بلومبرغ
يتوقع البعض من أكبر مستثمري العالم، أن تحقق الأسهم مكاسب بحدود 10% أو أكثر في العام المقبل، ما سيوفر نوعاً من الارتياح في الأسواق بعد المعاناة التي شهدتها الأسهم العالمية وتكبدها أسوأ خسائر منذ عام 2008.
في ظل حالة التفاؤل التي سادت مؤخراً بأن معدلات التضخم بلغت ذروتها - وأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ربما يبدأ قريباً بتغيير مساره - توقع 71% من المشاركين في استطلاع رأي لبلومبرغ نيوز، ارتفاع الأسهم، فيما توقع 19% منهم تراجعها. أما متوسط نسبة الارتفاع المتوقعة بحسب إجابات المجموعة الأولى، فبلغ 10%.
يجسّد الاستطلاع غير الرسمي الذي شمل 134 من مديري الصناديق، آراء كبار المؤسسات الاستثمارية، بما فيها "بلاكروك" (BlackRock Inc) و"غولدمان ساكس أسيت مانجمنت" (Goldman Sachs Asset Management) و"أموندي" (Amundi SA). ويقدم الاستطلاع نظرة معمقة للمواضيع والعقبات الكبرى التي يتوقع هؤلاء المستثمرين التعرض لها في 2023، في أعقاب ارتفاع معدلات التضخم، ونشوب الحرب في أوكرانيا، وتبني البنوك المركزية سياسات نقدية متشددة أضرّت بعوائد الأسهم خلال العام الجاري.
مخاوف التضخم والركود
رغم ذلك، قد تخرج سوق الأسهم عن مسارها مرة ثانية جرّاء ارتفاع معدلات التضخم أو حدوث ركود اقتصادي عميق. يمثل هذان الأمران أبرز المخاوف بالنسبة إلى العام المقبل، حيث ركّز 48% من المشاركين في الاستطلاع على التضخم، مقابل 45% ركّزوا على مسألة الركود. قد تبلغ الأسهم أيضاً مستويات منخفضة جديدة مطلع 2023، مع توقع الكثيرين أن تميل السوق لتحقيق المكاسب خلال النصف الثاني من العام.
"غولدمان ساكس": الأسهم لم تعكس بعد مخاطر الركود
قال بيا هاك، كبير مسؤولي الاستثمار لدى "سويدبانك روبور" (Swedbank Robur)، أكبر مدير صندوق بالسويد: "رغم أننا ربما نتعرض لركود وهبوط بالأرباح، فقد شهدنا جزءاً من الانخفاض في 2022 وسيكون لدينا رؤية أفضل مع حلول 2023 ونطمح إلى أن يساعد هذا الأسواق".
تراجع الأسهم
حتى بعد الارتفاعات الأخيرة التي سجلتها الأسهم، يتجه مؤشر "مورغان ستانلي لجميع دول العالم" نحو تسجيل أسوأ أداء سنوي له منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. كما من المحتمل أن يختتم مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" عام 2022، بأداء ضعيف مشابه.
أسفرت أزمة الطاقة في أوروبا وعلامات تباطؤ النمو الاقتصادي، عن تراجع أسعار الأسهم، على الرغم من شروع الصين في تخفيف جزء من قيودها الصارمة المرتبطة باحتواء وباء كوفيد. علاوة على ذلك، هناك مخاوف متنامية من أن التباطؤ الحاصل فعلاً في الفترة الراهنة في العديد من الاقتصادات، سيسفر في نهاية المطاف عن تراجع المكاسب.
"بنك أوف أميركا" يحذّر من تراجع الأسهم قبل صدمة بطالة في 2023
أُجري استطلاع رأي بلومبرغ من قبل المراسلين الذين تواصلوا مع مديري صناديق وخبراء استراتيجيين في شركات استثمارية كبرى خلال الفترة ما بين 29 نوفمبر و7 ديسمبر 2022.
تعافي شركات التكنولوجيا
يتوقع هيديوكي إيشيغورو، كبير الخبراء الاستراتيجيين في"نومورا أسيت مانجمنت"، أن يكون عام 2023 "على النقيض تماماً من العام الجاري". يُعزى ذلك جزئياً إلى التقييمات، التي انخفضت لتجعل مؤشر "مروغان ستانلي لجميع دول العالم" يُتداول بمكرر ربحية قريب من متوسط مستواه طويل المدى لـ12 شهراً.
عندما يتعلق الأمر بقطاعات بعينها، يقول المشاركون في استطلاع الرأي إنهم يفضلون بصفة عامة الشركات التي يمكنها الدفاع عن الأرباح أثناء فترة التراجع الاقتصادي. كانت الشركات التي تقدم توزيعات أرباح، وشركات التأمين والرعاية الصحية، والشركات ذات الأسهم محدودة التقلب، من بين اختياراتهم، فيما فضل البعض البنوك والأسواق الناشئة، ومن بينها الهند وإندونيسيا وفيتنام.
بعد الضربات التي تلقتها جرّاء زيادة أسعار الفائدة خلال العام الجاري، ربما تستعيد أسهم التكنولوجيا الأميركية أيضاً الأفضيلة، بحسب استطلاع الرأي. قال أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع، إنهم سيشترون أسهماً في هذا القطاع بصورة انتقائية.
