المغتربون والسياحة والصادرات تضخ بخزانة المغرب 38 مليار دولار

رصيد البلاد من النقد الأجنبي ارتفع 5% ليغطي نصف عام من الواردات

time reading iconدقائق القراءة - 20
صورة عامة لأحد ضواحي العاصمة المغربية الرباط ويظهر في وسطها مبنى مسرح الرباط الكبير. المملكة المغربية - المصدر: بلومبرغ
صورة عامة لأحد ضواحي العاصمة المغربية الرباط ويظهر في وسطها مبنى مسرح الرباط الكبير. المملكة المغربية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

في وقتٍ يمثّل الاحتياطي الأجنبي تحدّياً للعديد من الاقتصادات العربية، لاسيما المستوردة للنفط والسلع الغذائية التي تشهد أسعارها تضخماً متسارعاً، ارتفع رصيد المغرب من النقد الأجنبي هذا العام بأكثر من 5% إلى نحو 31 مليار دولار. ويعود الفضل بذلك، بشكل أساسي، إلى "ثلاثي" السياحة، والمغتربين، والصادرات خاصةً الفوسفات والسيارات، الذي يُتوقّع وفقاً لحسابات "الشرق" أن يرفد خزانة المملكة بنحو 38.4 مليار دولار بحلول نهاية 2022.

عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، نوّه في مقابلة مؤخراً مع "الشرق" بأن رصيد "المركزي" من العملة الأجنبية يدعم موقف بلاده أمام صندوق النقد الدولي، حيث تجري مفاوضات "متأنية" للحصول على خط ائتماني دون نيّة سحب فوري للأموال. لافتاً إلى أن هذا الرصيد يغطي واردات السلع الضرورية من الخارج لمدّة 5 شهور و24 يوماً.

كانت المملكة حصلت على خط ائتمان وقائي من الصندوق عام 2012 بقيمة 3 مليارات دولار، وتمّ تجديده أكثر من مرة، ولم تسحب الحكومة المبلغ إلاّ في 2020 إبّان جائحة كورونا.

ساهم في تكوين رصيد المغرب من العملة الصعبة، بشكلٍ أساسي، ثلاثة قطاعات رئيسية، أوّلها التحويلات المهمة للمغتربين في الخارج، وثانيها انتعاش السياحة، وثالثها والأداء القياسي لصناعات تصديرية رئيسية، استفادت من موجة ارتفاع الأسعار عالمياً، ويأتي في مقدّمها الأسمدة.

المغتربون.. طوق نجاة

بلغت تحويلات المغتربين المغاربة هذا العام مستوى هو الأعلى خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث وصلت حتى نهاية أغسطس إلى 71.4 مليار درهم (الدولار نحو 11 درهماً)، بارتفاع قدره 11.3% على أساس سنوي.

يفسر الخبير الاقتصادي محمد شيكر هذه القفزة في التحويلات بأنها ناجمة عن "الأموال التي وفّرها المغتربون خلال السنتين الماضيتين، التي اتسمت بالحد من الاستهلاك والإنفاق وتأجيل رحلات السفر بسبب جائحة كورونا وإجراءات التقييد التي صاحبتها، لا سيما على صعيد التنقل".

يناهز عدد المغاربة المقيمين في الخارج الـ5 ملايين، تتركز الغالبية منهم في القارة الأوروبية. ويتوقّع بنك المغرب أن يحوّل المغتربون مع نهاية العام نحو 100 مليار درهم، بما يمثّل أعلى رقم على الإطلاق، بعدما وصلت هذه التحويلات العام الماضي إلى 93 مليار درهم، معاكسةً بذلك توقعات البنك المركزي للبلاد".

شيكر اعتبر في حديث لـ"الشرق" أن "المستقبل السياسي الغامض في أوروبا مع صعود اليمين المتطرف، وتصاعد العنصرية، والحرب في أوكرانيا، وتدهور المناخ الاقتصادي والاجتماعي، عوامل إضافية ساهمت في ارتفاع تحويلات المغتربين".

بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه المغرب، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن "البطالة وتضرر القدرة الشرائية لدى الكثير من الأُسر جعلها تعتمد بشكل كبير المعونات المالية التي تردها من أفرادها المهاجرين".

إلى ذلك، فإن لهذه التحويلات تأثيراً إيجابياً على رصيد المغرب من العملة الأجنبية، حيث يوضح شيكر أنه "كلما كان هذا الرصيد مرتفعاً، فإنه يدعم صمود اقتصاد المملكة أمام الضغط الناتج عن التضخم المستورد".

السياحة.. استعادة أرقام ما قبل كورونا

منذ فتح الحدود في فبراير بعد التراجع الملحوظ لجائحة كورونا، بدأت السياحة المغربية تستعيد عافيتها تدريجاً، مدفوعةً أيضاً بتقديم الحكومة دعماً مالياً للفنادق وللشركات العاملة في القطاع بقيمة ملياري درهم.

تُسهم السياحة في المغرب بنحو 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وتلعب دوراً كبيراً في رفد اقتصاد المملكة بالعملة الصعبة، فضلاً عن دورها المحوري بتوفير الوظائف لا سيما للشباب.

