بلومبرغ
قبل الأسبوع الماضي، كانت سوق الأسهم في تركيا إحدى الدعائم الاقتصادية الأخيرة، التي تخلو إلى حد كبير من الأهواء السياسية للدولة، لكن الأحوال تبدلت الآن.
ضخت الحكومة سيولة مالية في البورصة، وخططت لموجة صعود حققت فيها أسهم مؤشر بورصة إسطنبول المعياري "بي آي إس تي 100" (BIST 100) مكاسب تبلغ 20 مليار دولار على مدار 3 أيام، من خلال سلسلة متتابعة من التغييرات المدروسة. نظرياً، لا يزال مؤشر "بي آي إس تي 100" بالقرب من أعلى مستوى له على الإطلاق، لكن في الواقع، ابتعدت تركيا خطوة أخرى عن الوضع الطبيعي لعالم المال.
يقول المستثمرون في نيويورك ولندن ومناطق أخرى إنهم لا يودون الاستثمار في سوق أسهم تتغير فيها القواعد وفقاً لمن يوجد في موقع السلطة، لكن من الصعب معرفة ما إذا كانت المناورات الحكومية تعمل كحل مؤقت خلال فترات الأزمة، أو أنها لعبة سياسية للحفاظ على ارتفاع أسعار الأصول قبل خوض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتخابات في مايو المقبل.
تدخل السلطات المتواصل
قال ولفانغو بيكولي، الرئيس المشارك في "تينيو إنتليجنس" (Teneo Intelligence): "لم تعد هناك سوق. الأمر بأكمله يتعلق بالأهداف السياسية قصيرة الأجل وبالتدخل المتواصل من جانب السلطات المحلية، التي تستخدم كل أنواع الحيل حتى تبدو الأمور طبيعية".
سعى صنّاع السياسات للقيام بعدد من المبادرات لتعزيز البورصة الأسبوع الماضي، من خلال توجيه صناديق المعاشات الخاصة والبنوك الحكومية لشراء الأسهم وإلغاء الضرائب على عمليات إعادة شراء الشركات لأسهمها. وكخطوة دائمة، يخطط صندوق الثروة السيادي بتركيا لإنشاء آلية جديدة تتيح للحكومة شراء الأسهم في أوقات تتسم بالتقلبات الشديدة.
شركات تركيا تخصص مليار دولار لإعادة شراء أسهمها
يحذر بعض المستثمرين من التفسير المبالغ فيه للتغييرات التي حدثت بعد أيام من تأثر البلاد بأسوأ زلزال منذ عقود. ويضيف المستثمرون أن الوضع ربما يكون مؤقتاً فقط، وأشبه بقطع التيار في حالة وجود ضغط في السوق، وليس علامةً على أن الحكومة تود لعب دور نشط في التداول.
أساليب غير تقليدية
قال نيناد دينيك، محلل أسواق الأسهم في "بنك جوليوس بير" (Bank Julius Baer): "الإجراءات قصيرة الأمد لإعادة توازن السوق وتقليص التقلبات بعد الزلزال المفجع تبدو مُبررة في الأغلب. نتوقع مخاطر محدودة من سياسة غير مرغوب فيها للتدخل".
تكاليف الزلزال تفاقم مخاطر التضخم وفجوة التمويل في تركيا
يفسر المستثمرون الأكثر تشاؤماً تغيرات سوق الأسهم كأحد أشكال توسع السيطرة الحكومية التركية، التي تتغلغل بالفعل في عملة البلاد وسوق السندات فيها.
تبنّت الحكومة أساليب غير تقليدية بشكل متزايد منذ انتخاب "أردوغان" خلال 2018 في تطور محوري، ما منحه قوة هائلة في النظام الرئاسي الجديد. وتراوحت الأساليب بين خفض أسعار الفائدة في فترة كان التضخم خلالها في خانة العشرات إلى تعديل القواعد التنظيمية للقطاع المصرفي لدعم الليرة التركية من باب خلفي.
نتج عن ذلك هروب الأموال الأجنبية من تركيا، التي كانت يوماً ما الوجهة المفضلة لمستثمري الأسواق الناشئة بسبب سياساتها للأسواق الحرة.
الاستثمار الأجنبي في تركيا
يملك المستثمرون الأجانب الآن نحو 30% فقط من الأصول التركية، مقارنة بمتوسط بلغ 60% على مدار العقدين الماضيين، وفقاً لبيانات من "تاكاسبانك" (Takasbank)، الذي يتولى أعمال المقاصة. وفي سوق السندات، تقترب الملكية الأجنبية من 1%، بانخفاض من 28% في 2013.
في مؤشر "إم إس سي آي للأسواق الناشئة"، تمثل الشركات التركية نحو 0.5% من المؤشر، ما يضعها في المستوى نفسه مع تشيلي، التي يبلغ حجم اقتصادها نحو نصف نظيره التركي.
رفعت الإجراءات الطارئة مؤشر "بي آي إس تي 100" حوالي 12% الأسبوع الماضي، وبلغت قيمة المؤشر أكثر من الضعف بالليرة منذ بداية 2022. وتمثل الأسهم والذهب بعض الملاذات المنطقية القليلة المتبقية للادخار في تركيا، حيث تُبقي الحكومة على أسعار الفائدة والإيداع منخفضة بأدوات مصطنعة وتحقق السندات عوائد أقل بكثير من التضخم.
تركيا تدرس تقييد التحوط من الليرة لكبح الطلب على الدولار
بالنسبة للمستثمرين الدوليين، رفعت التغيرات في سوق الأسهم التركية من مخاطر تسبب القواعد التنظيمية في تحويل الدولة إلى سوق مغلقة بشكل أكبر، وأن تصبح أكثر ملاءمة للاستثمار المحلي فحسب. قبل أن تضرب الزلازل البلاد، كان مؤشر "بي آي إس تي 100" أسوأ المؤشرات أداءً في أسواق الأسهم العالمية خلال العام الجاري.
صعوبات جديدة
يرى نيك ستادميلر، مدير قسم تطوير المنتجات في "ميدلي غلوبال أدفايزرز" (Medley Global Advisors) بنيويورك أن الحكومة التركية ستواجه صعوبات في الحفاظ على سوق الأسهم عند مستوى مرتفع من خلال تدخلها المستمر.
وقال: "المشكلة هي أن سوق الأسهم تحتاج بشكل شبه مؤكد إلى الإقبال على الشراء من جديد لكي تظل عند مستويات مرتفعة. سيحتاج المسؤولون إلى الاستمرار في التدخل لمنع انهيار سوق الأسهم، ما قد يضر بمعنويات المستهلكين وإنفاقهم".
لم يبال مستثمرون آخرون بالمخاوف المتعلقة بالاستثمار في تركيا، قائلين إنها جزء من المخاطر المرتبطة بالأسواق الناشئة. وقال كارلوس هاردنبرغ، مدير المحافظ في "موبيوس كابيتال بارتنرز" (Mobius Capital Partners)، إنه يحافظ على حيازات الأسهم التركية كما هي، وينتظر ليرى نتيجة الانتخابات.
اختتم "هاردنبرغ": "رأينا ذلك في دول أخرى أيضاً، والإجراءات مؤقتة. من الواضح أن على السلطات الابتعاد عن السوق بشكل عام، لأن ذلك سيتسبب في فقدان الثقة".