بلومبرغ
رغم الأرباح الكبيرة التي حققتها الشركات الأوروبية والتي تجاوزت التوقعات، إلا أن هناك زلازل سوقية تتشكل تحت سطح القارة حالياً بسبب زيادة قوة اليورو أمام الدولار، حيث بدأ المصدرون في الشعور بالضغط الناتج عن فرق سعر صرف العملة الأوروبية مقابل نظيرتها الأميركية.
من المتوقع أن يرتفع اليورو والفرنك السويسري والجنيه الإسترليني بصورة أكبر مقابل العملة الأميركية، ما قد يسبب متاعب للشركات المدرجة على مؤشر الأسهم "ستوكس 600"، التي تعتمد على أميركا الشمالية فيما يقرب من ثلث مبيعاتها، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
حتى الآن، لم يظهر تأثير اتساع فرق سعر الصرف بالكامل، رغم ارتفاع اليورو 13% مقابل الدولار منذ أدنى مستوى له في سبتمبر، إلا أن غالبية الشركات المدرجة على مؤشر "ستوكس" تجاوزت تقديرات أرباح الربع الأول، لكن إذا ازدادت الفجوة بين العملتين بصورة أكبر، ستتضح معاناة مجموعة كبيرة من الشركات، لا سيما المؤسسات التي تُصدر عدداً كبيراً من المنتجات مثل "روش" (Roch) و"باير" (Bayer).
رياح اقتصادية معاكسة
قد ينتشر هذا على نطاق أوسع في الأشهر المقبلة إذا تلاشى الدعم الناتج عن إعادة فتح الصين بعد كوفيد، وتباطأ النمو الأوروبي الكبير الذي اتسم بالمرونة حتى الآن، مع دخول الولايات المتحدة في حالة ركود.
قالت شارون بيل، المحللة الأولى للأسهم الأوروبية في بنك "غولدمان ساكس": "زيادة القوة الاقتصادية أخفت تأثير ارتفاع العملة، لكن مع مرور الوقت نتوقع ظهور تأثير أكبر لفرق سعر الصرف في الربعين الثاني والثالث".
تراجع حصة اليورو في المدفوعات الدولية إلى أدنى مستوى في 3 أعوام
كقاعدة عامة توضح "بيل" أن ارتفاع اليورو بنسبة 10% يقلل 2% إلى 3% من نمو مضاعف ربحية الأسهم في الشركات الأوروبية. وتعتقد أنه سيكون من الصعب بشكل متزايد تجنب هذا التأثير، خاصة أن انخفاض أسعار الصرف لأدنى مستوياتها في سبتمبر الماضي يجعل المقارنات على أساس سنوي أصعب على الشركات.
تتوقع "بلومبرغ إنتليجنس" اقتراب اليورو من سعر 1.20 مقابل الدولار الواحد بنهاية العام الجاري، مع تكهنات بارتفاع الجنيه الإسترليني والفرنك السويسري أيضاً مقابل الدولار. وأظهر تحليل أجراه بنك "باركليز" للإعلانات الصادرة عن الرؤساء التنفيذيين أن أقل من 40% من الشركات تتمتع بوجهة نظر إيجابية الآن حول أسعار الصرف، بانخفاض عن أكثر من 60% في الربع الثالث من 2022.
قطاعات ضعيفة
وفقاً لتحليل أجرته "بلومبرغ" تعتمد الشركات الأوروبية في قطاعات الاتصالات، والرعاية الصحية، والإعلام، والسلع الاستهلاكية الأساسية على أميركا الشمالية في تحقيق النسبة الأكبر من إيراداتها.
تعتبر العملات القوية سلاحاً ذا حدين بالنسبة لمثل هذه الشركات، إذ تساعد في كبح تأثير التضخم على السلع المستوردة من جهة، وهو أمر هام للغاية في وقت تعاني فيه الشركات من ارتفاع تكاليف المدخلات.
لكنها في الوقت نفسه تجعل السلع أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين في الدول الأخرى، وهذا يعني تراجع الأرباح الخارجية عند تحويلها إلى العملة المحلية.
