الشرق
لم يكن 2022 عاماً مثالياً لسوق الأسهم السعودية "تداول"، حيث سجل مؤشرها الرئيسي "تاسي" تراجعاً بنسبة 7.1%، ليسجل أول خسارة سنوية له في 7 أعوام. ويعود ذلك بشكلٍ أساسي، إلى شح السيولة، لاسيما خلال النصف الثاني من العام، نتيجة رفع أسعار الفائدة، وفورة الاكتتابات التي امتصت كمية كبيرة من أموال التداول، وتراجع أسعار النفط.. فهل تمتد هذه العوامل الضاغطة إلى 2023؟
يتفق المحللون الذين استطلعت "الشرق" آراءهم، على أن تشديد السياسات النقدية العالمية، خاصةً رفع الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ستمثل عامل التأثير الأول على مؤشر بورصة الرياض في العام الجديد، كما كان عليه الوضع في 2022.
حمد العليان، الرئيس التنفيذي لشركة "فيلا المالية"، يرى أن "عودة السيولة إلى سوق المال السعودية مرهونة إلى حدٍّ كبير، بقرار "الفيدرالي" بتخفيف وتيرة رفع الفائدة".
رفعت السعودية أسعار الفائدة بمقدار 3.5 نقطة مئوية منذ بداية العام، لتصل إلى 4.5 نقطة مئوية، تماشياً مع رفع الفائدة الأميركية لنطاق 4.25% إلى 4.5%، وهو أعلى مستوى من 2007، أي قبل الأزمة المالية العالمية.
يتفق محمد العمران، رئيس "المركز الخليجي للاستشارات المالية"، مع رأي العليان، مُعتبراً أن "الأداء المتوقع لسوق الأسهم السعودية للعام المقبل، يعتمد لحدٍّ كبير على المؤشرات الخارجية، وأهمها تحركات أسعار الفائدة حول العالم".
نقص السيولة في سوق الأسهم السعودية هذا العام، عكسته قيمة التداولات اليومية، التي بلغت في المتوسط 6.9 مليار ريال، مقارنةً مع 9 مليارات ريال خلال 2021.
إلى جانب أسعار الفائدة، تلعب 3 عوامل دوراً ضاغطاً على سيولة "تداول"، وتتمثل بفورة الطروحات العامة، وإصدارات السندات، وأسعار النفط.
إدراجات ساهمت باستنزاف السيولة
باستثناء الطرح القياسي لأسهم "أرامكو السعودية" عام 2019، والذي جمع 96 مليار ريال، سجلت الاكتتابات العامة ببورصة الرياض هذا العام أعلى مستوى لها منذ 15 عاماً، حيث شهدت السوق طرح أسهم 17 شركة للاكتتاب العام، جمعت في محصلتها الإجمالية 37 مليار ريال، بزيادة قدرها 130% عن القيمة الإجمالية لطروحات عام 2021.
يقول حمد العليان: "لاحظنا الأثر السلبي لفورة الاكتتابات على أحجام التداول، وتحديداً في الربع الأخير من 2022"، مضيفاً: "قد نشهد ارتفاعات جيدة في أداء ومؤشر السوق خلال 2023، إن لم تكن هناك اكتتابات كبيرة أو كثيرة".
بدوره، يرى هشام أبو جامع، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"تقنيات مكيال المالية"، أن "زحمة الطروحات الأولية وحصيلتها القياسية، تسببتا في انحسار سيولة السوق خلال 2022، وهو ما ظهر بوضوح في النصف الثاني من العام".
تحوّل مؤشر "تداول" في النصف الثاني من العام إلى سادس أسوأ المؤشرات أداءً بين 92 مؤشراً تتبعها "بلومبرغ"، بعد أن كان بين أفضل 12 سوقاً في نهاية يونيو.
ومع نهاية العام، سجلت بورصة الرياض انخفاضاً بالمتوسط اليومي لكمية وقيمة الأسهم المتداولة، عن 2021، بواقع 40% و23% على التوالي.
هبوط النفط ومعنويات المستثمرين
بنظر مازن السديري، رئيس الأبحاث في "الراجحي المالية"، فإن "أسعار الفائدة أثرت بالتأكيد على سوق الأسهم السعودية، لكن أسعار البترول لعبت دوراً أساسياً أيضاً"، متوقعاً أن يتحسن المؤشر العام المقبل مع ثبات أسعار النفط فوق 80 دولاراً للبرميل.
بلغ مؤشر "تاسي" ذروته هذا العام في 9 مايو حين سجل 13949 نقطة، وتزامن ذلك مع بلوغ متوسط سعر النفط للشهر المذكور 112 دولاراً للبرميل.
