ارتباك في وول ستريت بسبب تداعيات قرار "الفيدرالي"

انخفضت الأسهم الأميركية بأعلى نسبة منذ مارس الماضي، وقفزت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بعد أن دعمت أحدث بيانات سوق العمل حجة بنك الاحتياطي الفيدرالي لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة.

هبط مؤشر "ستادندر أند بورز 500" بنسبة 1.6%. وتراجعت جميع المؤشرات الرئيسية للأسهم الأميركية دون المتوسط المتحرك لمدة 100 يوم لكل منها – الأمر الذي يعتبر إشارة هبوطية عند بعض المحللين الفنيين.

قاد سهما "أمازون" و"إنفيديا" هبوط الأسهم الكبرى. وهبط سهم "سيسكو سيستمز" بعد الموافقة على شراء "سبلانك" مقابل 28 مليار دولار. وارتفع سهم "فيديكس كورب"، وهذا مؤشر على نمو الاقتصاد، بسبب توقعاتها القوية.

مؤشر الخوف في "وول ستريت" – أو مؤشر تقلبات الأسهم "VIX" – واصل صعوده من أدنى مستوى منذ عام 2020 الذي سجله الأسبوع الماضي.

قال كريس غافني، رئيس الأسواق العالمية في "إيفربنك" (EverBank): إن "كثيراً من المستثمرين خمّنوا موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي طوال الوقت. فالبنك المركزي ملتزم بالحفاظ على معدل التضخم منخفضاً، وأعتقد أن جزءاً من ذلك هو الحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة، والأسواق بدأت في إدراك ذلك أخيراً".

أسعار الفائدة والعملات

ارتفعت عوائد السندات الأميركية طويلة الأجل، إذ يدور العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بالقرب من 4.5% -وهو مستوى شوهد آخر مرة في عام 2007. في غضون ذلك، انخفض عائد السندات لأجل عامين. وتقلص الفارق بين كلا العائدين - وهو مؤشر على الثقة في الاقتصاد.

ارتفع الدولار، وانتعش الين بعد أن اقترب في وقت سابق من مستوى 150 أمام الدولار، الذي يعتبره بعض المحللين محفزاً للتدخل. وأصبحت السوق في حالة توتر قبل قرار بنك اليابان بشأن السياسة النقدية يوم الجمعة. وانخفض الجنيه الإسترليني بعد أن أبقى بنك إنجلترا على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الأولى منذ ما يقرب من عامين. وفقد مؤشر "إم إس سي آي" (MSCI) للأسواق الناشئة كل مكاسبه في عام 2023.

بالنسبة إلى مات مالي من شركة "ميلر تاباك+" (+Miller Tabak)؛ فإنه على الرغم من إشارة بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيبقي أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة؛ يبدو أن البنك المركزي "روّج لهذا السيناريو إلى درجة تجاوزت توقعاته" -من خلال رفع توقعات النمو والمستوى الذي يتوقعه المسؤولون لسعر الفائدة على الأرصدة الفيدرالية في تواريخ قادمة.

قالت فيونا سينكوتا، المحللة الأولى للسوق في "سيتي إندكس": "النظرة المستقبلية كانت أكثر تشدداً بكثير من توقعات السوق. وبنك الاحتياطي الفيدرالي يفعل ما قال إنه سيفعله؛ أي إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة. والسوق تسعى إلى اللحاق بما يقوله البنك طوال الوقت".

سوق العمل والبطالة

انخفضت طلبات الحصول على إعانات البطالة الأميركية الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى منذ يناير، مما يشير إلى سوق عمل صحية مستمرة في دعم الاقتصاد. وتراجعت طلبات إعانة البطالة الأولية إلى 201 ألف طلب. بينما بلغ متوسط التقديرات في استطلاع أجرته "بلومبرغ" للاقتصاديين 225 ألف طلب.

قال إيان لينغن من شركة "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets): "هي قراءة قوية من إحدى أقرب البيانات من أرقام التوظيف الفعلية التي يتم توفيرها للمستثمرين. وهي ترفع أيضاً بدرجة هامشية من احتمال قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة أسعار الفائدة في نوفمبر، وتدعم بالتأكيد رسالة بنك الاحتياطي الفيدرالي فيما يتعلق بتجنب تخفيض الفائدة لأطول فترة ممكنة في عام 2024".

مع دعم معظم مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع إضافي لأسعار الفائدة في عام 2023؛ فإن انخفاض طلبات إعانة البطالة عن المتوقع عبر نوع البيانات يمكن أن يجعل ذلك حقيقة واقعة، وفقاً لمايك لوينغارت من مكتب "مورغان ستانلي للاستثمار العالمي".

وأضاف لوينغارت: "كان بنك الاحتياطي الفيدرالي ينتظر أن يهدأ الطلب في سوق العمل، وحتى الآن لم يحدث ذلك. ولكن حتى لو لم يرفع أسعار الفائدة مرة أخرى؛ فمن المرجح أن تترجم القوة المستمرة في سوق الوظائف إلى بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة".

عوائد سندات الخزانة

يتوقع المستثمرون في السندات أن تستمر عوائد سندات الخزانة في الارتفاع بعد أن أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه من المحتمل أن يبقي أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة في العام المقبل.

قال 58% من 172 مشاركاً في استطلاع "بلومبرغ ماركت لايف بالس"، الذي أجري بعد قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، إن عوائد سندات الخزانة لأجل عامين لم تصل إلى ذروتها بعد، بينما تتوقع الأغلبية أن ترتفع عوائد السندات لأجل 10 سنوات متجاوزة 4.5%.

غير أن أزمة مستثمري السندات لم تنتهِ بعد؛ على الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتهى من رفع أسعار الفائدة، بحسب بيل جروس، رئيس شؤون الاستثمار السابق في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management).

وفي توقعات استثمارية، قال جروس إن أسواق السندات تتجه نحو عام ثالث غير مسبوق من الخسائر، بسبب التضخم المستمر، واتساع عجز الموازنة والحساب الجاري، نتيجة للإنفاق الحكومي الذي يساويه بإلقاء "أموال من طائرة هليكوبتر".

متشكك

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق في سانت لويس جيمس بولارد إن البنك المركزي قد يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر وإبقائها مرتفعة للحماية من خطر عودة تسارع التضخم. وفي غضون ذلك؛ قال وزير الخزانة السابق لورانس سامرز إن صانعي السياسة النقدية متفائلون للغاية بشأن أحدث توقعاتهم الاقتصادية، محذراً من أنهم معرضون لخطر المفاجأة بتضخم أسرع ونمو أضعف مما يتوقعون.

جيمس زيلتر، الرئيس المشارك لشركة "أبولو غلوبال مانجمنت"، "متشكك" في أن الاقتصاد سيحقق هبوطاً سلساً، إذ قال إن آثار السياسة النقدية التقشفية من البنوك المركزية لم يتم الشعور بها بالكامل بعد.

في غضون ذلك، أظهرت البيانات الاقتصادية أيضاً أن مبيعات المنازل الأميركية المملوكة سابقاً انخفضت في أغسطس إلى أدنى مستوى لها منذ بداية العام، وذلك بسبب نقص المخزون ومعدلات الرهن العقاري المرتفعة تاريخياً. أدى الجمع بين ارتفاع تكاليف التمويل، وتناقص المخزون، وارتفاع الأسعار إلى خلق واحدة من أقل أسواق الإسكان بأسعار معقولة على الإطلاق.