الشرق
يحتاج الاقتصاد السعودي إلى إصلاح هيكلي لتعزيز النمو، خاصة لدى القطاع الخاص. وسيساعد الابتكار والتحول الرقمي، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية الجارية، على تنويع الاقتصاد السعودي ومصادر الدخل بعيداً عن النفط، بحسب تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة السعودية نفذت مجموعة من الإجراءات للتخفيف من الأضرار الاقتصادية لوباء كورونا، بما في ذلك توفير السيولة الكافية للنظام المصرفي، وتقديم الدعم والحوافز المالية لشركات القطاع الخاص، لاسيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتخفيف القيود والقواعد المالية والنقدية.
متوقعاً تحقيق الاقتصاد السعودي انتعاشاً متواضعاً خلال عام 2021، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنسبة 3%، مدعوماً بمشروعات صندوق الاستثمارات العامة. كما توقع أيضاً أن السياسات النقدية السعودية ستظل ميسرة حتى يتم ترسيخ الانتعاش الاقتصادي.
إصلاح القطاع الخاص
يشير التقرير إلى أن الإصلاح الهيكلي العميق اللازم للقطاع الخاص السعودي سيعزز فرص النمو وخلق وظائف جديدة. كما أبرزت جائحة كورونا أيضاً أهمية التحول الرقمي، وسيساعد الابتكار في هذا المجال، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية الجارية فعلاً، على تنويع الاقتصاد السعودي ومصادر الدخل بعيداً عن النفط.
ويتوقع التقرير أن يكون للتحول الرقمي تأثير تدريجي لكنه كبير على الاقتصاد السعودي. وجعلت الشركات الكبيرة والمتوسطة من الرقمنة جزءاً لا يتجزأ من أعمالها، وذلك بفضل النمو السريع لقطاع التجارة الإلكترونية بعد انتشار كورونا.
واستناداً إلى المنتدى الاقتصادي العالمي لاعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)، أحرزت المملكة العربية السعودية تقدماً كبيراً في السنوات الأخيرة على صعيد التحول الرقمي، وتحتل الآن مرتبة أعلى من المتوسط بالنسبة للاقتصادات الناشئة. كما تم إحراز تقدم أيضاً في نظام المدفوعات من خلال "آبل باي" (Apple Pay)، وتطوير التشريعات واللوائح التنفيذية لدعم معاملات التكنولوجيا المالية.
الصندوق القاطرة
يُنوّه معهد التمويل الدولي بأجندة الإصلاح السعودية الطموحة، وبالدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة كأداة رئيسية لدعم جهود تنويع الاقتصاد في المملكة. وسيضخّ الصندوق استثمارات داخل البلاد تصل إلى 40 مليار دولار خلال عام 2021، ومثلها في 2022، أيّ ما يوازي 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ16 مليار دولار في عام 2019، وستتركز معظم مشروعات الصندوق في القطاع العقاري. ويشارك الصندوق حالياً في تطوير مدينة نيوم، وهي مدينة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية.
ميزان النفط
أدى انخفاض أسعار النفط وتراجع الصادرات إلى إضعاف الحساب الجاري. وتظهر التقديرات الأولية لمعهد التمويل الدولي أن الحساب الجاري تحول إلى عجز محدود بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020. ويرى المعهد أن الحساب الجاري قد يتحسن بشكل طفيف في 2021 حيث ارتفعت أسعار النفط إلى 52 دولاراً للبرميل في المتوسط. وإذا تحسنت أسعار النفط بمقدار 10 دولارات أمريكية إضافية، سترتفع الصادرات السعودية النفطية بمقدار 30 مليار دولار، وبالتالي يتحسن ميزان الحساب الجاري بنسبة 4.5% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
إلى ذلك، أدّى الانخفاض الحاد في عائدات النفط إلى ارتفاع العجز المالي إلى نسبة 11.9 من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، من 4.5% في 2019. وإذا استقر سعر النفط عند 52 دولاراً للبرميل، فمن المتوقع أن يتقلص العجز المالي إلى 4.3% للعام 2021.
وفي حال جرت عملية توزيع فعالة للقاحات كورونا في كافة أنحاء العالم، يُرجَّح أن يؤدي ذلك إلى انتعاش اقتصادي عالمي بشكل أقوى وأسرع، مما يرفع مستويات الطلب على النفط، والذي يمكن أن يرفع متوسط الأسعار إلى حوالي 62 دولارا للبرميل، بدلاً من توقعات معهد التمويل الدولي والبالغة 52 دولارا للبرميل في 2021 في حال عدم فعالية عملية التطعيم واستمرار قيود الإغلاق.
ورغم تحسن الحساب الجاري، من المتوقع أن تنخفض الاحتياطات الرسمية كنتيجة للمزيد من تحويل الأموال إلى صندوق الاستثمارات العامة.
البنوك والسندات
ظلّ القطاع المصرفي مرناً خلال أزمة كورونا، مدعوماً بمراكز رأس المال والسيولة القوية، والاستجابة السريعة من البنك المركزي السعودي (ساما). ولا تزال ربحية البنوك مرتفعة نسبياً، مع ارتفاع الائتمان المقدم للقطاع الخاص بنسبة 14% في ديسمبر 2020. وإن الحفاظ على نظام مصرفي صحي وتشجيع الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية والخدمات المصرفية الرقمية سيدعم التعافي الاقتصادي ويسهم بتسريع الشمول المالي.
ومع أن تصنيفات المؤسسات الدولية للوضع المالي للمملكة إيجابية إلى حدّ كبير، ويتجلّى ذلك من خلال الطلب القوي على سنداتها، فسيظل أيضاً إصدار السندات في السعودية خاضعاً لسيطرة الطروحات الحكومية. وفي أواخر يناير 2021، أصدرت حكومة المملكة سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار على شريحتين. كما تخطط أرامكو للحصول على 10 مليارات دولار عن طريق بيع حصة في خطوط أنابيب النفط والغاز.
المخاطر والتحديات
تنبع المخاطر الأساسية على الاقتصاد السعودي، بحسب التقرير، من عدم اليقين بشأن تعافي النمو العالمي، ومدى فاعلية اللقاح ضد فيروس كورونا، وأسعار النفط والطلب عليه التي تعتمد على الانتعاش العالمي.
ورغم إحراز بعض التقدم في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، إلاّ أن البيروقراطية وانعدام الشفافية ونقص الكفاءة تظل عوائق رئيسية أمام تحقيق نمو سريع ومستدام، لاسيما من قِبل القطاع الخاص. وتحتاج السعودية إلى جذب الاستثمار الأجنبي المباشر المطلوب خارج قطاع الطاقة لتنفيذ خطتها لناحية تنويع الاقتصاد وخلق قطاع خاص ديناميكي.
وفي حين يُشيد معهد التمويل الدولي بتأثير الزيادة المتوقعة في معدل مشاركة النساء على ديمغرافية القوى العاملة، فإنه يُشدّد بالمقابل على أهمية تحسين جودة التعليم والتدريب بشكل كبير لزيادة الإنتاجية.