في أبريل الماضي، ومع انتشار جائحة كوفيد-19، كان من السهل أن نضحك على عبثية نقص توفّر ورق التواليت للبيع في المحلات التجارية، ولكن عندما فرغت صناديق اللحوم في السوبر ماركت في نهاية الشهر، لم يضحك أحد، حيث جاء النقص نتيجة تفشي فيروس كوفيد-19 في عدد قليل من الشركات المسؤولة عن معظم إمدادات اللحوم في البلاد. وباختصار، هدد الفيروس بتحطيم حلقة رئيسية في السلسلة الغذائية الأمريكية التي كانت غير قابلة للكسر سابقاً.
وفي الأسبوع الماضي، بدأت لجنة من الديمقراطيين في مجلس النواب تحقيقاً حول المسؤول النهائي عن تلك الفاشيات. وهو سؤال مهم، إلا أنه ليس السؤال الوحيد الذي يجب أن يسأله المشرعون عن هذه الحلقة؛ حيث يتعيّن عليهم أيضاً النظر في سبب قيام عدد قليل من الشركات الآن بمعالجة جميع اللحوم التي يشتريها المستهلكون الأمريكيون تقريباً.
وإلى حدٍ ما يُقدّره عدد قليل من المستهلكين، فإن معظم إمدادات اللحوم في الولايات المتحدة تأتي من عدد صغير من المرافق. ووفقاً لإحدى التقديرات، فإن حوالي 50 مصنعاً كبيراً هم المسؤولون عن ذبح ومعالجة 98% من الماشية في الولايات المتحدة. ومعظم هذه المصانع مملوكة لأربع شركات فقط، هي: "تايسون فودز" (Tyson Foods Inc)، و"جيه بي إس" (JBS SA)، و"كارجيل" (Cargill Inc)، و"ناشونال بيف باكينغ" (National Beef Packing Co) والتي تُسيطر بشكل جماعي على 73% من سوق معالجة الماشية، والقصة مشابهة أيضاً فيما يخص الدجاج ولحم الخنزير.
ما من شكٍ في أنه خلال أوقات الرخاء، يمكن للمستهلكين الاستفادة من الكفاءات الكبيرة ووفورات الحجم التي تُولّدها هذه الشركات (أحياناً على حساب صحة وسلامة معلّبي اللحوم). ولكن عندما تسوء الأمور، كما حدث في العام الماضي، يصبح هذا التكتل نقطة ضعف. ففي أبريل، أدى إغلاق 12 مصنعاً فقط إلى تعطيل 25% من قدرة معالجة لحوم الخنازير الأمريكية و10% من لحوم البقر. حيث قال المحللون إن الولايات المتحدة كانت على شفا نقص خطير في البروتين.
وقامت شركة "تايسون" بإصدار إعلانات على صفحة كاملة محذرة من أن "سلسلة التوريد الغذائية آخذة في الانهيار"، كما أصدر الرئيس "دونالد ترمب" أمراً تنفيذياً يطالب ببقاء مصانع اللحوم مفتوحة.
وفي الواقع، لم يكن هناك نقص في الحيوانات المتاحة للذبح، حيث كان لدى المزارعين ومربي الماشية الكثير من الحيوانات الجاهزة للذبح؛ بل كانت المشكلة في عدم وجود بدائل فعّالة لتكتل المسالخ الكبيرة. ومع عدم وجود وجهة تُشحن إليها الخنازير والماشية، واصطفاف الحيوانات الجديدة في الحظائر، لم يكن أمام العديد من المزارعين سوى خيار القتل الرحيم (أنفقت مينيسوتا أكثر من 6 ملايين دولار لمساعدة المزارعين اليائسين في "جهود تقليل عدد الحيوانات والتخلص منها")؛ حيث تم على الصعيد الوطني إهلاك ما يصل إلى 800,000 خنزير خلال شهر يوليو - وذلك عندما كان الأمريكيون يحدقون في الرفوف الفارغة، وشهدت بنوك الطعام زيادة هائلة في الطلب.
