كيف زلزلت صفقة استحواذ محتملة بين أكبر بورصتين عالم العملات المشفرة؟

"بينانس" تتأهب للاستحواذ على منافستها المتعثرة "إف تي إكس.كوم"

time reading iconدقائق القراءة - 17
شعار عملة \"بينانس\" المشفرة - المصدر: بلومبرغ
شعار عملة "بينانس" المشفرة - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عاش عالم العملات المشفرة، الذي لا يخضع بصورة كبيرة لجهة تنظيمية، أياماً قليلة من الصخب، مع التشويش عبر منصة "تويتر"، بالإضافة إلى عرض صادم على بورصة تداول في ظل تهاوي قيم الرموز المشفرة.

تتأهب حالياً أكبر بورصة تداول حول العالم، ممثلة في شركة "بينانس هولدينغز"، للاستحواذ على منافستها المتعثرة "إف تي إكس.كوم" (FTX.com) فيما قد يمثل توطيداً مترسخاً للنفوذ في عالم العملات المشفَّرة.

برغم ذلك؛ فإنَّ خطاب النوايا غير ملزم، مما أثار حالة من القلق بالسوق، وأسفر عن انهيار أكبر في القيم. وبرغم أنَّ العملات المشفَّرة ربما تبدو وكأنَّها تمثل جانباً متخصصاً بالتمويل؛ لكنَّ الصراع بين اثنين من أفضل لاعبيها قد قلب النظام البيئي للعملات المشفَّرة، ومن المحتمل أن يكون له انعكاسات في الأجل البعيد.

من هما "بينانس" و "إف تي إكس"؟

تعتبر الشركتان أكبر بورصتي تداول للعملات المشفَّرة، وهما السوقان اللتان يشتري فيهما المستثمرون ويبيعون ويخزنون الرموز المشفَّرة. وتعد "بينانس" أكبر بورصة تداول للعملات المشفَّرة من حيث الحجم بطريقة هائلة، تأتي "إف تي إكس" في المراكز الخمسة الأولى، بحسب مزود بيانات العملات المشفَّرة "كوين ماركت كاب" (وهو موقع إلكتروني مملوك لـ"بينانس").

من يديرهما؟

قاد الشركتين أيضاً اثنان من أكثر الشخصيات بروزاً وتأثيراً في عالم العملات المشفَّرة، حيث يدير تشانغبنغ جاو "بينانس" (أو "سي زد"، كما هو معروف)، ويدير سام بانكمان فريد "إف تي إكس" (أو "إس ي إف").

قبل أسابيع قليلة ماضية؛ كان التاجر السابق في شارع جين، الشاب صاحب الشعر المجعد الذي يبلغ من العمر 30 سنة، حاضراً في أنحاء قطاع العملات المشفَّرة كافة، يمول المشروعات المتخبطة بما فيها شركة "بلوك فاي" (BlockFi) وشركة "فوييجير ديجيتال" (Voyager Digital) و"سلسيوس" (Celsius). كانت صناديق مثل "رؤية" التابع لـ"سوفت بنك" وصندوق الثروة السنغافوري "تيامسيك" (Temasek) و"صندوق تقاعد المعلمين في أونتاريو" (Ontario Teachers’ Pension Plan) من بين المستثمرين.

ولد "تشاو"، وهو مواطن كندي، في الصين، وهاجر إلى فانكوفر بعمر 12 سنة، وتخرج بدرجة علمية في تخصص علوم الحاسب في جامعة ماكغيل في مونتريال. وقام بتدشين "بينانس" في 2017 بشنغهاي، لكنَّ الحكومة الصينية حظرت عمليات تداول العملات المشفَّرة بالسنة ذاتها. وهو يقيم حالياً في دبي.

لماذا تشاجرا؟

خلال 2019، استثمرت "بينانس" في "إف تي إكس"، ثم في بورصة للمشتقات. وخلال السنة التالية؛ أطلقت "بينانس" مشتقاتها من العملات المشفَّرة، وسرعان ما باتت رائدة في هذا المجال.

تفاقمت حدة التوترات مع اتخاذ الشركتين مسارات مختلفة بطريقة متنامية في التعامل مع الجهات التنظيمية. كان بانكمان فريد يدلي بشهادته أمام الكونغرس الأميركي، بينما قيل إنَّ "بينانس" تواجه تحقيقات تتعلق بأمور تنظيمية عبر أنحاء العالم كافة.

تنافست الشركتان أيضاً على الفوز بالأصول، إذ تقدّمت كلتاهما بعطاءات لشراء أصول "فوييجير ديجيتال"، وهو المزاد الذي فازت به شركة "إف تي إكس. يو إس" (FTX.US).

استمر "تشاو" وبانكمان فريد في تبادل انتقادات موجعة عبر منصة "تويتر" على مدى شهور، إذ يتصارعان على قضايا تتراوح من الضغط على السياسيين الأميركيين إلى مزاعم وجود عمليات تجارية تقوم على معرفة سرية مسبقة بصفقة كبيرة.

ما الذي جرى حالياً بعالم العملات المشفرة؟

في عطلة نهاية الأسبوع، كتب "تشاو" تغريدة على "تويتر" قال فيها إنَّ "بينانس" ستقوم بتصفية حيازاتها من الرمز المشفر المعروفة باسم "إف تي تي"، والتي أصدرتها شركة "إف تي إكس".

جاءت التغريدة عقب نشر قصة من موقع أخبار العملات المشفَّرة "كوين ديسك" تقول إنَّ شركة "ألاميدا" (Alameda Research)، وهي شركة تجارية مملوكة لبانكمان فريد مؤسس "إف تي إكس"، تمتلك الكثير من أصولها في الرمز المشفر "إف تي تي".

