الشرق
استهلت أسعار النفط العالمية تعاملاتها الأولى للعام الجديد متراجعة، وسط إشارات متضاربة بشأن الطلب من الصين، أكبر مستورد للخام في العالم.
بعدما أنهى خام برنت عام 2022 بمكاسب سنوية متواضعة، سجل اليوم مستوى 82.69 دولار للبرميل، بانخفاض تجاوز 3.5% أثناء التعاملات.
في الصين، رفعت السلطات بعض القيود المرتبطة بوباء كوفيد التي كانت قد فرضتها على التنقل ما بين المناطق والمدن الرئيسية، في وقت أظهرت البيانات الرسمية التي أعلنتها الصين خلال عطلة نهاية الأسبوع، تفاقم التراجع في معدلات التصنيع الشهر الماضي، مع انخفاض النشاط في قطاع الخدمات بأكبر قدر منذ فبراير 2020.
الاقتصاد الصيني ينهي 2022 على ركود مع تصاعد حالات الإصابة بكورونا
غير أن الاقتصاديين يتوقعون انتعاشاً أسرع بمجرد وصول موجة العدوى إلى ذروتها، ليتسارع النمو إلى 4.8% خلال العام الجاري من 3% في عام 2022.
قال سبنسر ويلش، نائب الرئيس في أسواق النفط بمؤسسة "ستاندرد أند بورز غلوبال" لـ"الشرق": "قد يؤدي تخفيف الصين للقيود المتعلقة بـ(كوفيد)، إلى تحفيز نمو الطلب على النفط، وهو الأمر الذي سيحدث فقط في حال لم يؤدِّ هذا التخفيف إلى تفشي الفيروس بشكل كبير".
يتوقع ويلش أن يتراوح متوسط سعر خام برنت حول 90 دولاراً للبرميل في 2023، على الرغم من وجود قدر كبير من عدم اليقين في السوق.
أما سداد الحسيني، رئيس شركة "الحسيني للطاقة"، فقال لـ"الشرق" إن خام برنت سيتراوح في نطاق 82-85 دولاراً للبرميل في بداية العام، ليعود ويبلغ ذروته في الربعين الثاني والثالث عند نطاق 90-95 دولاراً للبرميل.
شركات النفط الكبرى تتصدر أسواق الأسهم الأوروبية مع تباطؤ العقارات
الحسيني، الذي شغل سابقاً منصب نائب الرئيس الأعلى للتنقيب والإنتاج في "أرامكو السعودية"، يستند في توقعاته كما يقول إلى عوامل فنية، مثل توافر الاحتياطيات المطوّرة، والبنية التحتية للإنتاج، والظروف الاقتصادية، إلى جانب موسمية العرض والطلب. وهو يستبعد أن تعود أسواق النفط والغاز الطبيعي إلى أنماط ما قبل النزاع بين روسيا وأوكرانيا، موضحاً أن الصراع في أوروبا أدى إلى إعادة هيكلة عميقة للأسواق.
الحرب وتقلبات الأسعار
الحرب الروسية الأوكرانية كانت قد تسببت بتقلبات كبيرة في أسعار النفط خلال العام الماضي، وانخفاض في تدفقات تجارة السلع الأساسية، ما انعكس ارتفاعاً في الأسعار تفاقمت معه معدلات التضخم، لا سيما في الاقتصادات الكبرى، حاولت البنوك المركزية الرئيسية، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي، احتواءه عبر رفع أسعار الفائدة.
قال مايك روثمان، مؤسس ورئيس شركة "كورنر ستون أناليتيكس" (Cornerstone Analytics) لـ"الشرق": "تمثل الحرب التي تبدو مستمرة، مخاطر على العرض أكثر منها على الطلب". وتوقع أن ينمو العرض من الدول المنتجة خارج منظمة "أوبك" بنسبة أقل مما يُعتقد بشكل عام، بسبب التراجع الحاد في الإنفاق الاستثماري في هذه الدول خلال الأعوام الثمانية الماضية.
نتيجة لذلك، يتوقع روثمان، أن يشهد العام الجاري المزيد من عمليات السحب من مخزونات النفط العالمية. ويقول: "إن أسعار النفط الحالية أقل بنحو 30 دولاراً للبرميل مما ينبغي أن تكون عليه إذا ما نظرنا إلى مستويات المخزون".
يرجع روثمان الانخفاض إلى القلق الذي يعتري السوق في ظل التطورات الاقتصادية المعاكسة، وبشكل أكثر تحديداً، الخوف من تضخم المخزونات. لكنه مع ذلك، لا يستبعد احتمال ارتفاع أسعار النفط خلال العام الجاري لتتجاوز 125 دولاراً للبرميل.
قضايا رئيسية
إلى جانب تداعيات تخلي الصين عن سياسة "صفر كوفيد"، تبرز من بين القضايا التي يركّز عليها المستثمرون مع بداية العام الجديد، رد فعل روسيا على العقوبات المفروضة على صادراتها من الطاقة، إلى جانب احتمال قيام منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفائها بخفض الإمدادات مرة أخرى.
كان تحالف "أوبك+"، الذي يضم دول "أوبك" وحلفاءها من المنتجين الآخرين، قد خفّض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، استناداً لرؤيته بأن السوق ستشهد فائضاً في المعروض خلال الربع الرابع من 2022، سيمتد إلى عام 2023، على الرغم من انتقاد الولايات المتحدة لهذه الخطوة.
ويلش، من "ستاندرد أند بورز غلوبال"، قال إن سياسة التحالف كانت فعّالة للغاية في إدارة سوق النفط، حيث ساهمت في استقرار الأسعار، مشيراً إلى أن "أوبك+" أدار فترة التعافي من "كوفيد" خلال النصف الأول من 2022 بزيادة العرض تدريجياً، ولكن في النصف الثاني من عام 2022 انتقل إلى خفض العرض بسبب ضعف الطلب ومخاوف الركود.
من جهته، قال روثمان، إن قرار "أوبك+" في أكتوبر الماضي بخفض الإنتاج "منع حدوث زيادة كارثية في المخزونات العالمية"، فيما رأى الحسيني، أن التحالف النفطي تمكّن من إدارة السوق، بعيداً عن القضايا السياسية، ومن خلال انتهاج سياسة تهدف إلى "المحافظة على توازن العرض والطلب في السوق".