بلومبرغ
إن كنت تعلم ما تعرفه اليوم، هل كنت ستتخذ القرارات ذاتها؟.. لو وجهنا هذا السؤال لمختص في إدارة الأموال بعد مراجعة بيانات السوق الصاعدة -أو ما يُعرف بسوق الثور (Bull Market) -في عامها العاشر، سيصعب عليه الإجابة عنه.
لنتخيل معاً أنك كنت تعلم أي الأسهم عليك اختيارها قبل عشر سنوات، وأقصد بذلك الأسهم التي سيكون أداؤها جيداً خلال ارتفاع أسعار السوق، كأن تعلم أن أسهم شركة "جاز للأدوية" (Jazz Pharmaceuticals) سترتفع بنسبة 23,000 %،وأنَّ أسهم كل من "أبيوميد" (Abiomed) و"نتفلكس" سوف ترتفع قيمتها أكثر من 60 ضعفاً، وأنَّ قيمة السهم الواحد من أسهم "إكزاكت ساينسز" (Exact Sciences) سترتفع من 78 سنتاً إلى 85 دولاراً. ماذا لو كانت لديك كل هذه المعلومات ؟،وبناءً عليها اشتريت جميع هذه الأسهم، كيف ستبدو الحياة لك قبل تحقيق هذه الأسهم لهذه الأرباح الضخمة؟
الجواب هو: أسوأ مما تتصور! فلابدَّ من التعرُّض لخسارة كبيرة من وقت لآخر، حتى إن اتخذت قراراتٍ متبصرة ومدروسة تماماً، فضعف أداء الأسهم غالباً لا يدوم فترة طويلة، مما يضع مختصي إدارة الأموال في موقف حرج.
الفكرة ناتجة عن تجربة أجرتها شركة "ألفا للهندسة المعمارية" (Alpha Architect) قبل 3 أعوام في دراسة مصمَّمة لإثبات استحالة نجاح المستثمرين المحترفين في تقديم أداء يفوق التوقُّعات باستمرار، وإن كانوا من أعظم العقول المالية؛ إذ أكّدت الدراسة، وعنوانها "حتى أعظم الخبراء الماليين سيُطرد من منصبه كمستثمرٍ كفءٍ"، وكذلك، فإنَّ أكثر المحاولات ذكاءً لانتقاء الأسهم المثالية على مدار فترات زمنية طويلة، لن تُجنِّب مختص إدارة الأموال المرور بأوقات صعبة، قد تهدِّد مسيرته المهنية.
وأجرى الباحثون الدراسة على الفترة الممتدة منذ 1927 إلى العام الحالي، لكنَّ مؤسس شركة "ألفا للهندسة المعمارية "، "ويسلي غراي" (Wesley Gray) والباحث في البيانات الكمية "تاو وانغ" (Tao Wang)، اتفقا على دراسة نتائج السوق الصاعدة، للنظر في أداء المحفظة الاستثمارية المثالية في الذكرى السنوية لظهورها، وفي حين كانت متاعب امتلاك الأسهم الرابحة فقط أقل مما كانت عليه خلال العقد الماضي، إلا أنَّ النتائج لا تزال تلقي بظلالها القاسية على الحياة في "وول ستريت" (Wall Street).
رحلة تحقيق العوائد الخيالية صعبة جداً
لنبدأ بالأخبار السارة التي حملتها الدراسة؛ بحسب بيانات جمعتها "ألفا للهندسة المعمارية "، إذا كان لديك محفظة استثمارية متوازنة تتكون من أفضل 100 سهم في مؤشر "راسل 1000" (Russell 1000) منذ أسوأ فترة مرَّت خلال الأزمة الاقتصادية؛ كانت عوائد هذه المحفظة حوالي 20 ضعفاً قيمة أسعار محافظ المقارنة، ومع أنها نتيجة رائعة، إلا أنَّ رحلة الوصول إليها صعبة جداً.
لنأخذ عام 2011 كمثال على ذلك، فالأسهم التي انتهت بالتفوق على مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) كانت قد شهدت تراجعاً بنسبة 10 % عن أسعار أسهم المقارنة في فترة معينة من ذلك العام، الأمر الذي يعدُّ ضعفًا في أداء السهم، ولا يتحمله العميل، فقد هبطت المحفظة الاستثمارية المثالية بنسبة تجاوزت 22 % في مرحلة معينة أي أكثر بـ6 نقاط مئوية من أكبر انخفاض لمؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500)- وبعد ذلك بنصف سنة فقط، عانت أسهم محفظة الخبراء الماليين من التخلُّف عن أسعار المقارنة الخاصة بها مدة 3 أشهر مرة أخرى. (حسبت الشركة العوائد على فترات شهرية، وليست يومية).
