حكاية اقتصادية لا تكتب الصين سطورها

أنظار محافظي البنوك المركزية الآسيوية تتجه إلى الاحتياطي الفدرالي الأميركي وليس إلى نظيره الصيني

time reading iconدقائق القراءة - 13
أوراق نقدية باليوان الصيني - الشرق/بلومبرغ
أوراق نقدية باليوان الصيني - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

تتمدد تداعيات تباطؤ اقتصاد الصين وتعبر إلى دول آسيا الأخرى، فلم يتوافد السياح إلى الشواطئ التايلاندية ومراكز التسوق السنغافورية بالأعداد المنتظرة، فيما تتخبط المصانع وسط شكوك حول قدرة بكين على تمويل المشاريع العامة بالطريقة التي اعتادتها دول الجوار. إلا أن الغائب الأكبر عن قائمة ما يرشح عن الصين هو خفض أسعار الفائدة.

على الرغم من ثقل الصين وزناً، فإن ما يواجهها من تحديات لم يدفع إلى تيسير السياسات في محيطها.

يعمل بنك الشعب الصيني على خفض أسعار الفائدة المحلية والتخفيف من متطلبات احتياطيات البنوك من أجل توفير الأموال للمقرضين دعماً للتعافي. لكن على صعيد رسم التوجهات المالية، ما تزال يد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي هي الطولى. وقد كانت الأنظار موجهة إلى المؤتمر الصحفي لمحافظ الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الأربعاء بما يفوق أي خطاب قد يلقيه حاكم بنك الشعب الصيني بان غونغ شنغ.

متابعة الاحتياطي الفدرالي الأميركي

في حين كان الخبراء الاقتصاديون يتوقعون بدء خفض أسعار الفائدة في نهاية العام أو مطلع 2024، إلا أن التوقيت يبدو حالياً أبعد من ذلك في كلّ من كوريا الجنوبية وإندونيسيا، في حين يصرّ المسؤولون في الفلبين أنهم مستعدون لرفع أسعار الفائدة مجدداً إذا ما استدعى الأمر ذلك. كما أن المحافظة الجديدة لبنك الاحتياطي الأسترالي ميشيل بولوك تعهدت خلال مقابلة حديثة على مواصلة الحرب على التضخم، التي كانت صفة السنة الأخيرة من ولاية سلفها فيليب لووي. من جانبه، يبدو محافظ البنك المركزي الياباني كازو أويدا مصمّماً على أن ينأى عن سياسة سلفه المبالغ بالتيسير، رغم أن هدفه هو تخفيف انخفاض تكاليف الاقتراض دون أن يجعلها مرتفعة. صحيح أن الصين تقلقهم، ولكن ليس بما يكفي لأن يبتعدوا كثيراً عن الاحتياطي الفيدرالي.

بشكل عام، تبنت السلطات النقدية نسخة من شعار "فائدة أعلى لفترة أطول" الذي رفعه صنّاع السياسات في الولايات المتحدة. يعني ذلك أن معظم التشديد النقدي، إن لم يكن كلّه، قد انقضى، لكن دون التجرؤ على الانتقال نحو تخفيف السياسة النقدية. صحيح أن معدلات التضخم تراجعت، لكنها ما تزال بعيدة جداً عن الأهداف المرجوة، وهذا ما كان منتظراً من باول تأكيده في اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفدرالية.

لا تقتصر متابعة محافظي البنوك المركزية للاحتياطي الفدرالي على ما يتحدث عنه فحسب، بل يحرصون على الاطلاع على أدق التفاصيل المحيطة بالمناقشات الأساسية. مع ذلك، هم يكرهون أن يصوروا على أنهم يقلدون الولايات المتحدة، وأنهم يغيرون الأرقام لمجرد أن نظراءهم الأميركيين غيروها.

لكن على أرض الواقع، تعكس توجهاتهم ما يجري في لجنة السوق المفتوحة الفدرالية. وكان محافظ المركزي الكوري ري تشانغ يونغ صريحاً بشأن ذلك حين قال في مؤتمرٍ العام الماضي: "المركزي الكوري بات اليوم مستقلاً عن الحكومة، لكنه ليس مستقلاً عن الاحتياطي الفدرالي".

