بلومبرغ
في واحدة من قنوات الشحن البحري الأكثر ازدحاماً في العالم قبالة سواحل ماليزيا، مزّق انفجار ناقلة النفط القديمة "بابلو" سطحها مثل علبة سردين وتصاعدت إثره أعمدة الدخان الأسود للسماء.
الحادثة المأساوية كان يُحتمل أن تكون كارثة أكبر بكثير إذ إن السفينة المسجلة في دولة الجابون، والقادرة على حمل نحو 700 ألف برميل من النفط الخام، كانت قادمة من بحر الصين الجنوبي. قال مسؤولون إن السفن العابرة أنقذت 25 من طاقمها الدولي المكون من 28 شخصاً، وحدث الانفجار مباشرة خارج المياه الإقليمية السنغافورية المزدحمة.
لكن بالنسبة للسلطات البحرية القريبة، بدأ الصداع لتوه، فهناك قليل من الأدلة على المالك، وهي شركة مسجلة في جزر مارشال أسطولها لا يحتوي على سفن أخرى، ولا يوجد أثر للتأمين، وكلاهما ضروري لبدء عملية التنظيف.
مخاطر توسع "أسطول الظل"
تسلط "بابلو"، وهي ناقلة نفط خام من طراز "أفراماكس" شوهدت في المياه الإيرانية العام الماضي، الضوء على المخاطر المصاحبة لتوسع "أسطول الظل" من السفن القديمة التي تنقل النفط الخاضع للعقوبات في جميع أنحاء العالم. يُذكر أنه منذ موجة العقوبات التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا -مثل سقف السعر الذي فرضته مجموعة السبع، والمصمم للحد من عودة إيرادات النفط إلى الكرملين- أفاد مراقبون لتجارة النفط بأن مئات الناقلات القديمة بيعت لمشترين مجهولين.
في ظل ندرة التفاصيل حول المسؤول عن هذه السفينة، فإنه لا يوجد أحد يمكن مساءلته خاصة وأنها سارت لمسافة 40 ميلاً بحرياً فقط قبالة جزيرة بولاو تينجي الماليزية. يُقال إن النفط، الذي تسرب على الأغلب من الحطام، وصل الساحل الإندونيسي.
قال رولف ثور روبستاد، الرئيس التنفيذي لشركة "غارد" (Gard)، وهي واحدة من أكبر أندية الحماية والتعويض التي تؤمن أغلب الأسطول العالمي ضد مخاطر مثل التسربات النفطية: "حادثة (بابلو) مأساوية، وهي تذكير صارخ بما نقوله طوال الوقت حول "أسطول الظل" وما يمثله من تهديد خطير لحياة الناس والبيئة البحرية على حد سواء".
أضاف: "ما يقلقني هو أن مثل هذه السفن تمر عبر المضائق المزدحمة كل يوم، وبالتالي فإن احتمالات وقوع تلك الحوادث مرتفعة حقاً".
غموض سبب الحريق
ما يزال سبب الحريق غير واضح، لكن يُحتمل أن تكون الأبخرة من بقايا شحنة النفط لعبت دوراً في اندلاعه. علاوة على ذلك، عندما تنفجر سفن مثل "بابلو"، تصبح عملية تنظيف الفوضى أكثر صعوبة. في كثير من الأحيان، تبدأ شركات التأمين وشركات الإنقاذ والعديد من الوسطاء التعامل مع الموقف خلال ساعات قليلة من حدوثه.
لكن مر أسبوع تقريباً على هذا الانفجار، ولا يوجد إشارات على تحريك شركة التأمين للأمور، كما أن السفينة "بابلو" غير مدرجة في قاعدة بيانات القطاع للسفن المؤمن عليها، ولم تجب وكالة الإنفاذ البحري الماليزية عن الأسئلة المتعلقة بالتأمين.
في الحالات التي يكون فيها مالكو السفن مجهولين، عادة تضغط السلطات المحلية على الطاقم للحصول على مزيد من المعلومات لأنهم بين الأشخاص القلائل الذين يعرفون من أين تأتي التعليمات للسفينة، لكن لم يتضح إذا كان ذلك ممكناً أم لا.
قال أون ثيان سينغ، الشريك المؤسس لشركة المحاماة السنغافورية "أون أند بازول" (Oon & Bazul)، ومكتبها الماليزي "تي إس أون أند بارتنرز" (TS Oon & Partners)، إنه في حال تعذر التواصل مع المالك، يمكن للسلطات المحلية مصادرة السفينة ومحاولة تغطية التكاليف بقدر المستطاع، مع ذلك، لا يُرجح بقدر كبير أن بيع ما تبقى من السفينة المتفحمة سيُغطي تكاليف الإزالة.
نقل النفط الخاضع لعقوبات
يُبرز تاريخ "بابلو"، والسفن الشبيهة، المخاطر التي تفرضها، فالناقلة ترفع علم الجابون، وهي وجهة غير ذات أهمية في تسجيل السفن وليست جزءاً مما يُسمى بمذكرة تفاهم باريس، التي تأسست للترويج للشحن الآمن، كما أنها بُنيت في 1997 أي أنها تجاوزت بكثير العمر الذي تُباع عنده الناقلات كخردة. الأدهى أن شحنة "بابلو" نتج عن احتراقها تسرب نفطي كبير من الخام الخاضع لعقوبات أميركية.
أمضت الناقلة شهرين في حوض بناء سفن قرب شنغهاي، لكن قبل ذلك، نقلت عبر آخر رحلتين لها النفط الخام إلى الموانئ الصينية في مقاطعة شاندونغ، وفق بيانات تتبع السفن التي ترصدها "بلومبرغ"، فيما قالت شركة تحليلات البيانات "فورتكسا" (Vortexa) إن كلا الشحنتين كانت من الخام الإيراني الثقيل، الخاضع للعقوبات.
من يدفع ثمن حوادث السفن؟
بالنسبة للسلطات في سنغافورة، وهي واحدة من مراكز الشحن الأكثر ازدحاماً في العالم، يبقى سؤال وهو كيف يمكن المحافظة على تدفق شحنات النفط المشروعة وفي الوقت ذاته تجنب حوادث مثل تلك.
قالت هيئة الملاحة البحرية والموانئ السنغافورية إنها طلبت المساعدة من 20 سفينة في المنطقة في الإبلاغ عن أفراد طاقم "بابلو" الثلاثة المفقودين، وأكدت عدم حدوث أي تعطل لحركة الملاحة. لم يقدم المسؤولون تفاصيل أكثر.
أما السلطات الماليزية، فقالت إنها أوقفت عمليات البحث مساء الجمعة مع عدم وجود أثر لأفراد الطاقم. جعل الانفجار الصعود على متن السفينة غير آمن، وهي الآن عالقة قبالة ساحل البلاد.
كلما طال بقاؤها هناك، ستظل تذكيراً واضح بالمخاطر التي تأتي مع توسع "أسطول الظل". قال روبستاد: "من المؤسف أن من يدفع الثمن هم أفراد الطاقم وعائلاتهم والمجتمعات الساحلية".