بلومبرغ
يتغاضى الواثقون بالأسواق المالية عن شهور من التقلب في الأسهم الأميركية، ويتمسكون بالمراهنات على صعود متسلسل في النصف الثاني من العام فور توقف "بنك الاحتياطي الفيدرالي" عن رفع أسعار الفائدة.
عانى مؤشر "إس آند بي 500" من أسوأ أسبوع يمر به منذ 9 ديسمبر، حيث عززت بيانات التضخم التي فاقت التوقع من التكهن بأن رفع "الاحتياطي الفيدرالي" لتكاليف الاقتراض عدة مرات أخرى قد يتوقف مؤقتاً في يوليو، وهو ما يعني مساراً أكثر تشدداً مما توقعه المستثمرون قبل أسابيع.
مع ذلك، يتوافق هذا مع النظرية السائدة منذ نهاية 2022 وهي أن الأسهم ستواجه فترة عصيبة خلال الستة أشهر الأولى من العام قبل أن تسترد قوتها في النصف الثاني. يشير متخصصو الأسواق المالية إلى أن المستثمرين يتفقون مع هذا المنطق، حيث استمر ارتفاع "إس آند بي 500"- الذي بدأ الخريف الماضي- رغم خسارته 2.6% الشهر الحالي.
نهاية الدائرة
قالت ماري آن بارتلز، رئيسة المخططين الإستراتيجيين في "سانكشواري ويلث" (Sanctuary Wealth): "نقترب من نهاية دائرة رفع "الاحتياطي الفيدرالي" لأسعار الفائدة، وستبدأ الأسواق في تقدير القيمة الحالية للتدفقات المستقبلية لذلك" وبالطبع هذه نظرة محفوفة بالمخاطر.
تسعر عقود المقايضة ذروة الفائدة عند 5.4% في يوليو، ارتفاعاً من توقعات مطلع فبراير عند 5% تقريباً. لكن بحثاً جديداً يشير إلى احتمال الحاجة لارتفاع المعدل إلى 6.5%، ما يلقي بظلال ما يسمى بالهبوط الحاد الذي يدخل فيه الاقتصاد حالة من الركود. أما في السيناريو الوردي للهبوط السلس، فيتمكن "الاحتياطي الفيدرالي" من كبح جماح التضخم ويستمر الاقتصاد في النمو.
"يمكن للسوق أن تتحمل معدلاً نهائياً قدره 5%، لكنها لن تتحمل معدل 6% أو أكثر،" وأضافت بارتلز: "هذا سيهز الأسواق فعلاً".
تدهور محبط
لم تكن بيانات التضخم المزعجة السبب الوحيد لانخفاض "إس آند بي 500" الأسبوع الماضي، فالتوقعات المخيفة من الكبار مثل "ولمارت" (Walmart) و"هوم ديبوت" (Home Depot) عكرت الصفو، وهذا الأسبوع يقدم مزيداً من الدلائل على سلامة الإنفاق الاستهلاكي بتحديثات الأرباح من "تارغت كورب" (Target Corp) و"لوز كومبانيز" (Lowe’s Cos).
مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي يخنق التفاؤل بأداء الأسهم الأميركية
قد يكون تدهور سوق الأوراق المالية محبطاً، لكن المفترض ألا يشكل هذا الهبوط صدمة استناداً إلى الأنماط التاريخية، فعلى مدى الخمس والعشرين سنة الماضية، كان فبراير من أسوأ الشهور التي مرت على "إس آند بي 500"، فوفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، كان متوسط الخسارة 0.4%، كما انخفض مؤشر الأداء 2.6% هذا الشهر بعدما قفز 6.2% في يناير.
ترى بارتلز أن أي تراجع في الأسعار في الأسابيع القادمة سيكون فرصة للشراء، وهي تفضل أسهم شركات الطيران والصناعات الدفاعية، إلى جانب أشباه الموصلات التي تعثرت بعد انتعاش 2022.
ريان ديترك، رئيس المخططين الإستراتيجيين للسوق في "كارسون غروب" (Carson Group)، يتفق مع بارتلز. ديترك متمسك برهانه على أن الاقتصاد الأميركي سيتجنب الانكماش، ويرى أن التضخم سيستمر في التراجع، ويوصي بالاستثمار في الشركات ذات رأس المال المنخفض والشركات الصناعية كبيرة رأس المال.
تسعير الفائدة
قال ديترك إن "المشهد ما زال جاهزاً لتسارع الاقتصاد الأميركي في النصف الثاني من العام اعتماداً على الإنفاق الاستهلاكي القوي،" "وهذه ستكون هدية للأسهم".
ما زال يفصلنا عن قرار "الاحتياطي الفيدرالي" القادم في أسعار الفائدة أقل من شهر، ما يترك للسوق مدة لاستيعاب طوفان من معدلات التضخم وسوق العمل وزيادة الأجور. يستعد المتداولون لاحتمال عودة "الاحتياطي الفيدرالي" إلى إجراء زيادات كبيرة في أسعار الفائدة: فأسعار عقود المقايضة المرتبطة بمؤشر سعر الفائدة لليلة واحدة يضاف إليها 30 نقطة أساس للتشديد. بلغت العائدات على سندات الخزانة لأجل سنتين يوم الجمعة أعلى نسبة لها منذ 2007.
ارتفاع مؤشر التضخم المفضل عند الاحتياطي الفيدرالي معززاً ضغوط زيادة الفائدة
يمثل ذلك ظروفاً سيئة للأسهم متنامية القيمة، حيث إن تقييماتها حساسة جداً للتغيرات في أسعار الفائدة. حيث شهدت هذه الأسهم سلسلة قوية من الصعود لتبدأ العام بتوقع أن يتوقف "الاحتياطي الفيدرالي" مؤقتاً عن رفعه لأسعار الفائدة، ومع تضاؤل هذا الاحتمال، انخفض مؤشر "ناسداك 100" (Nasdaq 100) المليء بشركات التكنولوجيا الجمعة 1.7%، ليغطي على هبوط "إس آند بي 500".
حتى في هذا الوضع، ما زالت حالة الصعود قائمة طالما بقى "الاحتياطي الفيدرالي" ملتزماً بالمسار الذي حدده العام الماضي، وفقاً لمايكل أنتونيلي، المخطط الاستراتيجي للسوق في "بايرد" (Baird).
قال أنتونيلي: "لن ينخفض التضخم أبداً بمعدل ثابت بعد الوصول لأعلى مستوى"، ووفقاً لتوقعاته، يتطلب الأمر بيانات تضخم أكبر من المتوقع وبيانات الوظائف لإجبار "الاحتياطي الفيدرالي" على رفع توقعاته لمعدله النهائي بشكل كبير.
وأضاف "ليس من الضروري أن يكره السوق رفع أسعار الفائدة"، "السوق يكره رفع سعر الفائدة بشكل أكبر أو بوتيرة أسرع من المتوقع".