وفقاً لتقرير "بلومبرغ"، الصادر بمنتصف ديسمبر، بعنوان: "أسعار النفط تُفقد الأسهم السعودية ريادتها العالمية في 2022"، فإنه في الوقت الذي ضغطت فيه المخاوف بشأن رفع الفائدة على المعنويات، لعب النفط الدور الأكبر، مع تزايد قلق المستثمرين بشأن آفاق الاقتصاد العالمي.
يؤكد طارق فضل الله، مدير أعمال الشرق الأوسط لدى "نومورا أسيت مانجمنت": "كما كان الأمر دوماً، سيكون مستوى أسعار النفط (التي تتجه لتسجيل أول خسارة ربع سنوية متتالية منذ عام 2019) حاسماً في تحديد التوقعات"، سواء لاقتصاد المملكة (الذي يعتمد على النفط بنسبة 68%)، وكذلك الأمر بالنسبة لأرباح الشركات السعودية".
تفضيل أدوات الدخل الثابت
أظهرت بيانات "تداول" أن الأسهم السعودية شهدت تدفقات أجنبية خارجة في ثلاثة من الأحد عشر شهراً الماضية (بانتظار بيانات ديسمبر)، وهو أعلى معدل في عام منذ 2018. حيث دفع رفع أسعار الفائدة بجزء من السيولة نحو قنوات استثمارية بعيدة عن سوق الأسهم.
وساهمت زيادات معدلات الفائدة على مستوى العالم، في ارتفاع عوائد الصكوك المُصدّرة محلّياً إلى مستويات مغرية للمستثمرين، مسجلةً ما متوسطه 3.9% للإصدارات الحكومية، و4.5% لإصدارات البنوك.
إصدارات الصكوك المحلية التي طرحتها الحكومة والبنوك الخاصة خلال 2022، سحبت أكثر من 110 مليارات ريال من السوق، كما تُظهر بيانات جمعتها "الشرق" من مركز إدارة الدين التابع لوزارة المالية السعودية، والتي تُشير إلى أن أقرب آجال أدوات الدين هذه يمتد لخمس سنوات، ما يعني أن عودة هذه الأموال إلى سوق الأسهم لن تكون قريبة.
تُنوّه "بلومبرغ" بمعاناة أسواق الأسهم من شحٍّ في السيولة وسط ارتفاع أسعار الفائدة، ما أدّى إلى تحوّل العديد من الأموال إلى الأصول ذات الدخل الثابت مثل السندات. وفي ظل ترجيح المزيد من الرفع لأسعار الفائدة، واستمرار الضبابية حول آفاق الاقتصاد العالمي، قد يفضّل المستثمرون اللجوء لأدوات الدخل الثابت، لاسيما مع الارتفاع المتوقع لعوائدها.
الرابحون والخاسرون
الضغط الأكبر على مؤشر السوق المالية السعودية، جاء من أسهم القطاعات الكبرى، وعلى رأسها "البنوك" التي غالباً ما تقود حركة السوق. فقد هبط مؤشر القطاع البنكي بنسبة 8.6% منذ بداية العام، مسجلاً أعلى نسبة تراجع سنوي منذ أن بدأت "تداول" تطبيق التصنيف الجديد للقطاعات في يناير 2017. وتلاه مؤشر "المواد الأساسية"، الذي هبط بنسبة 17% متأثراً بتراجع أسعار أسهم الشركات البتروكيماوية ووفي مقدمتها سهم "سابك" الذي خسر 27% من قيمته. فيما انخفض مؤشر قطاع الطاقة 4.5% بقيادة سهم "أرامكو السعودية" الذي تراجع 4% بضغط من تراجع أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام.
وفقاً لـ"بلومبرغ"، فإن أسهم البنوك، التي لديها وزن كبير في مؤشر "تاسي"، تضررت جرّاء أزمة السيولة التي يعاني منها النظام البنكي المحلّي، بما تسبب في رفع أسعار الاقتراض بين البنوك إلى أعلى مستوى في عقود.
في المقابل، خالفت 3 قطاعات من أصل 21 قطاعاً في سوق الأسهم السعودية الاتجاه الهبوطي العام في 2022، فحققت مؤشراتها مكاسب تراوحت بين 19.2% و25.6%، وهي قطاعات "المرافق العامة"، والرعاية الصحية"، و"التطبيقات وخدمات التقنية"، وكلها مرشّحة -حسب المحللين- لأن تواصل الارتفاع في العام المقبل، في ظل النشاط القوي والنمو السريع لأعمال الشركات المنضوية تحتها.
الأسهم الخمسة الأكثر ارتفاعاً في 2022
الشركة | نسبة الارتفاع عن 2021 |
علم | %160 |
دله الصحية | %99 |
أكوا باور | %78 |
معادن | %61 |
مجموعة تداول | %39 |
منذ بداية 2022 وحتى الأسبوع الأخير من ديسمبر، تراجعت أسعار أسهم 174 شركة، تصدّرتها أسهم شركات في قطاع التأمين، فيما ارتفعت أسهم 46 شركة.