بلومبرغ
يتطلع عدد من أكبر المستثمرين في العقارات التجارية بالولايات المتحدة إلى جني سيولة قبل المزيد من انخفاض قيمة العقارات.
أنهت مجموعة من صناديق إدارة الأصول العقارية لصالح مؤسسات الاستثمار عام 2022 بطلبات استرداد بلغت قيمتها 20 مليار دولار، فيما تعد أكبر قائمة انتظار منذ "الركود الكبير"، وفقاً لـ"آي دي آر إنفستمنت مانجمنت" (IDR Investment Management)، التي تتعقب مؤشر صناديق الاستثمار الأساسية المفتوحة والمتنوعة.
قال جون موراي، رئيس قطاع العقارات التجارية الخاصة العالمية في شركة "باسيفيك انفستمنت مانجمنت" (.Pacific Investment Management Co)، في مقابلة: "الأمر أشبه بملهى ليلي يصطف فيه الجميع للدخول ثم يصطفون للمغادرة عند إغلاقه".
سعت المؤسسات الاستثمارية إلى تقليص انكشافها على بعض أكبر مديري الصناديق، بما في ذلك "جيه بي مورغان تشيس" و"مورغان ستانلي" و"برودينشال فاينانشال" (.Prudential Financial Inc)، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لخصوصية المعلومات.
أسعار العقارات التجارية الأميركية تهبط 13% من ذروتها
الضغط على مؤسسات إدارة الصناديق
شهد صندوق "يو بي إس ترومبول بروبرتي فاند" (UBS Trumbull Property Fund) عمليات سحب بقيمة 7.2 مليار دولار، أي ما يشكّل 40% من قيمته، خلال الربع الثالث من عام 2022، وفقاً لعرض تقديمي من شركة استشارات المعاشات التقاعدية "كالان" (Callan) في ديسمبر الماضي.
تزيد تدفقات رأس المال الخارجة من الضغط على مؤسسات إدارة الصناديق في الوقت الذي تعصف فيه أسعار الفائدة المرتفعة بسوق العقارات التجارية. وفي الوقت نفسه، يرى مديرو صناديق، مثل "بلاكستون" (.Blackstone Inc) أن مستثمري التجزئة، من الأفراد الأثرياء على وجه الخصوص، يسحبون الأموال من الرهانات على أسهم العقارات وسط حالة من التقلبات تطغى على الأسواق.
بالنسبة إلى صندوق "بلاكستون ريال إستيت إنكم ترست" (Blackstone Real Estate Income Trust)، الذي يعد واحداً من أكبر أداوت الضغط بمجال التجزئة والتابع لـ"بلاكستون"، فقد حدّد مقدار الأموال التي يمكن للمستثمرين سحبها في ديسمبر.
الصناديق المدرجة ضمن مؤشر صناديق الاستثمار الأساسية المفتوحة والمتنوعة (ODCE) والتي تُنطق مثل كلمة "أوديسي"، لا تضع حدوداً لعمليات السحب ربع السنوية.
"الفيدرالي الأميركي": أسعار المنازل المرتفعة عرضة لانخفاضات حادة
أدى ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى انخفاض أسعار العقارات التجارية 13% العام الماضي، حسبما أظهر مؤشر "غرين ستريت" (Green Street)، فيما تراجع مؤشر "بلومبرغ" لصناديق الاستثمار العقاري المتداولة في البورصة بنسبة 29%.
لكن صناديق "أوديسي" تتحرك ببطء أكثر، حيث تُقيِّم العقارات بناءً على المفاضلة في المبيعات، والتي أصبحت نادرة مؤخراً، في ظل وجود عدد قليل من البائعين الراغبين في تحمل خسارة أو اضطرارهم لذلك. يعد هذا هو السبب في أن مؤشر صناديق"أوديسي" سجل مكاسب بنسبة 7.5% للعام 2022 بأكمله، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة في 13 يناير من قبل المجلس القومي لوكلاء الاستثمار العقاري. جاءت أولى بوادر التراجع في الربع الرابع، عندما انخفض المؤشر بنسبة 5%.
تراجع معنويات قطاع بناء المنازل في أميركا إلى مستوى قياسي
تقييم منخفض لكن ليس مزلزلاً
قالت كاثي ماركوس، رئيسة العمليات العالمية وقسم الأسهم الأميركية في شركة "بي جي آي إم" (PGIM) العقارية التابعة لـ"برودينشال"، التي تدير أصولاً عقارية بقيمة 204 مليارات دولار على مستوى العالم، بما في ذلك أقدم صناديق مؤشر "أوديسي": "عليك أن تحسب هذه المسألة، فهي ليست حساب التفاضل والتكامل. سوف ينتهي بنا الأمر إلى تقييم منخفض، لكن لن يكون شيئاً مزلزلاً ". تدفقات رأس المال الخارجة تنطوي على عَرَض وسبب للمشاكل التي تنتظر العقارات التجارية.
كتب جون موراي في مذكرة في ديسمبر الماضي يشير إلى أن عمليات الاسترداد "تدفع بالعديد من الصناديق الأساسية إلى محاولة بيع أصولها الأكثر سيولة، مثل الأصول الصناعية ومتعددة الأغراض، مما يشير إلى رياح معاكسة حتى بالنسبة للقطاعات الأكثر مرونة نسبياً" في العقارات التجارية.
بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين، فإن قائمة انتظار التخارج من الاستثمارات تعتبر على الأقل جزئياً استجابة لما يعرف بـ"تأثير المقام" (انخفاض قيمة المحفظة ككل تأثراً بهبوط قيمة جزء منها بدرجة كبيرة). وغالباً ما يكون لدى مديري الاستثمار أهداف معينة لمقدار ما يريدون استثماره في الأسهم والسندات والعقارات والأصول الأخرى. مع تراجع الأسواق العام الماضي، تقلص حجم حيازاتها من الأسهم والسندات بينما احتفظت العقارات بأداء أفضل، مما يعني أنها غالباً ما شكّلت شريحة أكبر من محافظها عما كانت تنوي القيام به في البداية.
اعتبر حوالي 32% من مؤسسات الاستثمار التي تمتلك إجمالي أصول بقيمة 11 تريليون دولار أن محافظها خُصصت بشكل مفرط للعقارات في عام 2022، وهي النسبة التي ارتفعت من 8.7% في عام 2021، وفقاً لمسح أجرته "هوديز ويل أسوشيتس" (Hodes Weill & Associates) و"برنامج بيكر" (Baker Program) في العقارات التابع لجامعة "كورنيل".
قالت ماركوس من "بي جي آي إم": "العقارات تمكّنت من تقويم نفسها بسبب وجود مشكلة تأثير المقام. بعض المستثمرين يتطلعون إلى سحب أموالهم".
أسعار المنتجين في الولايات المتحدة تسجل أكبر هبوط منذ بدء الوباء
قائمة التخارج
يعمل معظم المستثمرين على تقليل انكشافهم على صناديق مؤشر "أوديسي"، وليس التخلي عن حصصهم. وربما تزداد قائمة التخارج من قبل المستثمرين الذين يفترضون أنهم لن يتلقوا سوى جزء بسيط من طلباتهم، لذلك يطلبون أكثر مما يتوقعون، وفقاً لغاريت زدولشك، كبير مسؤولي الاستثمار في "آي دي آر إنفستمنتس"، التي تدير استثمارات بحوالي 5 مليارات دولار. يدير "آي دي آر" صندوقاً يتتبع أصولاً بإجمالي 350 مليار دولار ضمن مؤشر صناديق الاستثمار الأساسية المفتوحة والمتنوعة التابع للمجلس القومي لوكلاء الاستثمار العقاري.
يمكن أن يتحول تراكم التدفق الخارجي سريعاً إلى قائمة انتظار للمستثمرين الراغبين في العودة، كما حدث لفترة وجيزة في عام 2020 وبشكل أكثر دراماتيكية بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008 عندما تعافت الأسهم ونمت كعكة الاستثمار.
قال زدولشك: "شهدنا قائمة انتظار تضم مستثمرين يريدون استرداد 15% خلال عام 2009، والتي تراجعت إلى 14% بنهاية عام 2010".
بسبب التأخر في إعادة تقييم الأصول، لا تزال صناديق "أوديسي" تتفوق على سوق الأسهم الأوسع. فقد أفاد كالان أن صندوق "بي جي آي إم بريسا" (PGIM Prisa) حقق عائداً إجمالياً 19% في 12 شهراً حتى سبتمبر الماضي، عندما سجّل مؤشر "إس أند بي 500" خسارة بنسبة 15%. وتشمل العوائد الأخرى خلال تلك الفترة 21% حققها صندوق "مورغان ستانلي برايم بروبرتي" (Morgan Stanley Prime Property)، وعوائد تقدر بنسبة 19% جناها صندوق "إنفسكو كور ريال إستيت يو إس إيه" (Invesco Core Real Estate USA)، و18% حققها صندوق "جيه بي مورغان استراتيجيك بروبرتي فاند" (JPMorgan Strategic Property Fund)، وحوالي 17% لصندوق "يو بي إس ترومبول"، وفقاً لما ذكره كالان.
ووفقاً لكالان، دفع الصندوق التابع لـ"يو بي إس"، الذي بدأ قائمة الاسترداد قبل الوباء، 1.85 مليار دولار العام الماضي للعملاء حتى أكتوبر والذين أرادوا استرداد أموالهم.
التضخم الأميركي يواصل التباطؤ مفسحاً المجال لتخفيف وتيرة رفع الفائدة
عائدات أقل تقلباً
رفض المتحدثون باسم كلٍ من "بي جي آي إم" و"مورغان ستانلي" و"جيه بي مورغان" و"إنفسكو" و"يو بي إس"، التعليق على أداء الصناديق التابعة لها أو عمليات استرداد الأموال.
من المزايا التاريخية لصناديق مؤشر "أوديسي" هي أن عائداتها أقل تقلباً من صناديق الاستثمار العقاري. غير أن رد فعلها الأبطأ فيما يتعلق بإعادة تقييم الأصول قد يجعلها الآن عُرضة لتداول عقود المراجحة، حيث يبدو أن صناديق الاستثمار العقاري المدرجة تحقق ارتفاعات أكثر.
كتب توني تشارلز، محلل باحث في "مورغان ستانلي"، في مذكرة في ديسمبر الماضي: "إننا نستفيد من المراجحة بين الأسواق العامة والخاصة والصناديق التي تحتاج إلى السيولة".