أجج ذلك مخاوف أوسع حيال قوة "أف تي إكس"، وبدأ المستثمرون بسحب الأموال. وتراجع الرمز المشفَّر "إف تي تي" 72% يوم الثلاثاء، وهبط مرة أخرى الأربعاء. قبل يوم من التوصل إلى اتفاق؛ قال بانكمان فريد على منصة "تويتر" إنَّ الأصول على منصة "إف تي إكس" "بحالة جيدة"، كما أنَّ "أحد المنافسين يسعى لمطاردتنا بشائعات كاذبة".

ماذا يعني ذلك للأسواق؟

أسفر ذلك عن بث الكثير من حالة عدم اليقين وسط المستثمرين. حتى مع إعلان الاتفاق؛ ربما تجعل تحركات أسعار العملات المشفَّرة الأوضاع صعبة. وتراجعت عملة "بتكوين" لفترة وجيزة لأدنى مستوى لها منذ 2020، مما يترك الكثير من مالكيها مع قيمة أقل من سعر الشراء.

هناك أيضاً عملة "سولانا" المدعومة من بانكمان فريد التي هبطت 23% الثلاثاء.

ما معنى ذلك لمستخدمي "بينانس" و"إف تي إكس"؟

قال كل من "تشاو" وبانكمان فريد على موقع "تويتر" إنَّ الصفقة أُبرمت بهدف حماية المستخدمين، برغم أنَّ البنود المحددة غير واضحة. لم تتوفر أي تصريحات من "بينانس" حول ما سيحدث لحسابات "إف تي إكس". ومن غير الوارد أن يكون العملاء سعداء إزاء تراجعات أسعار العملات المشفرة.

لا تعد شركة "إف تي إكس. يو إس" جزءاً من الاتفاق.

كيف يؤثر هذا على تشاو وسام بانكمان فريد؟

يجعل هذا الاتفاق من "تشاو" عملياً الشخصية الأبرز في عالم العملات المشفَّرة، إن لم يكن كذلك فعلاً. وهو تقدّم كبير أيضاً بالنسبة لسام بانكمان فريد، الذي كان يُنظر إليه في السابق على أنَّه أحد أكثر الأشخاص براعة بهذا القطاع.

ينعكس هذا أيضاً على الثروات. فقد كانت قيمة حصة بانكمان فريد التي تبلغ 53% في "إف تي إكس" تصل إلى 6.2 مليار دولار تقريباً قبل الاستحواذ يوم الثلاثاء، بحسب مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، استناداً إلى جولة جمع التمويلات، والأداء اللاحق لشركات العملات المشفَّرة المتداولة بالبورصة. وساهمت شركة تجارة العملات المشفَّرة، "ألاميدا ريسيرش" بمبلغ 7.4 مليار دولار في الثروة الشخصية الخاصة به.

يفترض مؤشر "بلومبرغ" للثروة أنَّ المستثمرين الموجودين حالياً في "إف تي إكس"، بمن فيهم بانكمان فريد، سيُحذفون نهائياً عن طريق خطة إنقاذ "بينانس"، كما أنَّ جذور مشكلات بورصة التداول تنبعث من "ألاميدا". إثر ذلك؛ تُمنح "إف تي إكس" و"ألاميدا" قيمة دولار واحد، وهو ما يترك صافي ثروة سام بانكمان فريد عند نحو مليار دولار، بالتراجع من 15.6 مليار دولار الثلاثاء. تعتبر الخسارة بنسبة 94% أكبر انهيار خلال يوم واحد في التاريخ بين المليارديرات الذين تتعقبهم "بلومبرغ".

عاش "تشاو" أيضاً فترة صعبة، إذ هبطت ثروته 83% منذ بداية السنة حتى الآن بحسب مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، لكنَّه ما يزال يمتلك ثروة تقدّر بنحو 16.4 مليار دولار.

ماذا يعني هذا على صعيد العملية التنظيمية؟

يقدم تسلسل الأحداث ومدى سرعة انتشارها نموذجاً واضحاً للجهات التنظيمية التي كان يساورها القلق حيال عدم وجود مسارات حماية في مجال العملات المشفَّرة الطليق.

ربما من غير الوارد قيام الولايات القضائية، التي كانت بصدد دراسة لوائح أكثر مرونة، بفعل ذلك، خاصة على خلفية الانهيارات الداخلية بالنظام البيئي في تيرا/ لونا وصندوق التحوط "تري أروز كابيتال" (Three Arrows Capital) قبيل بضعة شهور.

علاوة على التنظيم العام للعملات المشفَّرة؛ ربما يخضع الاتفاق نفسه لعملية تدقيق، مع الأخذ بالاعتبار أنَّ الشركتين من بين اثنين من أكبر اللاعبين في المجال، ويمكن أن يؤجج ذلك المخاوف بشأن الهيمنة على السوق من قبل الكيان المشترك.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

يتسم الأمر بالغموض إلى حد ما. وبما أنَّ موافقة "بينانس" على شراء "إف تي إكس" مسألة غير ملزمة؛ فقد تقع أمور كثيرة مختلفة. يمكن أن تستحوذ "بينانس" على "إف تي إكس"، أو تبتعد نهائياً، أو ربما تحصل على أجزاء من حصص ملكيتها. ومن غير الواضح ما إذا كانت "إف تي إكس" ستواصل وجودها ككيان منفصل. وربما يعتمد جزء من هذا على ما تتعرض له "بينانس" على أرض الواقع، بينما تجري عملية الفحص النافي للجهالة أيضاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك