بلومبرغ
عندما تخلت الصين عن قيود مواجهة الوباء بعد ثلاث سنوات من الضوابط الصارمة، كان ني شينكوان يتوقع ازدهار مبيعات أحذيته الجلدية المصنوعة يدوياً.
في المقابل، أصبح الطلب ضعيفاً للغاية لدرجة أنه اضطر إلى خفض الأسعار 3% مقارنة بالعام الماضي وتقليل أرباحه.
ما يحدث يمثل إشارة مشؤومة بشأن ضغط انخفاض الأسعار الذي يضرب الشركات الصينية مع ضعف الاقتصاد، ويهدد بتقويض خطط التحفيز في بكين إذا اختار المستهلكون إرجاء الإنفاق.
قال ني إن شركته "إيطالي إيليسينا غروب" (Italy Elsina Group Co) ومقرها في مدينة ونتشو بشرق الصين وتقدم خدماتها لتجار التجزئة والمستهلكين المحليين، تشهد تراجعاً في نشاطها منذ فبراير.
ما يزال العديد من عملائه يعانون من الأضرار الناجمة عن كوفيد فيما يتعلق بتدفقاتهم النقدية وأرباحهم.
يحاول بعض تجار التجزئة، بدلاً من تقديم طلبات جديدة، بيع كل المخزونات التي جمعوها إبان توقعات زيادة المبيعات.
قال ني:"الجميع يترقب تطورات الموقف ويبذلون قصارى جهدهم لخفض الأرباح قدر الإمكان حتى يواصلوا الاستمرار، ويظلوا قادرين على المنافسة".
استقرار التضخم في الصين يؤجج المخاوف من اقتراب الانكماش
في مقابل مكاسب الأسعار السريعة التي تنبأ بها بعض الاقتصاديين مطلع 2023، تشهد الصين فترة نادرة من انخفاض الأسعار.
ما يحدث يمثل تناقضاً واضحاً مع التضخم المرتفع الذي أعقب إعادة فتح الولايات المتحدة والاقتصادات الرئيسية الأخرى، وهو أمر واضح في كل من مؤشر أسعار المنتجين وقطاع التجزئة.
أسعار المنتجين
انكمشت أسعار المنتجين على أساس سنوي منذ أكتوبر 2022، ويعزى ذلك إلى انخفاض أسعار السلع مثل الفحم والنفط الخام.
من المرجح أن تظهر بيانات يوم الأربعاء انخفاض أسعار المستهلكين في يوليو، وستكون المرة الأولى منذ أواخر عام 2020 التي تسجل فيها أسعار المستهلك والمنتج انكماشاً.
باستخدام حساب الناتج المحلي الإجمالي الذي يأخذ في الاعتبار تغير الأسعار، تواجه الصين بالفعل حالة انكماش الأسعار.
يعرّف صندوق النقد الدولي الانكماش بأنه "انخفاض مستمر في المؤشر الكلي للأسعار"، مثل مؤشر أسعار المستهلك أو الناتج المحلي الإجمالي الإسمي.
قادت الأسهم الصينية الخسائر في آسيا اليوم الثلاثاء، مع تراجع مؤشر "إم إس سي آي" للصين 1.9%.
قال مارفن تشين، محلل الأسهم في "بلومبرغ إنتليجنس"، إن الانكماش خطر كبير من شأنه أن يؤثر على أرباح الشركات في الصين.
أضاف أن هبوط أسعار المنتجين أثر بالفعل على أرباح شركات الصناعة وقطاع التنقيب والإنتاج، كما أن انخفاض أسعار المستهلكين سيضغط الآن على قطاعات التكرير والتسويق.
على عكس الانخفاض المؤقت في أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021، فإن انخفاض أسعار المستهلك هذه المرة أكثر مدعاة للقلق.
في ذلك الوقت، كان انخفاض أسعار لحم الخنزير هو السبب الرئيسي. في الوقت الحالي، هبطت الصادرات مع تراجع المستهلكين عن الإنفاق في بعض أكبر أسواق الصين التصديرية، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا.
التضخم في الصين يقترب من الصفر وسط آفاق نمو ضبابية
أدى حدوث الانكماش لفترة طويلة في قطاع العقارات بالصين إلى خفض أسعار الإيجارات والأثاث والأجهزة المنزلية.
كما أدت حرب الأسعار بين شركات صناعة السيارات التي أثارتها تخفيضات شركة "تسلا" إلى انضمام العلامات التجارية الكبرى الأخرى إلى تقديم خصومات كبيرة في وقت سابق من 2023.
صناعات السلع الاستهلاكية هي الأكثر تضرراً
حال استمرار الأسعار في الانخفاض عبر مجموعة واسعة من السلع لفترة طويلة، يمكن للمستهلكين تأخير مشترياتهم، وكبح النشاط الاقتصادي بشكل أكبر وإجبار الشركات على الاستمرار في خفض الأسعار.
وهذا بدوره سيقلل من الإيرادات والأرباح، مما يدفع الشركات إلى الحد من الاستثمار والتوظيف، مما يؤدي إلى نوع من الركود الاقتصادي الذي عانت منه اليابان لعقود.
