الشرق
لم يُسجل المغرب حتى يونيو الجاري أي طرح عام أولي في البورصة، مما قد يجعل هدف رفع عدد الشركات المُدرَجة بنحو 5 أضعاف، من 76 شركة حالياً إلى 350 بحلول عام 2035، أمراً صعباً ويتطلب جهوداً مضاعفة.
تحاول بورصة الدار البيضاء تشجيع الشركات للإدراج من خلال تنظيم لقاءات كان آخرها قبل يومين في العاصمة الرباط مع شركات البناء التي يغلب عليها الطابع العائلي، وجرت دعوة مُؤسسيها للتفكير في السوق المالية كوسيلة تمويل بديلة وذات شروط ميسرة.
يعود آخر إدراج في قطاع البناء بالمغرب إلى عام 2021 من شركة "TGCC"، حيث فاق طلب المستثمرين على أسهمها 13 مليار درهم مقابل 600 مليون درهم المطلوبة.
قال كمال مقداد، رئيس مجلس إدارة بورصة الدار البيضاء، في اللقاء إنَّ "عملية الإدراج تُساهم في تسريع وتيرة نمو الشركات العائلية وتضمن تحولها، خصوصاً تلك العاملة في قطاع البناء التي تتلقى طلباً كبيراً من قبل المستثمرين".
آخر الشركات الملتحقة ببورصة المملكة هي شركة "أكديطال" العاملة بالقطاع الصحي الخاص، حيث جمعت 1.2 مليار درهم في نوفمبر 2022 بعدما نجحت في جذب 4.5 مليار درهم، ليكون بذلك الطرح الأولي الأهمّ منذ عام 2008.
علي اسكندر، المُدير العام لشركة "بي إم سي إي كابيتال كوينسي" (BMCE Capital Conseil)، وهو بنك استثماري تابع لبنك أفريقيا، قال إنَّ "80% من الشركات المغربية متوسطة وصغيرة الحجم، غالباً ما تنظر للاكتتاب العام كأنَّه فقدان للسيادة والسيطرة على الشركة والقرارات التي يتعيّن اتخاذها".
التواصل والانفتاح
في عام 2014، أطلقت بورصة المغرب برنامجاً باسم "إليت" (Elite) بشراكة مع مجموعة بورصة لندن بهدف تشجيع الشركات على الإدراج ومواكبتها حول المتطلبات الضرورية لذلك، لكنَّ عدداً من الشركات المستفيدة من البرنامج لا يفكر في دخول السوق المالية على المدى المتوسط، من بينها "لوكاميد" لتوزيع المعدات الطبية و"جنيرال دو بروجي" التي تشتغل البناء.
بُثينة عراقي حسيني، رئيسة "لوكاميد"، قالت في حديث لـ"اقتصاد الشرق"، إنَّ "قرار الإدراج في البورصة ليس أمراً سهلاً بالنسبة لشركة عائلية، كما أنَّ الظروف الاقتصادية الحالية لا تتيح فرصة جيدة لاتخاذ مثل هذه الخطوة التي يجب الاستعداد لها بشكل جيد".
تسعى بورصة الدار البيضاء لاستقطاب أكبر عدد من الشركات العائلية في قطاع البناء الذي تبلغ مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 6%، وهو قطاع يحتاج تمويلات كبيرة نظراً للاستثمارات والمشاريع الكبيرة التي تُعلن سنوياً في البنى التحتية من طرف الحكومة، وتقدّر بنحو 45 مليار درهم عام 2023.
قال اسكندر إنَّ "الشركات في المغرب تنظر إلى السوق المالية، التي تعتبر رافعة للتمويل ودافعةً لتحوّل الشركات، بمثابة تهديد وهذا غير صحيح في الواقع". كما تظل أسهم أغلبية الشركات في المغرب عائلية، إذ قال المتحدث إنَّ "هذه العائلات تُدير أعمالها بطريقة تقليدية من خلال تبني أسلوب يركز على شخص أو شخصين، وبشكل عام يكون المساهم المؤسس"، وأضاف أنَّ "هذا النمط من الإدارة يؤدي إلى إحجام الشركات على التواصل والانفتاح".
في بورصة الدار البيضاء، يحضر قطاع البناء بـ8 شركات مختلفة الأحجام تُمثل 3.5% من القيمة السوقية بمؤشر قطاعي باسم "MASI.BTP"، من بينها "لافارج هولسيم المغرب"، و"صوناسيد".
شفافية الحسابات
الولوج إلى البورصة يتيح الحصول على التمويل، لكنَّ ذلك يتطلب اعتماد الشفافية المحاسبية والضريبية، وهي أمور لا تشجع "أصحاب الشركات لاتخاذ خطوة إلى الأمام، وتفضل الاستمرار في نظام الإدارة القديم"، بحسب تصريح اسكندر.
يعمل في قطاع البناء والأشغال العمومية في المغرب نحو 1.2 مليون شخص، ووصل متوسط قيمة المشروعات التي أُنجزت في السنوات بين 2018 و2021 إلى نحو 60 مليار درهم (5.7 مليار دولار). أشار كمال مقداد إلى أنَّ هناك رهاناً كبيراً على شركات القطاع لرفع حركة السوق المالية بالنظر لشهية المستثمرين المؤسساتيين، خصوصاً صناديق التقاعد والتأمين، للاستثمارات طويلة الأمد.
إحجام الشركات عن الإدراج له سبب آخر، يتمثل وفق تصريح اسكندر، في عدم معرفة جميع المزايا التي يمكن أن تتيحها البورصة، منها الشهرة والقدرة على التفاوض مع الشركاء، وتقييم الشركة، والحصول على تمويل لتطوير الأنشطة وتنويعها.
تحاول عدة بنوك استثمارية من بينها "بي إم سي إي كابيتال كونسي" توعية أصحاب الشركات المغاربة بأهمية الإدراج، وهي جهود يؤكد اسكندر على ضرورة الاستمرار فيها لتحقيق أهداف المغرب في إطار النموذج التنموي الجديد في أفق 2035 عبر تجاوز رقم 300 شركة مدرجة.