بلومبرغ
يبحث التجار عن مشترين لتلال من الفحم غير المستخدم قبل أن تصبح بلا قيمة، بعد تخزينها لإنقاذ اقتصاد أوروبا من نفاد الطاقة العام الماضي.
ومع تراجع القلق بشأن نقص إمدادات الطاقة في أعقاب الشتاء المعتدل في القارة، بدأت إعادة تحميل الفحم المستورد في الموانئ الأوروبية لأسواق مثل المغرب والسنغال وغواتيمالا، وهو اتجاه معاكس لشحنات الوقود الأحفوري المعتادة.
إجمالاً، شُحن 1.12 مليون طن من أوروبا عبر إسبانيا وهولندا وموانئ أخرى هذا العام، بما في ذلك شحنة تزيد على 145 ألف طن إلى الهند في أبريل. كما أُرسلت شحنات أصغر على طرق لم تكن متوقعة في السنوات الأخيرة.
قال غيوم بيريه، محلل سوق الفحم في "بيريت أسوشيت": "يُعتبر بعض هذا الفحم موجوداً هناك منذ أكثر من عام، والتخزين مكلف". مع إبقاء الفحم مكشوفاً لعدة أشهر في المخازن الخارجية، تبدأ نوعية الفحم في التدهور ويصبح في النهاية غير قابل للاستخدام.
تراجع الطلب
تظهر الديناميكية الآثار المتتالية لأزمة الطاقة في أوروبا بعد أن اتخذت القارة تدابير طارئة لمواجهة تحركات الكرملين لخفض إمدادات الغاز. ومع إعادة تشغيل محطات الفحم المتوقفة إلى الخدمة، انتهز التجار فرصة شراء الفحم -معظمه من روسيا- لتوليد الكهرباء في القارة.
لكن تدفُّق الغاز الطبيعي المسال ودرجات الحرارة المعتدلة في فصل الشتاء يعني أنه لم تكُن إلى معظمه حاجة. في النهاية أحرق الاتحاد الأوروبي بالفعل فحماً أقلّ بنسبة 11% مقارنةً بالشتاء السابق، وفقاً لمركز الأبحاث "إمبر".
تسبب التحول من الندرة في الإمدادات إلى الوفرة، في تراجع أسعار توصيل الفحم إلى موانئ أمستردام وروتردام وأنتويرب إلى 90 دولاراً فقط للطن، أي أقل من ربع تكلفة العام الماضي.
بعد تشغيل المناجم بكامل طاقتها وإعادة توجيه الإمدادات بعيداً عن توليد الطاقة المحلية، غمرت إمدادات مورّدي الفحم في أماكن بعيدة مثل كولومبيا وجنوب إفريقيا وإندونيسيا، أوروبا التي كانت على استعداد لدفع علاوة لإبقاء الأضواء منيرة في البلاد، متجاهلةً بذلك الأهداف المناخية في هذه العملية. وها هو ذا الفحم نفسه يتجه الآن إلى وجهات جديدة.
"إن رؤية التدفقات من هولندا إلى المغرب ومن إسبانيا إلى الهند تُعتبر أمراً غير عادي"، وفقاً لما قاله أليكس كلود، الرئيس التنفيذي لشركة التحليلات "دي بي إكس كوموديتيز" في لندن، وتاجر الفحم السابق، مُضيفاً: "إنها علامة على تراجع الطلب على نهر الراين وكذلك خارج أوروبا".
تجارة خاسرة
يبدو بيع الفحم المستورَد الذي بِيعَ بأسعار مرتفعة للغاية في سوق منخفضة بمثابة تجارة خاسرة، لكن بعض الذين ثبّتوا الأسعار بواسطة المقايضات أوعقود التحوط، قد يحقّقون ربحاً جيداً.
تشمل المقايضات تأمين إيرادات الفحم المستورد مع الأطراف المقابلة، في حين أن المرافق قد تحصل على الفرق من العقود المسبقة المبيعة لإمدادات الكهرباء التي كان يُفترض أن ينتجها الفحم ودفع الأسعار الأرخص الحالية للكهرباء.
تعد التدفقات الخارجة أيضاً نعمة صغيرة للإمداد للهند والصين المتعطتشين للفحم، التي تمثل بمفردها أكثر من نصف الاستهلاك العالمي للوقود. وعلى الرغم من تقليل المحللين توقعاتهم بشأن الانتعاش الاقتصادي في الصين، فإن البلاد لا تزال على المسار الصحيح لاستيراد كمية قياسية هذا العام.
أما أوروبا، فإن الاندفاع لإعادة تحميل الفحم لا يخلو من المخاطر. في الشتاء الماضي وسّعَت ألمانيا مفاعلاتها النووية الثلاثة الأخيرة للمساعدة على سدّ فجوة الإمدادات، لكنها أغلقتها الآن. تعتمد إمدادات الغاز أكثر على خطوط الأنابيب من النرويج وتأمين شحنات الغاز الطبيعي المسال في السوق العالمية.
قال بيريت: "يجب أن يحرص الناس على عدم الانجراف بعيداً. لا نعرف ماذا سيحدث في الشتاء المقبل".