روسيا تحكم قبضتها على إمدادات القمح العالمية

خُمس صادرات القمح في الموسم الجديد ستخرج من روسيا.. وتجارة الحبوب تعزز قوة موسكو الناعمة

time reading iconدقائق القراءة - 13
حصاد القمح قرب مدينةستافروبول، روسيا - المصدر: بلومبرغ
حصاد القمح قرب مدينةستافروبول، روسيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أحكمت روسيا سيطرتها على إمدادات القمح العالمية بعد غزوها أوكرانيا، معززة بذلك دور الكرملين في إمدادات الغذاء العالمية للحصول على الدعم السياسي والعملة الصعبة.

مع الفوضى في السياسة الداخلية الروسية بعد إحباط التمرد العسكري، وتضرر مكانتها الدولية نتيجة للحرب، ما زالت الحبوب مصدراً أساسياً للنفوذ، ووسعت موسكو دائرة سيطرتها على السوق المحلية والخارجية.

في ظل بدء حصاد المحصول الوفير من الأراضي الخصبة، مثل منطقة شمال القوقاز، ستكون روسيا مصدراً لشحنة واحدة كل 5 شحنات من صادرات القمح في الموسم الذي سيبدأ في 1 يوليو، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية. على النقيض، ستنخفض حصة أوكرانيا عن مستوياتها قبل الغزو بمقدار النصف لتقارب 5%، حيث تكبد الإنتاج أضراراً طويلة الأجل بسبب حقول الألغام وتعطل سلاسل الإمداد والتوريد.

تشكل قوة روسيا المتزايدة في السوق جزءاً من مجهود أوسع. فقد انسحبت منها شركات التجارة العالمية، مثل شركة "كارغيل" (Cargill) بعد أن تعرضت إلى ضغوط لإخلاء الساحة للشركات المحلية. وأدت تلك التغيرات إلى إعطاء القوى المحلية مزيداً من السيطرة، ما قد يسهل على الشركات المحلية شحن الحبوب المزروعة في الأراضي الأوكرانية المحتلة، وييسر على موسكو التأثير على الأسعار.

قال سكوت رينولدز، أستاذ التاريخ بجامعة جورجيا: "أهمية الحبوب لا تكمن في توفير الغذاء للروس فحسب، لكنها سلعة التصدير الأساسية التي تعزز قوة روسيا الناعمة. فأن تكون أكبر مُصدر للقمح في العالم هو إنجاز تفهمه موسكو جيداً".

الانسحاب من اتفاق الحبوب

صدّرت روسيا حبوباً بقيمة 10 مليارات دولار في العام السابق على الحرب، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. وفيما تبدو قيمة تلك الصادرات قليلةً مقارنة بالإيرادات الهائلة من الطاقة، إلا أن أهميتها تتجاوز الدخل. فالمستورد الأساسي هي دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي امتنعت عن الانضمام إلى العقوبات أو معارضة روسيا بشكل مباشر في الأمم المتحدة.

"إن التوجه العام في روسيا هو الحفاظ على دول الجنوب العالمي إلى جانبها"، حسب كريستوفر غارنفيل، العضو المنتدب في شركة "تي إس لومبارد" (TS Lombard) للبحوث، والدبلوماسي السابق.

تسلك استراتيجية روسيا للقمح مساراً معروفاً، عبر كسب حصص في الأسواق، ثم استخدام ذلك في دعم نفوذها. واتفاق الممر الآمن لتصدير الحبوب الذي طرحته أوكرانيا، والتي وافقت عليه روسيا بعد ضغط دولي هائل بعد الغزو، يتعرض الآن للخطر.

قال بوتين في وقت سابق من الشهر الجاري إنه يدرس الانسحاب من الاتفاقية التي تسمح لأوكرانيا بشحن صادرات الحبوب من موانئ البحر الأسود، مضيفاً أن روسيا "خُدعت مرة أخرى".