من المؤكد أن الصين ليست في نفس ظروف اليابان، فلم تنخفض جميع الأسعار، مع بقاء الإنفاق الاستهلاكي على الخدمات قوياً إلى حد ما. ارتفعت أسعار خدمات السياحة 7.1% في الأشهر الستة الأولى على أساس سنوي، حيث ارتفعت أسعار الفنادق.
كما لا تزال تكاليف خدمات مثل الترفيه والتعليم والرعاية الطبية تواصل الارتفاع. تتركز مشكلة الأسعار المنخفضة أو الهابطة الأكثر حدة في صناعات السلع الاستهلاكية.
قطاع الخدمات الصيني يفقد زخمه في علامة أخرى على ضعف التعافي
قال تشين يوبينغ، مدير شركة "جياو تكستايل" (Jiayao Textile Co. Ltd)، المصنعة لمواد البوليستر ونسيج النايلون ومقرها إقليم تشجيانغ شرقي البلاد: "يبدو الأمر وكأن الناس لم يعودوا ينفقون كثيراً على الملابس كما اعتادوا".
قال تشين، الذي خفض مصنعه الأسعار 5% منذ بداية 2023 على الرغم من ارتفاع التكاليف بنفس القدر، "أصبحت المنافسة أكثر شراسة والعديد من المصانع تخفض أسعارها من أجل البيع، مما أدى إلى حلقة مفرغة".
الحديث عن الانكماش غير مسموح به
تقلل الحكومة من المخاوف بشأن الانكماش، حيث قال مسؤولون من بنك الشعب الصيني (المركزي) والمكتب الوطني للإحصاء ووكالات أخرى مراراً إنه لا يوجد أساس لانخفاض الأسعار على المدى الطويل.
أصبح الحديث عن الانكماش أمام الرأي العام أيضاً خارج النطاق المسموح به للعديد من المحللين الصينيين.
قال أحد الاقتصاديين في شركة وساطة محلية إنه تلقى تعليمات من المنظمين بعدم مناقشة الانكماش.
أوضح أنه طُلب منه الترويج لخطاب أن اقتصاد الصين في تحسن مستمر، ورفض الكشف عن هويته لنفس السبب.
قال خبير اقتصادي آخر مقيم في الصين إنهم تلقوا توجيهات من المنظمين وإدارة العلاقات العامة في شركتهم بعدم مناقشة الانكماش أمام الرأي العام.
الدافع الرئيسي لانخفاض الأسعار هذا العام هو تراكم المخزونات إبان فترة الوباء، وفي الربع الأول، خلال موجة من التفاؤل بعد نهاية قيود كوفيد. ولكن انعكس المسار منذ ذلك الحين، حيث خفضت الشركات الأسعار لتقليص مخزونها.
النمو في الصين يفقد المزيد من الزخم وسط دعوات للتحفيز
فيفيان فينغ مقيمة في شنغهاي تشتري سلعاً مخفضة السعر، من المنتجات الزراعية إلى قمصان "نايكي"، وتبيعها للجيران في مجتمعها السكني. قالت إن مورديها خفضوا الأسعار بشكل كبير هذا العام بسبب ارتفاع المخزونات والطلب الضعيف.
أوضحت "اعتادت بعض شركات الملابس المعروفة أن تبيع منتجاتها في عام 2021 جملة بسعر يعادل 40% من سعرها الأصلي، والآن وصلت إلى 10% فقط أو أقل".
قيود أمام تحركات "المركزي"
يتوقع بعض الاقتصاديين أن يتجه تضخم المستهلكين إلى الانخفاض على مدى بضعة أشهر أخرى قبل أن يرتفع قرب نهاية العام مع تلاشي القاعدة المرتفعة للمقارنة مع العام الماضي وانتعاش الطلب المحلي.
يتوقع خبراء اقتصاديون شملهم استطلاع "بلومبرغ" أن يصل معدل التضخم للعام بأكمله إلى 0.8% فقط في عام 2023، وهي أبطأ وتيرة منذ عام 2009.
يؤدي انخفاض التضخم إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية أو المعدلة حسب التضخم في الاقتصاد، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف خدمة ديون الشركات وتقويض تعهد البنك المركزي بتحفيز الإقراض.
في حين أن الوضع الحالي يزيد من توجه بنك الشعب الصيني لإضافة حوافز للاقتصاد، يواجه البنك المركزي العديد من القيود التي تجعله يتوخى الحذر، بما في ذلك ضعف اليوان وارتفاع مستويات الديون في الاقتصاد.
ألمح مسؤولو البنك المركزي إلى بعض إجراءات التيسير النقدي، مثل تقليل كمية الاحتياطي الإلزامي. يتوقع اقتصاديون أيضاً خفض سعر الفائدة بمقدار 10 نقاط أساسية في الربع الثالث.
بنك الشعب الصيني يتعهد باستخدام سياسته النقدية لدعم النمو
"سيواصل الضعف المستمر في البيانات الصينية في كبح الاستهلاك، حيث ستظل الأسر تتوخى الحذر بشأن شراء سلع باهظة الثمن في ضوء المخاطر المحتملة لفقدان الوظائف وخفض الرواتب"، حسبما قال كين تشيونغ، كبير محللي العملات الأجنبية لدى "ميزوهو بنك".
أضاف تشيونغ: "قد تدفع حالات عدم اليقين المحيطة بالانكماش، بنك الشعب الصيني إلى تنفيذ تدابير إضافية للتيسير النقدي".