عندما تتحول شركة ناشئة إلى عامة بعد إدراجها، فإنَّ مؤسسها سيكون محظوظاً، إذا تمكَّن من الاحتفاظ بـ 20% من أسهمها لنفسه.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ رجل الأعمال الروسي والسياسي السابق، دينيس سفير دلوف، يعدُّ حالة لافتة للنظر، فقد احتفظ لنفسه بـ 76% من أسهم شركته "أرايفيل ليميتيد" البريطانية (Arrival Ltd)، التي تعمل في صانع الشاحنات، والحافلات الكهربائية، التي سوف تندمج مع شركة استحواذات في أمريكا، خلال الأسابيع المقبلة.
وتبلغ قيمة الحصة المملوكة لشركة الاستثمار "كينيتيك- سارل"، التي مقرّها لوكسمبورغ، التابعة لسفير دلوف، في "أرايفيل"، حوالي 11 مليار دولار، برغم أنَّ "أرايفيل" لم تبدأ تصنيع السيارات بعد.
وينبع فوز سفيردلوف بهذه الجائزة الكبرى جزئياً من التقييمات الهائلة لشركات السيارات الكهربائية التي تمَّ طرحها للجمهور عبر شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة.
ويساعد التقييم العالي على زيادة رأس المال دون تقليل ممتلكات المؤسسين كثيراً، كما أنَّه يجنِّبهم الدخول في جولات تمويل رأس المال الاستثماري المخففة، التي تتمُّ بأسعار أكثر تحفظاً.
وتعمل هذه الاتجاهات على ترسيخ الثروة، والقدرة التصويتية للمؤسسين، والداعمين الماليين الأوائل.
وسيمتلك صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة العربية السعودية نسبة قدرها 62% من شركة "لوسِد موتور إنك" Lucid Motors Inc، بعد إغلاق إدراجها في شركة استحواذ ذات أغراض خاصة.
شركة غير عادية
ومع ذلك، تعدُّ شركة "أرايفيل" غير عادية، فقد تمَّ تمويلها بالكامل من قبل "كينيتيك"، إلى أن عقدت جولة تمويلية خاصة بقيمة 250 مليون يورو (300 مليون دولار) في العام الماضي، مكَّنت دخول شركات شملت "هيونداي موتور" Hyundai Motor، و"بلاك روك إنك" Black Rock Inc، بالإضافة إلى فلاديمير بوتانين، أغنى رجل في روسيا.
ولا يستطيع معظم المؤسسين تحمُّل تكاليف العمل بمفردهم في البداية، وحقَّق سفيردلوف، البالغ من العمر 42 عاماً، ثروته الأولى في مجال الاتصالات الروسية، وعمل لاحقاً نائباً لوزير الاتصالات، والإعلام الروسي لفترة وجيزة.
وستعتمد قدرته على الاحتفاظ بمثل هذه الحصة الكبيرة في "أرايفيل" على تمويل توسعة الشركة من أرباحها المحتجزة بدلاً من زيادة رأس المال عن طريق بيع الأسهم.
في السابق، كان هذا أمراً صعباً في قطاع التصنيع الذي يتطلَّب رأس مال كثيف، ولكن "أرايفيل" تقول، إنَّ نهجها المبتكر "المصغَّر" سيكلِّف أقل بكثير من تكلفة الشركات المُصنِّعة للمركبات التجارية الكبرى، مثل "دايملر إيه جي" Daimler AG.. لكن هذا الادعاء لم يتم اختباره بعد على نطاق واسع.
شركات سيارات كهربائية تتراجع قيمتها
وتضاءل حماس المستثمرين المحموم حول شركات السيارات الكهربائية التي لم تحقق أرباحاً بعد في الأسابيع الأخيرة إلى حدٍّ ما، بسبب ارتفاع عائدات السندات، إذ يعني ارتفاع معدَّل الخصم قيمة أقل للأرباح المستقبلية من أموال اليوم، وفقدت بعض الشركات ثلث قيمتها السوقية أو أكثر في مراحلها الأولى.
ولا تعدُّ شركة "أرايفيل" استثناءً، لكنَّ قيمتها المبدئية لا تزال قريبة من 14 مليار دولار، بناءً على السعر الحالي لشركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، "سي آي آي جي ميرجير كورب" CIIG Merger Corp، التي تمَّ دمجها معها، وهذا أكثر من ضِعف قيمة الصفقة التي تفاوضت عليها في نوفمبر، كما أنَّها أعلى من القيمة السوقية لحوالي نصف أعضاء مؤشر" فوتسي100 " FTSE 100، بما فيهم "رولز رويس هولينغز بي إل سي" Rolls-Royce Holdings Plc، عملاقة الهندسة البريطانية.
