بلومبرغ
انتقلت حمى الاكتتابات من شركات الاستحواذات والشركات المدرجة إلى الشركات والبورصات الخاصة بالعملات المشفرة ليلقي بظلاله على توقعات تضخم أكبر في فقاعة الأصول المشفرة.
وبعد مراقبة الملايين التي وضعها المستثمرون في شركات الـ"شيكات على بياض" والاندفاع القوي لشركات من أمثال "جيه فروغ" JFrog و "سنو فليك" Snowflake عند دخولها السوق لأول مرة، تتطلع ما لا يقل عن ثماني شركات متخصصة في العملات المشفرة إلى الاكتتابات العامة الأولية.
تقدمت بورصة "كوين بيس" Coinbase بطلب للطرح العام بينما تضع البورصات الأخرى خططاً أو تتطلع إلى أن يتم شراؤها من خلال أدوات استحواذ خاصة. كما تم إدراج شركتين صينيتين متخصصتين في تعدين البتكوين على قوائم ترقب الاكتتابات العامة الأولية، وفقًا لـ "رينيسانس كابيتال" Renaissance Capital.
من المدهش حقاً أن نرى الآن سعي تلك الصناعة التي تفتخر بكونها بعيدة عن تركيبة البنية التحتية للأسواق المالية، إلى الاكتتابات العامة. وهو ما يثير قلق بعض المستثمرين بشكل كبير. فالهوس بالاكتتاب العام وحده كافِ لإذكاء المخاوف حيال حدوث فقاعة في الأسواق، كما أن دخول العملات المشفرة الذي شهد انتعاشاً قياسياً إلى هذا السباق يثير قلق المستثمرين الذين يهيئون أنفسهم لمرحلة صعبة.
يقول أرون براون، مستثمر العملات المشفرة والكاتب في "رأي بلومبرغ ": "لطالما امتلأت العملات المشفرة بالفقاعات ولطالما امتلأت الاكتتابات العامة الأولية بذلك أيضاً. فنحن الآن في مراحل ممتلئة بالفقاعات لكليهما معاً. إذاً، ماذا تعني الاكتتابات العامة الأولية للعملات الرقمية المشفرة هذا العام؟ الإجابة: فقاعات مضاعفة.
أرقام قياسية بسوق الاكتتابات
ومنذ الخريف الماضي، كان سوق الاكتتابات العامة الأولية ملتهباً مع تسارع الشركات للاستفادة من ارتفاع نسبته 70% في الأسهم منذ أدنى مستوياتها في شهر مارس. ونمت بشكل كبير الشركات العامة وتلك العاملة بنظام الـ"شيكات على بياض" إلى الدرجة التي تحطمت فيها الأرقام القياسية واحداً تلو الآخر. وكانت شهية المستثمرين للشركات العامة الجديدة تظهر في اليوم الأول من تداولها بأسعار تتجاوز الاكتتاب العام، كواحدة من بين أكبر المؤشرات منذ عقود.
وفي ظل كل تلك التفاصيل، أصبح من الصعب على صناعة العملات الرقمية المشفرة تجاهل الأمر.
وأثارت كل من شركات "كوين بيس" و"إي تورو" eToro ، وكذلك"مايكرو بي تي" MicroBT المتخصصة في التعدين، الأحاديث حول الاكتتابات العامة المقررة لهذا للعام، وفقًا لـ "رينيسانس كابيتال"، المتخصصة في أبحاث الصناديق المتداولة في البورصة، والأبحاث التأسيسية قبل الاكتتابات العامة الأولية.
وقد تنضم حفنة من الشركات الأخرى إلى موجة الوافدين الجدد وتشمل "جيميناي تراست كو"Gemini Trust Co المتخصصة في تداول العملات المشفرة، و"بيتماين تيكنولوجيز" Bitmain Technologies و"بيت فيري" وBitfury المتخصصتان في التعدين.
شهية المخاطرة بتجارة العملات المشفرة
ويقول إيمانويل غوه، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة "سكو" Skew المتخصصة في تحليل البيانات وتجارة مشتقات العملات المشفرة: "الفجوة التي نشأت بين تقييم شركات التكنولوجيا في السوقين العام والخاص حفزت الشركات الناشئة على تعقب الاكتتابات العامة الأولية المحتملة بسرعة. في ظل الشهية الحالية للعملات المشفرة، أتوقع طلباً قوياً للغاية على شركات التشفير الرائدة التي تحقق أرباحاً فعليا".