معاناة الشركات
على سبيل المثال حذرت "باير" الألمانية من تراجع أرباحها بنحو 1.7 مليار يورو في 2023 بسبب فرق سعر الصرف، مع احتمال وصول مبيعات العام بأكمله إلى أدنى مستوى متوقع سابقاً. فيما طمأن الرئيس التنفيذي للشركة، فيرنر باومان، المحللين بأن الشركة كثفت جهود التحوط لحماية المحصلة النهائية.
منطقة اليورو تتجنب الركود الاقتصادي بالربع الأول
أما في "روش" السويسرية، التي تعتمد على السوق الأميركية في جني نصف إيراداتها، فقال المدير المالي، ألان هايب، إن مبيعات الربع الأول تراجعت 3% عندما كانت أسعار الصرف ثابتة، لكن بعد تحركات العملة، زاد الانخفاض إلى 7%.
هناك مثال آخر على ذلك في شركة التجزئة الهولندية "كونيك كليك آهولد ديلهايز" (Koninklijke Ahold Delhaize) التي لا تتوقع مديرتها المالية، ناتالي نايت، زيادة مكرر ربحية السهم للعام بأكمله مقارنة بمستواه في 2022، حيث تجني الشركة 60% من إيراداتها من أميركا الشمالية، وقالت إن تراجع الدولار الأميركي هو كلمة السر وراء هذا التراجع.
ميزة للأسهم الأوروبية
لكن بينما تدرس مجالس إدارة الشركات الأوروبية تأثير فرق سعر الصرف السلبي عليهم، يستمتع المستثمرون الأميركيون الذين يعتمدون على الدولار بالمكاسب الإضافية التي يمكنهم جنيها من فرق أسعار الصرف.
وتلقى صندوق "فوتسي يوروب" (FTSE Europe) المتداول في البورصة، والتابع لشركة "فانغارد" (Vanguard)، وهو أكبر صندوق مقره الولايات المتحدة غير محمي وموجه للأسهم الأوروبية، أكثر من 19 مليار دولار هذا العام، في الوقت نفسه الذي يتدافع فيه المستثمرون لشراء أسهم شركات منطقة اليورو.
قال أليسيو دي لونغيس، مدير الصناديق في شركة "إنفيسكو" (Invesco) ومقيم في نيويورك: "عززت قوة اليورو بشدة وجهة نظرنا الحيادية إلى المتفائلة بشأن الأسهم الأوروبية، مقارنة بالولايات المتحدة".
تأثير على المدى الطويل
توقع دي لونغيس ارتفاع سعر اليورو إلى 1.20 دولار - 1.30 دولار على مدى عدة سنوات، لكنه لا يتوقع ظهور تأثير ملموس لذلك على أرباح الشركات قصيرة الأجل. وقال: "تؤثر تقييمات العملات على أسواق الأسهم بعد فترة من الزمن"، مشيراً إلى أن اليورو كان مقوماً بأقل من قيمته لسنوات.
نشاط القطاع الخاص في ألمانيا وفرنسا يعود للنمو
أما في أوروبا، فيعدل بعض مديري الأموال مراكزهم لمواكبة تحركات العملات الحالية. وتفضل ألكسندرا جاكسون، مديرة صندوق "راثبون يو كيه" (Rathbone UK) للفرص الاستثمارية، شراء أسهم الشركات المدرجة على مؤشر "فوتسي 250" الذي يركز على السوق البريطانية المحلية أكثر من أسهم مؤشر "فوتسي 100" المكشوف دولياً.
على الجانب الآخر، توضح إلينور تايلور غوليدون، مديرة المحافظ الاستثمارية في مؤسسة "يونيون بانكير برايفي" (Union Bancaire Privee) في جنيف أن الشركات السويسرية من المحتمل أن تكون في وضع أفضل من غيرها، نظراً لتاريخها الطويل في العمل بعملة الفرنك القوي. وتشكك "غوليدون" بصورة أكبر في قدرة الأسهم الأوروبية الأوسع نطاقاً على الصمود أمام ضغوط العملة، مشيرة إلى أن تحركات اليورو الأخيرة "جاءت نتيجة ضعف الدولار، وليس بسبب قوة العملة الأوروبية".