ضعف اليوان

كيف تستمر سطوة واشنطن هذه؟ ألم تكن الصين توشك أن تهيمن إقليمياً، وتعمل على أن يكون اليوان عملة تعاملات أكثر، وعلى أن تمول مشاريع بنى تحتية ضخمة، مثل بناء الجسور في الفلبين وسكك الحديد في ماليزيا؟ حتى أن صندوق النقد الدولي توقع في أبريل أن تصبح الصين المساهم الأكبر في النموّ العالمي في السنوات الخمس المقبلة، بنسبة تبلغ ضعف مساهمة الولايات المتحدة.

يعزى جواب ذاك السؤال بجزء كبير منه إلى ضعف العملة الصينية مقارنةً بالدولار أو حتى اليورو. فأسواق رأس المال الصينية أصغر من الأسواق الأميركية وأكثر غموضاً بأشواط. وبحسب خدمة "سويفت" للمراسلات المالية، فإن دور العملة الخضراء في تسديد الدفعات الدولية أصبح اليوم أقوى من أي وقت مضى. فقد ارتفعت التداولات المرتبطة بالدولار الأميركي بنسبة قياسية بلغت 46% في يوليو، مقارنة بأكثر من الثلث بقليل قبل عقد. وحلّ اليورو ثانياً من حيث عدد الصفقات، فيما جاء اليوان بعد الجنيه الإسترليني والين. كما أن معظم القروض الدولية مقومة بالدولار، حتى أن حصة الأسد من التداولات في سوق صرف العملات الأجنبية البالغة قيمتها 7.5 تريليون دولار هي بالدولار الأميركي.

تقدّم كوريا، إحدى الدول المصدرة الرئيسية وحلقة الوصل الحيوية في سلسلة التقنية العالمية نموذجاً مهماً حول الوضع القائم. فهي حليفة رئيسية للولايات المتحدة، ولديها مصالح تجارية ضخمة في الصين. وكان المركزي الكوري من أوائل المصارف المركزية التي بدأت ترفع أسعار الفائدة في أغسطس 2021. وقد مكّنته هذه الانطلاقة المبكرة من تشديد السياسة النقدية بخطى ثابتة ولكنها حذرة، مع تفضيل رفع أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية، ورفعها نصف نقطة مئوية بين الحين والآخر للتأكيد على مدى جدية المصرف المركزي. إذاً ما هو الموقف الراهن لمحافظه ري؟ ربما تمكنتم من تخمين الإجابة، وهي: فائدة أعلى لفترة أطول.

الدور الصيني

حتى أن المركزي الكوري بدأ يستخدم مصطلحات من حقبتَيْ محافظَيْ الفيدرالي السابقين غرينسبان وبيرنانكي، مثل "فترة معتبرة" و"وقت معتبر". قال ري في مؤتمره الصحافي في 24 أغسطس إنه سيصغي بانتباه لكلمة باول في ندوة جاكسون هول للسياسة الاقتصادية، التي كانت مقررة في المساء التالي. أضاف: "ستكون معضلة صعبة لنا إذا استمرّ الاحتياطي الفدرالي في تبني سياسة تشديد نقدي لفترة معتبرة من الوقت، وأن يبدأ ذلك بالتأثير على سياستنا النقدية".

لكن هذا لا ينفي أهمية الصين، فالتحديات التي تواجهها بكين كانت بين الأسباب التي دفعت البنك المركزي الأوروبي لتخفيض توقعات النموّ في الأسبوع الماضي، رغم أن الأجواء لم تكن شديدة القتامة بما يدفع فرانكفورت لتجنّب رفع أسعار الفائدة مجدداً. كان من المنطقي توقع أن يذكر باول الصين في خطابه بعد اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية. لكن بعيداً عن الاضطرابات النقدية، فإن أداء الصين الباهت مسألة ثانوية، لأن مهارة بان القيادية لم تكتمل بعد.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

بكين

10 دقائق

15°C
غيوم متناثرة
العظمى / الصغرى 15°/15°
5.9 كم/س
67%