بلومبرغ
تستحوذ خطط الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تهدف إلى بدء عهدٍ جديدٍ من تشديد الرقابة على "وول ستريت" على صدارة الاهتمام خلال الأسبوع الجاري وسط ترقب تصريحات اثنين من كبار المسؤولين في الجهات التنظيمية خلال جلسة الاستماع بمجلس الشيوخ المقرر عقدها يوم الثلاثاء.
وأكَّد العديد من النواب ومسؤولي القطاع المالي على حصول كلٍّ من غاري غينسلر الذي عيَّنه البيت الأبيض لرئاسة لجنة الأوراق المالية والبورصات، وروهيت تشوبرا الذي تمَّ اختياره لمنصب مدير مكتب الحماية المالية للمستهلك على تأكيد ترشيحهم.
ويتزامن الدعم الكبير الذي يتلقاه كلا المرشحين من الديمقراطيين التقدميين في الوقت الذي يُتوقَّع أن يتعرَّضوا لأسئلة صعبة حول خططهم لفرض مزيدٍ من الرقابة على الشركات من جانب الجمهوريين.
ومن المؤكَّد أنَّ المناقشات سوف تركِّز على ظاهرة "غيم ستوب"، وزخم شركات ومنصات الاستحواذ ذات الغرض الخاص "الشيك على بياض"، ومنصة روبن هود، كأسباب رئيسية دفعت ملايين المستثمرين من المبتدئين لبدء التداول في البورصات.
كما سيتمُّ إلقاء الضوء على أداء البنوك الكبرى، وصناديق التحوط، وصناديق الملكية الخاصة بعد أربع سنوات من تخفيف القيود في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.
ويعدُّ غينسلر البالغ من العمر 63 عاماً من الشخصيات المعروفة لدى "وول ستريت"، فقد ترأس من قبل لجنة تداول العقود الآجلة للسلع الأولية خلال إدارة الرئيس الأسبق أوباما، كما عمل مصرفياً سابقاً في إدارة الثروات في "غولدمان ساكس".
في حين يتولى تشوبرا البالغ من العمر 39 عاماً مكتب الحماية المالية للمستهلك الذي ساعد السيناتور إليزابيث وارين على إنشاء المكتب عندما كان عضواً في لجنة التجارة الفيدرالية.
ويترأس تشوبرا المكتب الذي يتطلَّع الديمقراطيون للاعتماد عليه في تنشيط حماية المستهلك من الانتهاكات المتعلِّقة بالبطاقات الائتمانية، والرهون العقارية، والقروض ذات الفائدة المرتفعة في الوقت الذي يفضِّل فيه الجمهوريون الإبقاء على سياساته دون تغيير كما كان في عهد ترمب.
وعقب أندرو أولم نائب مدير المجلس الاقتصادي الوطني في إدارة ترمب، الذي يعمل حالياً شريكاً في مكتب محاماة ماير براون قائلاً: "لايزال هناك انقسام حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول دور مكتب الحماية المالية للمستهلك في تنظيم القطاع المالي. لهذا يعدُّ ذلك الترشيح مهماً للغاية؛ لأنَّ المدير الجديد يمكن أن يغير سياسة المكتب بشكل كبير".
وفيما يلي نتناول بالتفصيل الموضوعات والسياسات التي تتركَّز عليها محاور جلسة الاستماع لغينسلر، وتشوبرا، وقرار تأكيد ترشُّحهما للوظائف الجديدة.
صغار المستثمرين
أجبرت زيادة شعبية التداولات بالبورصة بين الأفراد بفضل التداول بدون عمولة عن طريق منصة "روبن هود" الجهات التنظيمية لمناقشة العديد من القضايا في مقدِّمتها "تحفيز التداول باستخدام الترويج"، وانتشار التطبيقات التي تجعل من الاستثمار أمراً ممتعاً.
لكن من ينتقدون تلك الظاهرة يرون فيها طريقة غير لائقة لجذب المتداولين من خلال التنبيهات، ومطالبتهم بالحفاظ على استمرار تداولاتهم. وهنا يتعيَّن على "غينسلر" تحديد متى وكيف سيرد على تلك الانتقادات؟ كما ستكون تلك القضية ضمن اختصاصات تشوبر، ومكتب الحماية المالية للمستهلك أيضاً.
وقد أثارت ظاهرة "غيم ستوب" مخاوف الجهات التنظيمية، وأثارت تساؤلات حول ما إذا كان يجب أن يكون المستثمرون لديهم الخبرة اللازمة، والقدرة على إجراء تداولات محفوفة بالمخاطر تتضمَّن تداول عقود الخيارات بحرية.
وستدفع تلك المتغيِّرات أعضاء مجلس الشيوخ للتفكير بشأن فقاعات أسعار الأسهم، إذ يرى بعضهم أنَّ لجنة الأوراق المالية والبورصات SEC عليها دورٌ يجب القيام به تجاه الارتفاعات القياسية للبتكوين، التي لا تخضع لعمل الجهات التنظيمية، وكذلك باقي العملات المشفرة.
ومن بين القضايا التي تخص صغار المستثمرين ايضاً شركات الاستحواذ ذات الغرض الخاص التي تمثِّل شركات بدون أنشطة فعلية تقوم بإصدار الأسهم قبل أن يعرف المستثمرون ما سوف يتمُّ استخدام أموالهم في شرائه.