ويبدو واضحاً أنَّ الهدف من تجربة "ألفا للهندسة المعمارية "، الإجابة على السؤال: "إن كان لدى الخبير المالي نفوذ مطلق، هل سيتمكن من إنشاء صندوق لاستراتيجية استثمار نشط طويلة الأمد تكون جيدة لدرجة يستحيل معها طرده من عمله؟" والإجابة التي توصَّلت إليها الدراسة هي: لا. ففي حين كانت العائدات على المدى البعيد مذهلة، لكنَّها كانت خلال الفترات الزمنية القصيرة "سيئة"، والمشكلة تكمن في أنَّ هذه الفترات هي التي تُحدَّد من خلالها مهارة مدير الحقيبة الاستثمارية.
أفضل الأسهم تتعرض لتقلبات حادة على مدار الأعوام
ويقول "جايسون توماس" (Jason Thomas) كبير الاقتصاديين في "أسيت مارك" (AssetMark)، وهي الشركة التي لديها قرابة 45 مليار دولار على منصتها للاستثمار: "يصعب على مديري المحافظ الاستثمارية تحديد الخطوات الصحيحة الواجب اتخاذها على امتداد فترة طويلة كعشر سنوات مثلاً، فخمس سنوات هي أطول مدة يمكن أن يستمرَّ فيها مدير المحفظة الاستثمارية في منصبه، إن لم يكن أداؤه جيداً".
لنلقِ نظرة على المسارات المخيفة للأسهم الرابحة على مدى عشر سنوات، ونلاحظ كيف يمكن لتقلبات أسعار الأسهم أن تكون حادة حتى عند اختيار أسهم مضمونة، ففي 9 مارس 2009، كان سعر تداول أسهم "جاز للأدوية" (Jazz Pharmaceuticals) 58 سنتاً للسهم، وبعدها بعشر سنوات، ومع ارتفاع نسبته 23,327 %، أصبحت قيمة السهم 136 دولاراً، وفي الفترة من 2015 إلى 2016، خسرت الشركة نصف قيمتها، وفي عام 2014 و2018، عانت الشركة من انخفاضيَن منفصلَين، بلغت نسبة كل منهما حوالي 30 % أو أكثر.
أما الشركات الخمس التالية: "إكساكت ساينسز" ( (Exact Sciences و"ألتا بيوتي" (Ulta Beauty) و"لولو ليمون أثلاتيكا" (Lululemon Athletica)، و"نتفلكس" (Netflix)، و"أبيوميد" (Abiomed)، فمرَّت جميعها على مدى السنوات العشر الأخيرة بفترات هبطت فيها أسهمها بنسبة 40 % تقريباً أو أكثر.
بدأ "سكوت ديفيس" (Scott Davis)، البالغ من العمر 62 عاماً، الذي يعمل مديراً لمحفظة استثمارية في "كولومبيا ديفيدند إنكوم فاند"(Columbia Dividend Income Fund)، وبدأت حياته المهنية عام 1980، وقد ساعده على التعامل مع جميع ارتفاعات وانخفاضات الأسهم، ومقارنات الأداء المستمرة للأسهم، أمر يمكن اكتسابه فقط بمرور الوقت؛ ألا وهو النضج المرتبط بالتقدُّم في السن.
وفي إحدى المقابلات مع بلومبرغ في مقرها بنيويوك، قال ديفيس: "يقلقك الأمر كثيراً في شبابك، لأنَّك مشغول بحياتك المهنية، فتميل إلى الاعتقاد بأنَّ ما تقوم به لن ينجح، وبالتالي عليك تغيير مهنتك".
أتمَّت السوق الصاعدة عامها العاشر في مارس 2019، وهي أطول مدة لها، فقد شارفت على التوقف مرتين؛ أولاهما، عندما انخفض التداول اليومي في مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) بما يفوق 20 %عام 2011، والمرة الثانية كانت في ديسمبر 2018، وفي كل مرة كانت تنتعش في اللحظات الأخيرة.
القوة والثبات أهم عوامل تخطي الفترات الصعبة
وبحسب الرئيس ومدير الأبحاث في شركة "هودجز لإدارة رؤوس الأموال" (Hodges Capital Management) في دالاس، "إيريك مارشال" (Eric Marshall)، فإنَّ: "إحدى أهم مواصفات مدير المحفظة الاستثمارية، هي التحلي بالقوة، والثبات لتخطي فترات الانخفاض هذه."
ففي مارس من عام 2009، اشترى "مارشال" أسهماً من "تكساس باسيفيك لاند ترست" (Texas Pacific Land Trust) بقيمة 25 دولاراً للسهم، واحتفظ بالأسهم في محفظته بشكل ما منذ ذلك الحين، والآن ارتفعت قيمة تلك الأسهم بنسبة تجاوزت 4,500 %، بالرغم من هبوط قيمتها إلى النصف في 2018.
وخلال مقابلة له مع بلومبرغ، أكَّد "مارشال" أنَّه عند شراء الأسهم، وهي في أدنى مستوياتها يفكر في معادلة بسيطة وهي "كي ينجح هذا الاستثمار نحن بحاجة إلى حدوث أمرٍ واحدٍ فقط، وهو ألا ينتهي العالم، ففي مارس 2009، بدا العالم وكأنَّه على وشك الانتهاء."