في نهاية المطاف، كانت المصانع قادرة على إعادة فتح أبوابها مع تطبيق تدابير أمان أكثر صرامة، وخفت المخاوف من حدوث نقص؛ إلا أن القوانين واللوائح كانت هي العامل الأساسي الذي أسهم في حدوث هذا الاختناق - والذي لم يتم التعامل معه بعد. وبسبب قانون اللحوم الصحية لعام 1967، وهو محاولة حسنة النية لإنشاء برنامج وطني لفحص اللحوم، يجب على المنتجين استخدام منشأة معالجة خاضعة للتفتيش الفيدرالي إذا كانوا يرغبون في بيع منتجاتهم عبر حدود الولاية. وعلى مر السنين، أثبتت تكاليف الامتثال لهذا الإجراء أنها باهظة الثمن بالنسبة للشركات الصغيرة المملوكة للعائلات. وفي عام 1967، كان هناك 9,267 مسلخاً للماشية في الولايات المتحدة، ولكن هذا الرقم انخفض منذ ذلك الحين بنسبة 70% لصالح المسالخ الكبيرة التي يمكنها تحمل جميع الإجراءات الروتينية.
هذا ولا تفتقر المسالخ الصغيرة للخيارات تماماً، حيث يمكنها تشغيل مرافق تخضع للتفتيش الحكومي "مساوية على الأقل" للمرافق الفيدرالية، على سبيل المثال. ولكن بموجب هذه القواعد لا يمكنها بيع اللحوم في ولايات أخرى، إلا في ظل استثناءات نادرة. وبدلاً من ذلك، يمكنها تجنب التفتيش الفيدرالي المستمر من خلال أن تصبح مرافق معالجة معفاة من الفحص تقوم بذبح ومعالجة الحيوانات التابعة للآخرين، مثل الصيادين؛ ولكن يتعيّن عليها حينها تصنيف اللحوم التي تقوم بمعالجتها على أنها "ليست مخصّصة للبيع" ولا يمكن استخدامها إلا من قبل المالك، وعائلة المالك، والضيوف الذين لا يدفعون ثمنها.
هذا وستكون مسألة استعادة مرونة سلسلة إمداد اللحوم الأمريكية عملية طويلة ومثيرة للجدل. ولكن يجب أن يبدأ أي جهد جاد بتعديل قانون اللحوم الصحية بحيث يمكن لمرافق معالجة اللحوم التي تخضع للتفتيش الحكومي والتي تفي بالمعايير الفيدرالية للبيع عبر حدود الولاية، ويمكن لمرافق المعالجة المعفاة من الفحص البيع داخل حدود الولاية؛ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توسيع تدفقات الإيرادات وتحفيز المزيد من الشركات الصغيرة على الاستثمار في اللحوم (بما في ذلك المبيعات عبر الإنترنت). وفي الوقت نفسه، يجب على الدول تقديم مِنح لمساعدة مرافق المعالجة المعفاة من الفحص على ترقية عملياتها للوفاء بالمعايير الفيدرالية. ويقدم برنامج المنحة الصغيرة للاستجابة السريعة لمعالجة الثروة الحيوانية في ولاية مينيسوتا مثالاً جيداً على ذلك.
وفي الواقع، لن يكون الجزارون هم المستفيدون الوحيدون، حيث تراكمت في السنوات الأخيرة الأدلة التي تشير إلى أن تكتلات صناعة اللحوم في أمريكا تسيء استخدام قوتها التسعيرية وتستغل المستهلكين؛ ومن المفترض أن تكبح المنافسة المستعادة هذه القوة، وتُعزّز قدرة الاختيار لدى المستهلكين، وتُخفّض الأسعار. ومن المفترض على المدى الطويل أن تساعد سلسلة التوريد الغذائي المتنوعة أيضاً في ضمان عدم إفراغ أرفف اللحوم في متاجر البقالة عند حدوث الأزمة التالية. وسيُحقق ذلك الفائدة للجميع، بدءاً من المزارع ووصولاً إلى موائد طعام المستهلكين.