وأضاف: "نفكر الآن في كيفية الانسحاب من اتفاقية تصدير الحبوب تلك. صدّقت روسيا على الاتفاق لدعم الدول النامية- أصدقائنا، ولرفع العقوبات عن قطاعنا الزراعي". لا توجد عقوبات مباشرة على محاصيل روسيا الزراعية، لكن العقوبات على البنوك أفضت إلى مشكلات في التمويل واللوجستيات لشركات تصدير الحبوب.

مطالب بقيود على الشركات الأجنبية

مع بدء حصاد محصول ضخم من القمح، ينتظر أن تصدر روسيا كميات قياسية للعام الثاني على التوالي. كما أدى محصولها الوفير ومخزوناتها الهائلة إلى تدهور أسعار القمح، لا سيما أن الدولة تتقاضى سعراً أقل على محصولها مقارنة مع الدول الكبيرة الأخرى المنتجة. غير أن موسكو تناور للحد من تلك التخفيضات السعرية واكتساب مزيد من السيطرة على قطاعها الزراعي.

حكام أكبر المناطق إنتاجاً للحبوب في روسيا، إلى جانب شخصيات من أصحاب النفوذ في قطاعي التمويل والأسمدة، حثوا الكرملين في العام الماضي على فرض قيود على دور الشركات الأجنبية في صادرات الحبوب.

قررت شركتا "كارغيل" و"فيتيرا" (Viterra)، أكبر شركتين غربيتين لتصدير الحبوب الروسية، في مارس إنهاء العمليات التي بدأتاها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. كما انضمت شركة "لويس دريفوس" (Louis Dreyfus) إلى موجة الهروب، والتي ستسري بدءاً من يوليو. يمثل انسحاب الشركات الغربية فرصة للتجار المحليين لفرض مزيد من السيطرة على السوق.

غير أن الموقف محفوف بالمخاطر للمشترين. فضم روسيا للمناطق الأوكرانية يعني أن بعض الكميات القادمة من المناطق المحتلة تُخلط مع الحبوب الروسية، وتقدر بنحو 3 ملايين طن في 2023، وفقاً لتقرير نشرته وكالة "تاس" الإخبارية، نقلاً عن وزير الزراعة الروسي، دميتري باتروشيف.

في حين استبعد بعض التجار التعامل في كميات القمح القادمة من المناطق المحتلة، فقد يصبح تتبع هذه الكميات أشد صعوبة مع زيادة دمج تلك المناطق في خطوط الإمداد الروسية. وقد دعت أوكرانيا الجهات المستوردة إلى مصادرة أي حبوب مشكوك في أمرها.

تحديد الأسعار

زادت جرأة روسيا في استعراض قوتها، وتحاول فرض حد أدنى لأسعار الصادرات. فسعت موسكو في الشهر الجاري لإقرار حد أدنى قيمته 240 دولاراً للطن، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم تحديد هوياتهم نظراً لسرية المحادثات.

يهدف الحد الأدنى لمساعدة المزارعين، الذين عانوا في صيانة الجرارات والحصول على العمالة في ظل انتشار القوات على نطاق واسع بسبب الحرب. لكن القمح سلعة متقلبة السعر ولها العديد من الموردين، وتعيّن على روسيا خفض الحد الأدنى غير الرسمي للسعر عن 275 دولاراً للطن في مارس، بعد انخفاض الأسعار في أوروبا.

"لا يوجد خيار أمام روسيا إلا الرضوخ لضغط السوق" حسب إيلين دوفلو، محللة سوق الحبوب في "ستراتيجي غرينز" (Strategie Grains).

ما تزال جهود السيطرة على السوق مستمرة. فقد عرض أحد التجار حبوباً روسية على مصر في الشهر الجاري بسعر منخفض للغاية، وتجلى الاستياء الرسمي عندما رفضت وزارة الزراعة الموافقة على الصفقة، حسب المطلعين على الأمر، ويعتزم التاجر عرض القمح الروماني بدلاً من الروسي.

قال إدوارد زرنين، رئيس اتحاد مصدري الحبوب في روسيا، إن الفائز بالمناقصة لم يراع مصالح منتجي القمح في البلاد، وحذر من أن بلاده لا تعتزم بيع القمح بأسعار منخفضة إلى درجة غير معقولة.

تصنيفات

قصص قد تهمك