاملات الخزانة من خلال دار مقاصة مركزية تعمل بين جميع الأطراف المقابلة، وتضمن جمع ما يكفي من الضمانات. هذا يجعل التداول المباشر أسهل على مجموعة أوسع من المشاركين من قلق بشأن الجدارة الائتمانية للآخرين. كما أنه يدمج شبكة معقدة من الالتزامات الثنائية ليصبح صافي التعرض للطرف المركزي أصغر بكثير، فتقلّ المخاطر الشاملة في النظام.
- ثالثاً، تحديد متطلبات ضمانات أولية وافية لمراكز سندات الخزانة ذات الرافعة المالية العالية، بحيث لا تلزم زيادتها خلال نوبات التقلبات. هذا من شأنه أن يحد من احتمالات الإفراط في الاستدانة لدى صناديق التحوط، ويقلل من مخاطر الدورات الضارة التي يفاقم فيها ارتفاع طلبات الضمانات والبيع القسري بعضها بعضاً. ويعتمد المستوى الصحيح على مدى رغبة الهيئات التنظيمية في الحد من احتمالات البيع القسري. إذا تم اعتماد توصياتي بشأن اتفاقيات إعادة الشراء الدائمة والمقاصة المركزية، فمن المفترض أن تكون المتطلبات أقل صرامة.
في الحال المثالي، ينبغي للحكومة أن تقوم بواجبها في ترتيب سياستها المالية. المؤسف في هذا أنه لا يبدو مرجحاً أن يفعل الكونغرس ذلك في وقت قريب، ما لم يضغط حراس سوق السندات بالقدر الكافي ليفرضوا استجابة بناءة. وهذا سبب إضافي لمعالجة نقاط الضعف في السوق قبل ظهور المشاكل. إن انخرط الاحتياطي الفيدرالي، جنباً إلى جنب مع الإصلاحات الأخرى التي اقترحتها، فإن ذلك من شأنه أن يهدئ الأعصاب، وأن يحد من خطر تردي السوق.