كانت خطوة سفيردلوف لإنفاق حوالي 370 مليون يورو من ثروته في الحافلات والشاحنات الكهربائية، محفوفة بالمخاطر، ولكنَّها تبدو ملهمة الآن.
وتمر الشركات الناشئة الأخرى في مجال المركبات التجارية مثل شركة "نيكولا كورب" Nikola Corp و"ريفيان أوتوموتيف إنك" Rivian Automotive Inc بتقييمات مماثلة عالية، إلا أنَّ التزام سفيردلوف المالي يعدُّ بسيطاً بمعايير صناعة السيارات، إذ يمكن أن يكلف بناء مصنع أو إعادة تجهيزه مليار دولار.
رهانات "أرايفيل"
وتخطِّط "أرايفيل" لبدء التصنيع في نهاية هذا العام، ولكنَّها لا ترى حاجة للحصول على رأس مال إضافي لتحقيق الربحية، إلى جانب التمويل البالغ 660 مليون دولار من شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، وتزامناً مع الاستثمار الاستراتيجي الخاص في الأسهم العامة "بايب" PIPE.
وتتوقَّع الشركة أن يكون التدفُّق النقدي إيجابياً مع حلول عام 2023، وأن تُحصِّل أكثر من 14 مليار دولار من الإيرادات السنوية بحلول عام 2024.
لقد كتبت كثيراً عن أنَّه لا يمكن الوثوق في توقُّعات الشركات المدعومة من صفقات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، ويعدُّ طلب شركة "يو بي إس" UPS بقيمة 1.2 مليار دولار، الالتزام الوحيد بالشراء الثابت من شركة "أرايفيل".
وتراهن الشركة على أنَّ اتباع نهج غير عادي في التصنيع سيمنحها ميزة تنافسية، وسيجعلها مربحة، حتى إن كانت مبيعاتها محدودة.
وبدلاً من إنشاء مصنع واحد كبير بتكلفة عالية جداً، تهدف الشركة إلى بناء شبكة من المصانع الدقيقة بالقرب من المدن التي يتمُّ فيها شراء المركبات.
وتُقدِّر الشركة أنَّ كل مصنع سيكلِّف 50 مليون دولار فقط، على أن ينتج كل منها 10 آلاف شاحنة صغيرة، أو ألف حافلة سنوياً، لا شكَّ في أنَّ هذه المدن ستقدِّم حوافز لـ "أرايفيل" من أجل إنشاء مثل هذه المصانع.
ويأمل سفيردلوف بأنَّ يسمح هذا النهج لشركة "أرايفيل" بالارتقاء سريعاً لكي تستجيب بشكل أكبر إلى الطلب.
ولن تضطر الشركة إلى الاستثمار في ختم المعادن، أو مرافق اللحام، أو محلات الطلاء بفضل عزمها على استخدام مواد مركبة خفيفة الوزن لألواح السيارات.
وحتى الآن، قامت الشركة ببناء مصنعين صغيرين في ساوث كارولينا، والمملكة المتحدة، وتهدف إلى بناء 31 مصنعاً بحلول عام 2024.
وكل هذا يبدو مقنعاً، إلا أنَّ تنفيذ استراتيجية المصنع الدقيق على نطاق واسع لم يتم إثباته، وقد يؤدي إلى زيادة التكاليف والتأخيرات، كما تقول نشرة الاندماج.
ومن المتوقَّع أن تحدث بعض المعوقات، فقد حذَّرت "نيكولا" في الأسبوع الماضي من أنَّها ستنتج أقل من 20% من الشاحنات الكهربائية التي توقَّعتها هذا العام بسبب الوباء، ومشكلات سلسلة التوريد.
ومن خلال تطوير المكوِّنات داخلياً، تقول شركة "أرايفيل"، إنَّها لن تضطر إلى إنفاق الكثير على شراء التجهيزات من الموردين الخارجيين، إذ يُمثِّل المهندسون، ومنهم مهندسو البرمجيات، حوالي 85% من موظفيها البالغ عددهم 1600موظف - وهو أمر مثير للإعجاب. ومع ذلك، فلدى المجموعة أكثر من 200 طلب براءة اختراع معلقاً، ما يُصعِّب من الحكم على نجاحها.
وإذا ثبتت استراتيجية سفيردلوف، فسيقوم روَّاد الأعمال الآخرون بنسخها، فمن منا
لا يحبذ نهجاً يعتمد على التمويل الصغير الذي يحدُّ من تناقص السعر؟ ولكن هناك الكثير من القيمة المأمولة بها هنا.