هيكل السوق
أثارت ظاهرة "غيم ستوب" اهتمام أعضاء مجلس الشيوخ الذين انتبهوا إلى التنظيم الداخلي لسوق الأسهم، إذ ينصرف تركيزهم إلى التداولات خارج المقصورة، وبيع شركات الوساطة مثل "روبن هود" لبيانات طلبات العملاء إلى ما يعرف بصناع السوق مثل "سيتادل سيكيوريتيز".
كذلك تزداد موجة الانتقادات لعمليات البيع على المكشوف، فقد تبيَّن أنَّ صناديق التحوط التي قامت بمراهنات على انخفاض أسهم "غيم ستوب" قد اقترضوا أكثر من 100% من الأسهم القائمة للشركة.
ويبدو أنَّ أعضاء مجلس الشيوخ يتطلَّعوا إلى معرفة كيف سيواجه "غينسلر" كل تلك التعقيدات لضمان حصول الأمريكيين على معاملة عادلة لاستثماراتهم في الأسواق المالية.
الملكية الخاصة
وتضمُّ اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ أعضاء ديمقراطيين، ركَّزوا على قضايا شركات الملكية الخاصة، ومن بينهم رئيس اللجنة شيرود براون من ولاية أوهايو ووارن من ماساتشوستس.
وكانت وارن قد قدَّمت في العام 2019 قانون "وقف نهب وول ستريت" الذي يدعو إلى وضع قواعد جديدة لشركات الاستحواذ، كما كانت طريقة معاملة شركات الصناعة للعمال محور حملتها للانتخابات الرئاسية في عام 2020.
وقالت وارن وبراون، إنَّهما سيواصلان الضغط في ذلك الشأن، إذ أشارا إلى طرحهما لأفكارٍ سوف تساعد "غينسلر"، ولجنة الأوراق المالية، والبورصات في وضع قواعد رقابية جديدة.
وقد دعمت شركات الملكية الخاصة الأفكار التي دعت إلى إدراجها كأحد الخيارات الاستثمارية ضمن خطط مدَّخرات التقاعد للشركات في عهد ترمب.
إحكام السيطرة
يسعى مكتب الحماية المالية للمستهلك إلى إجراء مزيدٍ من التحقيقات بشأن وقف بعض الانتهاكات التي يشهدها القطاع المالي التي يرى الديمقراطيون أنَّها كانت سبباً في الأزمة المالية لعام 2008.
بعيداً عن البنوك الكبرى، قد يُركِّز المكتب تحت إدارة "تشوبرا" على شركات التسهيلات التمويلية الصغيرة ذات الفائدة المرتفعة، ومقدِّمي قروض الطلاب، والقضايا التمويلية المرتبة بطفرة تداولات صغار المستثمرين الأفراد.
وعلى صعيد لجنة الأوراق المالية والبورصات، يستطيع "غينسلر" استخدام سلطة اللجنة في التحقيق مع الشركات، وتوقيع عقوبات عليها لزيادة تأثير اللجنة، وإحكام سيطرتها. إذ يُتَوقَّع أن نشهد قضايا كبيرة بصناعة التمويل ضد أحد البنوك أو صناديق التحوط الكبرى، الأمر الذي قد يمنع باقي الشركات من القيام بسلوك مماثل.
ويأمل التقدميون أن يتغيَّر الوضع على يد "غينسلر" بعد أن كان نادراً ما يتم التحقيق مع أي أحد من عمالقة "وول ستريت" خلال عهد ترمب.
العملات المشفرة
يتزامن الطرح العام لأسهم "كوين بيز" أكبر منصة تداول يستخدمها الأمريكيون مع ارتفاع عملة الـ"بتكوين" بأكثر من 400%.
وتبقى العملات المشفرة علامة استفهام كبيرة بالنسبة لـ"وول ستريت" وسط تلك الضجة المثارة في الوقت الحالي، إذ يدعو مؤيدو العملات المشفرة إلى وضع إطار قانوني، وقواعد تنظيمية واضحة من لجنة الأوراق المالية والبورصات، مما يسمح بتبني واسع للعملات الرقمية في "وول ستريت".
ويقع على عاتق "غينسلر" الذي درس التشفير في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وضع إطار لتنظيم تلك الصناعة، إذ سيضطر على الأرجح إلى التعامل مع قضايا شائكة في حالة الموافقة على طرح صندوق متداول في البورصة، يستثمر في العملات المشفرة، وكيفية التعامل مع الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات العام الماضي ضد شركة "ريبل لابس"، واتهامها بتضليل المستثمرين من خلال بيع عملات رقمية بقيمة مليار دولار غير مسجَّلة لدى الجهات التنظيمية.
التغير المناخي
يتطلَّع التقدميون إلى دورٍ حاسم للجهات التنظيمية للقطاع المالي في عهد بايدن، وخاصة في قضايا معالجة التغير المناخي من خلال الضغط على الشركات للكشف عن تأثير الاحتباس الحراري على أرباحهم.
وإلى جانب ذلك يتطلَّع الديمقراطيون أيضاً إلى مكافحة الهيئات الرقابية لعدم المساواة بين الجنسين، واتباع وتنفيذ سياسات تساهم في تضييق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
ومن المتوقَّع أن تشهد جلسة الاستماع يوم الثلاثاء، اهتماماً كبيراً من جانب الجمهوريين بتلك القضايا في الوقت الذي يؤكِّدون فيه على ضرورة إبعاد قوانين الأوراق المالية، وإفصاحات الشركات عن الأجندات السياسية.