بلومبرغ
اتخذت شركتان عملاقتان في قطاع النفط والتكرير الصيني أكبر موقفين متعارضين في تجارة النفط الخام بالشرق الأوسط منذ سنوات، مما حوّل تدفقات الشحن العالمية، وأربك المتعاملين في أسواق النفط في جميع أنحاء العالم.
تذبذبت حركة خام دبي تذبذباً عنيفاً طوال شهر يونيو الجاري، فيما يرجع إلى حد بعيد إلى طلبات الشراء وعروض البيع الكثيفة من وحدتين تجاريتين، تتبع إحداهما "بتروتشاينا"، أكبر شركة نفط في الصين، والأخرى "سينوبك"، أكبر شركة تكرير في العملاق الآسيوي. واشتد ذلك بمرور الوقت، مما طغى على الكيانات الأخرى.
صدام صيني غير معتاد
الصدام علناً بين الشركات الصينية العملاقة المملوكة للدولة ليس من الأمور الشائعة، وفي هذه الحالة، يعتبر سلوك الشركتين في سوق هذا الخام، وهو الخام المعياري الرئيسي لأسعار النفط في الشرق الأوسط، غريباً للغاية، لأن كلاً منهما شركة تكرير كبيرة يجب، نظرياً، أن تحرص على الحصول على النفط الخام بأقل سعر ممكن. لكن وحدة "بتروتشاينا" في هونغ كونغ تطلب شراء النفط - وتشتري الشحنات نتيجة ذلك - في حين أن شركة "يونيبك" التابعة لـــ"سينوبك" تعرض الشحنات وتبيعها.
لم نتلق رداً على رسائل البريد الإلكتروني المرسلة إلى المكتب الإعلامي في "بتروتشاينا" و"سينوبك" طلباً للتعقيب.
في يونيو الجاري، تداول المستثمرون ما يزيد على ألف عقد من المشتقات في منصة التسعير الحيوية التي تحدد أسعار خام دبي - أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف متوسط التداول الشهري في 2023، وأعلى حجم للتداول منذ سنوات.
قال ما لا يقل عن 10 متعاملين آخرين إن النشاط- الذي كان مفاجئاً للجميع، بالنظر إلى الأنماط العادية للكيانات الصينية - جعل من الصعب التأكد من القوة الحقيقية لسوق النفط في الشرق الأوسط، وهي جزء محوري من سلاسل توريد البترول، وكذلك من حالة التعافي الصيني.
يشكل سعر خام دبي أساس جميع الصادرات تقريباً من الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية. معنى ذلك أن أي ارتفاع أو انخفاض في سعر هذا الخام ينعكس مباشرة على القدرة على تحمل تكاليف مشتريات النفط من جميع أنحاء المنطقة، وعدد البراميل التي تتدفق من أماكن أخرى في العالم إلى آسيا.
منصة "دبي بلاتس"
ربما ساعدت هذه الطفرة أيضاً في تدعيم الأسواق التي تبيع أنواعاً من النفط مشابهة لتلك الموجودة في الشرق الأوسط. فقد قفز خام يوهان سفيردروب النرويجي بنحو دولار واحد للبرميل بعد أن اشترت "يونيبك" خام دبي.
قال متعاملون إن تغيرات تدفقات الشحن العالمية ربما لم تكن لتحدث بدون الارتفاع الحاد في النشاط الصيني.
في سوق العقود الآجلة، تعتبر عقود خام دبي أصغر كثيراً من عقود خامي برنت وغرب تكساس الوسيط. ولكن في الأشهر القليلة الماضية، زاد عدد المراكز المفتوحة في عقود خام دبي بشكل ملحوظ- في إشارة إلى زيادة تدفق السيولة والإقبال عليها.
عادةً تكون العطاءات والعروض على منصة "بلاتس دبي" (Platts Dubai) انعكاساً لوجهة نظر الشركات في سوق الشرق الأوسط. فالمتعاملون يستطيعون شراء وبيع عقود خام دبي الجزئية عبر المنصة على أن تسلم الشحنات فعلياً لخامات منها عمان وزاكوم العلوي ودبي بعد 20 صفقة.
تعرض "يونيبك" بكثافة عقود دبي الجزئية، وهي مشتقات تسمح للمتعاملين عند جمعها ببيع شحنات نفط كاملة من المنطقة. وسلمت الشركة حتى الآن 37 شحنة - أو 18.5 مليون برميل- إلى مشترين مختلفين. واشترت "بتروتشاينا هونغ كونغ" 11.5 مليون برميل.
كانت "توتال إنرجيز" الفرنسية أكثر من يطلب شراء النفط، قبل أن تتجاوزها حالياً "بتروتشاينا". وتبيع "توتال" أيضاً الشحنات في نافذة تسعير موازية، هي بحر الشمال، في معظم أيام هذا الشهر.
تنافس صيني قديم
سبق أن تنافست عملاقتان صينيتان في 2015 عندما اشترت وحدة تابعة "تشاينا ناشيونال يونايتد أويل كورب"، الشركة الأم لـــ"بتروتشاينا"، 36 مليون برميل من نفط الشرق الأوسط، معظمها من "يونيبك".
ولم تكن "بلاتس" ، وهي وحدة تابعة لــ"إس أند بي غلوبال" والتي تدير منصة التسعير في دبي، متاحة للتعليق على الأمر في وقت النشر.
وفي أوائل يونيو، أشارت عمليات البيع المكثفة التي نفذتها "يونيبك" إلى أن الشركة مترددة في شراء كميات كبيرة من الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، اشترت إمدادات من بحر الشمال والولايات المتحدة، مما رفع تكلفة بعض درجات الخام المسعرّة على أساس خام برنت المرجعي.
وقال متعاملون إن أسعار نفط الشرق الأوسط تبدو الآن أرخص، لذا فمن المحتمل أن تفكر شركات التكرير الآسيوية في اختيار كميات أقل من النفط الخام من السعودية الشهر المقبل، سعياً إلى الحصول على براميل بديلة بأسعار معقولة. وأثارت الشحنات من السوق الفورية الأرخص بالفعل اهتمام شركة "رونغشينغ بتروكيميكالز" (Rongsheng Petrochemicals) الصينية وشركة "فورموزا بتروكيميكالز" (Formosa Petrochemical) التايوانية، مما يؤكد التأثير الواسع النطاق لمعركة منصات التسعير.
تقلب شديد
ما يزال التقلب شديداً أيضاً. ففي الأسبوع الماضي، تضاعفت الفروق في السوق الفورية لخام عمان ثلاث مرات ثم تراجعت مرة أخرى. وقال متعاملون إن الحركة تركزت على مخاوف من أنه قد لا يكون هناك ما يكفي من الشحنات لتتناسب مع حجم البيع عبر المنصة، رغم أن استمرار المبيعات في العقود الجزئية هدّأ من هذه المخاوف.
نظراً لأن معظم أنشطة التداول في آسيا تتم على دورات شهرية، فمن المحتمل أن تُصفّى المراكز عند انقضاء أجل العقود هذا الأسبوع في نهاية يونيو. وقد أُوقف مسؤولون تنفيذيون من قبل عن العمل بسبب تكبد خسائر كبيرة، وأبرزهم رئيس "يونيبك" تشين بو في 2018.