مخاوف الركود في أميركا تضغط على الأسهم الآسيوية.. وهونغ كونغ تفلت
قال مديرو الصناديق إنه في ظل استمرار التقييمات المنخفضة إلى حد ما، رغم الصعود في الآونة الأخيرة وتوقع هبوط عوائد السندات في العام المقبل، من المنتظر أن تستفيد شركات التكنولوجيا العملاقة، ومن بينها شركات "أبل" و"أمازون. كوم" و"غوغل" التابعة لـ"ألفابت".
أسواق الصين
يشعر البعض بالتفاؤل حيال الصين، خصوصاً أنها تتحرك مبتعدة عن سياسة "صفر كوفيد". ترك الركود في وقت سابق من العام الجاري تقييمات أسهم الشركات أقل كثيراً من المتوسط على مدى 20 عاماً، ما يجعلها تحظى بجاذبية أكبر مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة أو أوروبا.
قالت إيفغينيا مولوتوفا، كبيرة مديري الاستثمار في صندوق "باكيت أسيت مانجمنت" (Pictet Asset Management) إنها ستقوم بعمليات شراء بطريقة انتقائيية للأسهم الصينية حسب "المستويات الراهنة"، مفضلة القطاعات الصناعة والتأمين والرعاية الصحية في الصين.
بحسب استطلاع رأي بلومبرغ، فإن المكاسب المتوقعة بنسبة 10% في أسواق الأسهم خلال 2023، ستكون أقل من الانتعاشات السابقة، كالتي حدثت في 2009 و2019.
"مورغان ستانلي" يرفع تقييم الأسهم الصينية في ظل التفاؤل المرتبط بإعادة الفتح
عوامل إيجابية
بالنسبة إلى مديري صناديق الاستثمار، ربما تشكّل الأنباء الجيدة بشأن التضخم ومعدلات النمو، عوامل تحفيز لتحقيق أداء أكثر قوة. قال 70% تقريباً من المشاركين في الاستطلاع إن التضخم والنمو هما العاملان الإيجابيان الأساسيان المحتملان. كما أشاروا إلى إعادة فتح الاقتصاد الصيني بالكامل، ووقف إطلاق النار في أوكرانيا، ضمن العوامل التي تدعم الصعود.
يتماشى التركيز على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي على أساس أنهما من بين عوامل النجاح أو الفشل، مع نتائج آخر استطلاع رأي شمل مديري الصناديق أجراه "بنك أوف أميركا". بيّن الاستطلاع أن توقعات الركود الاقتصادي بلغت أعلى مستوياتها منذ أبريل 2020، بينما حاز سيناريو "الركود التضخمي" في ظل النمو المنخفض والتضخم العالي، على إجماع الآراء "إلى حد كبير".
على ما يبدو، فإن هذه المخاوف منطقية. بحسب بلومبرغ إيكونوميكس، يتجه الاقتصاد العالمي نحو تحقيق أضعف أداء له منذ أعوام، عدا فترتي الأزمة المالية وتفشي وباء كوفيد. أكّد صندوق النقد الدولي الشهر الماضي أن الموقف يتدهور سريعاً.
بنوك استثمار عالمية تستبعد صعود الأسهم الأوروبية في 2023
قالت فابيانا فيديلي، كبيرة مسؤولي استثمارات أسواق الأسهم والأصول المتعددة والاستدامة في شركة "إم آند جي" ( M&G): "سيؤثر احتمال حدوث ركود أعمق وأطول على التوقعات من الآن فصاعداً، ولا تزال هناك مجالات تتيح فرصاً، إذ تُباع أسهم الشركات ذات الأسس القوية والتي تملك القدرة على الصمود في وجه الأزمات، بسعر مخفض في أوقات الذعر في السوق".
الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
مع اقتراب نهاية العام، يتوقف اتجاه السوق على حدثين مهمين في الأسبوع المقبل، وهما صدور بيانات التضخم في الولايات المتحدة الثلاثاء، وصدور قرار سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اليوم التالي. ظهرت بعض الأنباء الجيدة حالياً، حيث بدأت زيادات الأسعار تنحسر بعدما بلغت أعلى مستوياتها في 4 عقود، إلى جانب تلميح البنك المركزي الأميركي إلى أنه ربما يبطئ من وتيرة زيادة أسعار الفائدة.
قال شوكت بنغلاوالا، رئيس وحدة الحلول متعددة الأصول لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ في صندوق "غولدمان ساكس أسيت مانجمنت": "من المستبعد حدوث صعود متواصل في الأصول الخطرة إلى أن يميل معدل التضخم للتراجع بشدة نحو هدف البنك المركزي". أضاف أنه مستمر في عملية تخصيص للاستثمارات في أصول دفاعية نوعاً ما في محافظ استثمار متوازنة.
بدوره، أعرب بن باول، كبير الخبراء الاستراتيجيين للاستثمار في منطقة آسيا والمحيط الهادىء لدى معهد "بلاكروك" للاستثمار، عن حذره، حيث قال إن أسواق الأسهم لا تعكس حتى الآن أثر السياسة النقدية الأكثر تشدداً بالكامل.
أضاف: "لقد رأينا تراجع وتيرة تشديد السياسة النقدية في 2022، والآن ستبدأ المشكلة - وهذا يعني وقوع أضرار، وربما نرى بعض مؤشرات التباطؤ في أرقام الصادرات والإسكان، لكن سيتضح الأمر في العام المقبل، وستكون السوق بحاجة لأن أخذ ذلك بالحسبان بطريقة أكثر فاعلية".