بلومبرغ
يراهن المستثمرون الاحترافيون على إمكانية تجنب الركود الاقتصادي رغم كل التحذيرات التي تشير إلى عكس ذلك. هذا الرهان خطير لعدة أسباب.
كشفت دراسة أجراها "غولدمان ساكس غروب" بشأن مراكز الصناديق المشتركة وصناديق التحوط التي يبلغ إجمالي أصولها نحو 5 تريليونات دولار إلى أن مديري الأموال يفضلون الأسهم الحساسة اقتصادياً، مثل الشركات الصناعية ومنتجي السلع، بينما باتت الأسهم التي تميل إلى الأداء الجيد خلال فترات الركود الاقتصادي، مثل المرافق والسلع الاستهلاكية الأساسية، غير مفضلة حالياً.
وتترجم هذه المراكز الرهانات بأن الاحتياطي الفيدرالي يمكنه كبح جماح التضخم دون التسبب في ركود، وهو سيناريو يصعب تحقيقه وغالباً ما يُشار إليه على أنه هبوط اقتصادي سلس. تجلّت الخطورة البالغة لمثل هذه الرهانات يومي الجمعة والاثنين، عندما أدت القراءات القوية لتقرير سوق العمل وقطاعات الخدمات الأميركية إلى تكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيُضطر إلى الحفاظ على سياساته المتشددة، مما يزيد من مخاطر حدوث خطأ في السياسة.
كتب الخبراء الاستراتيجيون في بنك "غولدمان"، بمن فيهم ديفيد كوستين، في مذكرة يوم الجمعة: "الانحرافات الحالية في مؤشرات القطاع تتماشى مع الموقف الداعم للهبوط السلس"، مضيفين أن حالات انكشاف العوامل والعناصر الرئيسية لقطاع الصناديق تشير إلى موقف مماثل.
انحراف دوري
الأمر لا يتعلق بأن الأموال الذكية عادت للمخاطرة. في الواقع، زادت الصناديق من الحيازات النقدية أو عززت رهاناتها الهبوطية على الأسهم هذا العام في ظل شروع بنك الاحتياطي الفيدرالي في حملة مكافحة التضخم الأكثر قسوة منذ عقود. ولكن خلف هذا الموقف الدفاعي يوجد انحراف دوري يتعارض مع المخاوف واسعة الانتشار بين أوساط الاستثمار بشأن أن هناك انكماشاً اقتصادياً خطيراً يلوح في الأفق.
توقع مديرو الصناديق خلال استطلاع أجراه "بنك أوف أميركا" الشهر الماضي، حدوث ركود عالمي بنسبة 77% خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وهي أعلى نسبة منذ الفترة التي أعقبت أزمة كوفيد 2020 مباشرة.
من الممكن أن يكون المحترفون قد تباطؤا في تعديل محافظهم المالية لتعكس المخاطر الاقتصادية المتوقعة. أو أنهم يسعون إلى الحماية من الركود من خلال استراتيجيات أخرى، مثل المحافظة على الأموال نقداً.
يرتبط التفسير الأكثر منطقية بالآمال في أن يتمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من تدبير هبوط سلس. في هذه الحالة، يُنظر إلى الأخبار الاقتصادية السيئة على أنها جيدة بالنسبة إلى السوق لأنها تُظهر أن حملة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لمكافحة التضخم تؤتي ثمارها، وبالتالي يمكن لصانعي السياسة النقدية التراجع عن الوتيرة المتشددة لرفع أسعار الفائدة.
محور الاحتياطي الفيدرالي
هذا السرد، الذي يوصف بأنه المحور الذي يرتكز عليه الاحتياطي الفيدرالي، يُشار إليه على نطاق واسع على أنه سبب ارتفاع مؤشر "إس أند بي 500" بأكثر من 10% من أدنى مستوياته في أكتوبر، على الرغم من البيانات المتدهورة في مجالات مثل الإسكان والتصنيع وانخفاض تقديرات الأرباح.
أما الآن فيحدث العكس. حدثت موجة بيع للأسهم أمس الإثنين بعد زيادة غير متوقعة في مؤشر الخدمات في الولايات المتحدة، مما أثار مخاوف من أن الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى التمسك بنهجه المتشدّد. انخفض مؤشر "إس أند بي 500" بنسبة 1.8%، موسعاً الخسائر مقارنة بيوم الجمعة، عندما أثار تقرير الوظائف الأقوى من المتوقع القلق بشأن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد أن أشار باول إلى تحول هبوطي محتمل في وتيرة التشديد النقدي.
كتب فريق المبيعات والتداول في "جيه بي مورغان تشيس" بمن فيهم أندرو تايلر في مذكرة أمس الإثنين: "إذا تدهور النمو بسرعة كبيرة للغاية أو مضى لمستوى بعيد، فإن مبدأ "الأخبار السيئة هي سيئة" سيسود السوق. في هذا السيناريو، من المرجح أن تعيد الأسواق اختبار أدنى مستوياتها في 2022".