وأشعلت "كوين بيس" التي بلغت قيمتها أكثر من 8 مليارات دولار في عام 2018، بعضاً من الإثارة الكبرى، حيث تقدمت الشركة الشهر الماضي بطلب للاكتتاب العام الذي يتوقع الكثيرون له أن يجمع مبالغ ستعتبر تقدماً كبيراً لهذه الصناعة. ووفقاً لتقرير بلومبرغ، فان بورصة كوين بيس لديها حوالي 35 مليون مستخدم، مؤكداً وأكثر من 25 مليار دولار من الأصول على منصتها. ورفضت "كوين بيس" التعليق على الأمر.
ولطالما سعى المتحمسون لتلك العملات إلى احتضان أكثر دفئاً من "وول ستريت" حيث راهنوا على أن القبول الأكبر لهم سيساعدهم على الدخول في مرحلة نمو. وبالفعل ثبت صحة جزء من هذا التكهن في العام الماضي عندما ساعد دخول مؤسستان جديدتان على البورصة في دفع نمو البتكوين إلى مستويات عالية جديدة.
وقال نيك كارتر، الشريك المؤسس في شركة الأبحاث "كوين ميتريكس" Coin Metrics: "إنه رهان خالص على العملة المشفرة التي تعتبر الصناعة الأسرع نمواً في العالم. نحن في أكثر الأنظمة المالية ضعفاً في التاريخ". وأضاف كارتر أنه يتوقع من الآخرين اتباع خطوات "كوين بيس".
بيئة مناسبة للاستفادة من التقييم المرتفع
وقال ماتي غرينسبان، مؤسس "كوانتوم إيكونوميكس" Quantum Economics، إن البيئة الحالية جيدة لدخول شركات العملات المشفرة إلى الأسواق العامة للمرة الأولى. فإقرار المؤسسات بتلك الشركات يعني توفر أموال كبيرة يمكن استثمارها في ظل ارتفاع أسعار العملات المشفرة.
وقال: "إذا كنت ترغب في زيادة رأس مالك، فمن الجيد أن تقوم بذلك عندما تكون الرياح مواتية في صالحك". ولا يؤمن غرينسبان ببوادر مؤشرات لحدوث الفقاعة.
أما كريستوفر بنديكسن، رئيس الأبحاث في شركة "كويم شيرز" CoinShares لإدارة الأصول، فيرى الارتفاع الأخير في أسعار العملات سبب ارتفاع الطلب على شركات تعدين الكريبتو أيضاً.
ويقول بنديكسن: "العرض يمر بمرحلة صعبة. فلقد تم دفع ثمن المخزون المتوقع لمدة 6 شهور مقدماً إلى معظم صانعي التعدين، ولا أظن أنهم سيردون على المكالمات في هذا المرحلة".
إلى متى؟
لكن الكثيرين يتساءلون عن مدى استمرار ارتفاع أسعار العملات المشفرة بعد عام 2020 الرائج الذي حققت فيه البتكوين رقماً قياسياً تلو الآخر. ويمكن القول إن حوالي 60% من العوائد منذ أكتوبر الماضي أتت من خلال الوفرة في السوق وزخم التداول، وفقًا لتحليل "بلومبرغ إيكونوميكس".
وتراجعت عملة بتكوين عن أعلى مستوياتها بعد أن تجاوزت 40 ألف دولار هذا الشهر إلا أنها لا تزال مرتفعة بنحو 16% هذا العام. كما أظهر استطلاع أجراه "دويتشه بنك" Deutsche Bank لأكثر من 620 متخصصاً في السوق أن 50% من العينة أعطت البتكون 10 درجات من أصل 10 في مقياس تصنيف الفقاعات. وسواء سيتضح ذلك متأخراً أم لا، فإن المستثمرين ذوي الذاكرة الطويلة سيقومون بتسجيل ملاحظاتهم.
ويقول مات مالي، كبير استراتيجيي السوق في شركة "ميلر تاباك + كو" Miller Tabak + Co ، إن موجة الاكتتابات العامة الأولية المحتملة شيء معتاد في نهاية الاتجاه الصعودي، وقد لا يكون هذا مؤشر على انهيار وشيك. ورغم تفاؤل مات بالعملات المشفرة، إلا أنه لا يزال يذكرنا بنوع الوفرة التي عاصرناها إبان ذروة فقاعة الدوت كوم في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
ويقول: "عندما تُطرح مجموعة من الشركات التي تعمل بنفس القطاع للاكتتاب العام في نفس الوقت، فإن ذلك يخبرك بأن الأشخاص الذين يديرون هذه الشركات يدركون أن تقييماتهم عالية للغاية، وربما يتطلعون إلى الاستفادة منها. الرجال الأذكياء يستفيدون من هذه الخطوة الآن."