بلومبرغ
بعد عامين من اعتبار المستثمرين الأجانب الصين "دولة غير صالحة للاستثمار"، بدا الأمر وكأنَّ الرئيس الصيني شي جين بينغ قد عثر على وسيلة لجذبهم من جديد.
تحوُّل الرئيس بعيداً عن سياسة "صفر كوفيد" علناً في نهاية 2022 صاحبه خطاب يبشر بسلسلة من التراجعات التي تدعم السوق للقطاعات المتأثرة بشدة، مثل قطاع العقارات إلى جانب شركات التكنولوجيا الكبرى.
اقترنت خطوات جريئة لدعم الاقتصاد بتحوّل صريح في لهجة الجهات التنظيمية والإعلام الرسمي لصالح الشركات الخاصة. لكنَّ ثقة السوق ما تزال مهزوزة، مما يكشف عن حجم الضرر الذي وقع على مصداقية الصين في الخارج.
1) كيف حصلت الصين على لقب "دولة غير صالحة للاستثمار"؟
في منتصف 2021، قالت "غولدمان ساكس" إنَّ المصطلح بدأ يُستخدم في عدد من محادثات العملاء حول الأسهم الصينية. وكان ذلك بعد عدّة أشهر من اتخاذ إجراءات تنظيمية متلاحقة وتدخُّل الدولة في طروحات عامة أولية لشركات كبيرة، وتحديداً شركة "آنت غروب" (Ant Group)، وشركة "ديدي غلوبال".
تسبب قرار الصين الصادم بتحويل شركات الخدمات التعليمية، التي تتمتع بمعدل نمو مرتفع، إلى شركات غير هادفة للربح في انهيار أسهمها تقريباً بين عشية وضحاها. عندما وصف محللو "جيه بي مورغان" العام الماضي شركات الإنترنت الصينية بأنَّها "غير صالحة للاستثمار"، وخفّضوا تصنيف عدد من أسهمها؛ ساهم تقريرهم في محو قرابة 200 مليار دولار من الأسواق الأميركية والآسيوية.
انقلبت التصنيفات بعد ذلك بشهرين، لكنَّ المخاوف استمرت. فإحكام شي لقبضته على السلطة في أكتوبر الماضي، حينما حصل على فترة حكم ثالثة كرئيس للحزب الشيوعي مع حلفائه المقربين من جميع الجوانب؛ أبعد العديد من مديري الصناديق الدولية الذين انتابهم الخوف من أنَّ سلطته التنفيذية الأكبر نطاقاً ستزيد مخاطر حدوث زلات في سياساته.
2) هل تكترث الصين لذلك اللقب؟
الإجابة هي نعم ولا. بالكاد اكترثت حكومة شي للمستثمرين العالميين خلال سعيها للحد من "التوسع الفوضوي لرأس المال"، الأمر الذي فاقم حملة الرئيس الصيني الهادفة إلى كبح جماح شركات التكنولوجيا العملاقة والترويج "للرفاه المشترك" قبيل انتخابات مؤتمر الحزب العام الماضي.
أعقب ذلك سلسلة من الخطوات المفاجئة، بما فيها عكس مسار قيود كوفيد الصارمة بعد موجة غضب شعبي نادرة الحدوث اعتراضاً على الإغلاقات.
بدأت الصين أيضاً إنهاء حظر امتد لعامين على واردات الفحم الأسترالي، وتخفيف ضغوطها على شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل "تينسنت هولدينغز" و"ديدي"، وتقليل القواعد الصارمة الجديدة، بشأن حجم القروض التي يمكن لمطوّري العقارات الحصول عليها، التي فاقمت انهيار قطاع العقارات.
خلال ديسمبر الماضي، أكد "شي" في خطاب ألقاه خلال جلسة مغلقة لكبار المسؤولين أهمية جذب الأموال من الخارج والحفاظ عليها.
السؤال الآن هو ما إذا كان تغيير السياسات يمثل تحولاً تجاه المرونة التي ساعدت على تحفيز النمو الاقتصادي للصين على مدار العقود الـ4 الأخيرة، أو أنَّه يمثل ردة فعل تلقائية للاقتصاد المتدهور والاحتجاجات غير المخطط لها.
3) ما رد فعل المستثمرين؟
كانت النتيجة الأولية هي ارتفاع الأسهم في موجة سجلت الصعود الأعلى في العالم خلال يناير الماضي في بورصة هونغ كونغ، وموجة أرباح قياسية لأدوات الدَّين الصينية عالية المخاطر والعوائد بالدولار، وأقوى زخم لليوان الصيني خلال 5 أعوام.
أوصى المحللون الاستراتيجيون في "وول ستريت" بشراء الأصول الصينية، لكنَّ الأمر لم يدم طويلاً. بدأت التدفقات الخارجية للسندات من جديد، وكان هناك استئناف محدود للاستثمار من جانب المؤسسات المهتمة بالاستثمارات المستقرة طويلة الأمد التي يريد شي جذبها.
يتضح عدم الثقة لدى شي بشكل خاص بين المستثمرين الأميركيين المتحفظين، الذين سبق أن تضرروا، برغم التوقُّعات الصعودية التي أصدرها محللو الأسهم بـ"غولدمان ساكس" في فبراير الماضي.
4) ما التوقعات المستقبلية؟
جدد تعافي الصين بعد وباء كوفيد والتوقُّعات بمزيد من سياسات دعم الاقتصاد الاهتمام العالمي بالأسواق الصينية. كما كانت هناك أيضاً موجة من الموافقات التي حصلت عليها شركات مالية عالمية لإدارة أنشطتها داخل الصين بشكل كامل.
لكن ما تزال الفجوة بين رأس المال في الصين والغرب كبيرة. فاختفاء أحد كبار المصرفيين الاستثماريين هذا العام– الذي قيل فيما بعد إنَّه يساعد السلطات الصينية في تحقيق لم تتحدد طبيعته– أضاف للشكوك بشأن ما إذا كانت حملة شي على الشركات الخاصة قد عاودت الظهور مرة أخرى.
كما أنَّ ضغط وزارة المالية على الشركات الحكومية لإقصاء أكبر 4 شركات دولية للمحاسبة، سيدفع المستثمرين الأجانب بعيداً أكثر عن الشركات الصينية. وقصة المنطاد الصيني المزعوم للتجسس، الذي أسقطته الولايات المتحدة، أبرزت التنافر المتزايد.
بعد فترة قصيرة من رصد المنطاد أثناء تحليقه فوق منشآت عسكرية في مونتانا، أضافت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مؤسسات صينية، محظورة من شراء السلع الأميركية، للقائمة السوداء. وتستعد واشنطن لفرض مزيد من القيود على الاستثمارات الأميركية في الصين، كما لا تظهر أي بوادر على حدوث انفراجة في عقوبات بكين على الشركات الأميركية.