خلال الشهور السبعة الأولى من العام، تمكّن القطاع من استعادة 90% من حجم الإيرادات الأجنبية المسجلة ما قبل جائحة كورونا وفقاً لوزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور في مقابلة سابقة مع "الشرق".

جلبت السياحة إيرادات تجاوزت 8 مليارات دولار خلال عام 2019 القياسي، عندما استقبلت المملكة حينها 13 مليون سائح. لكن هذه الإيرادات هبطت إلى 3.5 مليار دولار في 2021. ويتوقع بنك المغرب، في أحدث أرقام صادرة عنه، أن تناهز الإيرادات الإجمالية للقطاع بحلول نهاية العام الحالي 7.1 مليار دولار.

ساهم قدوم المغتربين في شهري يوليو وأغسطس بدفع عجلة الاقتصاد، عبر ضخ العملة الصعبة، وذلك بعد غياب دام سنتين بسبب تدابير الإغلاق الناتجة عن جائحة كورونا. وتتوقع وزارة السياحة أن يستعيد المغرب هذا العام نحو 80% من عدد السياح المسجل خلال 2019.

بعد فترة الصيف المعروفة بذروة قدوم المغتربين والسياح، تشهد المملكة حالياً انتعاشاً في سياحة الأعمال، من خلال استضافة عدد من اللقاءات والمؤتمرات الدولية خصوصاً في مراكش، المدينة السياحية الأولى في المغرب، والتي تتوفر على بنيّة فندقية مؤهلة لاستضافة كبرى الفعاليات.

ويُبدي عدد من وكلاء السفر تفاؤلاً بآفاق القطاع السياحي، خصوصاً في الفترة الحالية التي تعرف توافداً للسياح من السوق الأوروبية، ناهيك عن ارتفاع نسبة الحجز لعطلة أعياد الميلاد ورأس السنة.

الفوسفات يقود الصادرات

"رُبَّ ضارّةٍ نافعة"؛ هذا ما ينطبق على المغرب في الأزمة العالمية الحالية، حيث استفاد من ارتفاع أسعار الفوسفات بالأسواق الدولية ليحقق أرقاماً غير مسبوقة عبر شركته الحكومية "مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط" التي بلغت صادراتها في نهاية أغسطس 77.8 مليار درهم، ويُقدّر أن تنهي العام برقم قياسي بواقع 144.5 مليار درهم (أكثر من 13 مليار دولار).

تزايد الطلب العالمي على الأسمدة الفوسفاتية منذ بداية العام الحالي، وارتفعت أسعارها بفعل اضطرابات سلاسل الإمداد لاسيما في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية. إذ تجاوز متوسط سعر الطن المتري من الفوسفات 1000 دولار للشهور الستة الأولى من العام، وهو الأعلى منذ 2008. وبلغ ذروته في أبريل مسجلاً 1210 دولارات للطن المتري، وهو الأعلى على الإطلاق.

أرباح "الشريف للفوسفاط" للنصف الأول من 2022، تجاوزت 16.8 مليار درهم مغربي، ارتفاعاً من 4.6 مليار درهم للفترة عينها من العام الماضي.

المحلل الاقتصادي يوسف كراوي يرى أن المغرب "بإمكانه رفع صادراته بشكل أكبر، بتنويع منتوجه التصديري، واستهداف أسواق جديدة، خصوصاً في القارة الأفريقية التي لازالت المبادلات التجارية معها ضعيفة مقارنةً بالأسواق الأوروبية".

مليون سيارة

القطاع الثاني الأكثر تصديراً في المغرب هو صناعة السيارات، حيث حقق في الشهور الثمانية الأولى مبيعات بـ66.7 مليار درهم، بارتفاع 30% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى محقق في السنوات الخمس الماضية. ويُقدّر البنك المركزي أن تُقارب صادرات السيارات بحلول نهاية العام الـ100 مليار درهم.

يضم المغرب مصانع لشركتي "رينو" و"ستيلانتيس" بطاقة إجمالية نحو 700 ألف سيارة سنوياً، منها 50 ألف سيارة كهربائية حالياً. وتستهدف البلاد بلوغ قدرة إنتاجية سنوية بنحو مليون سيارة في الفترة المقبلة.

كراوي نوّه في حديث لـ"الشرق" بأن الصادرات المغربية "حققت تطوراً مهماً، خصوصاً على صعيد قطاع السيارات في السنوات الأخيرة. كما استفادت صادرات الفوسفات، بشكل خاص، هذا العام من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وارتفاع الطلب على الأسمدة عالمياً لتعزيز الإنتاج الزراعي، ما رفع أسعارها لمستويات قياسية".

لكنه يعتقد أن المغرب بإمكانه تحقيق قفزة في صادراته بتطوير الصناعات الغذائية، التي تحتل المرتبة الثالثة في التصدير، وذلك من خلال "تشجيع الاستثمار في المنتجات المحوّلة لخفض حجم تصدير المنتجات الخام".

يتوقع بنك المغرب أن ترتفع الصادرات المغربية بنسبة 34% خلال السنة الحالية، مقابل ارتفاع الواردات بنفس وتيرة العام الماضي، وهو ما يُقدّر أن يخفف العجز التجاري للمملكة.

تصنيفات

قصص قد تهمك