يتعين علينا الانتظار أسابيع قليلة لنرى إلى أي مدى ستكون هناك خطة تحفيز خضراء من الرئيس جو بايدن، ولكننا بالفعل في وسط طفرة استثمار أخضر غير منظمة، والتي ستنتهي على نحو سيئ ومفيد في نفس الوقت.
وتعد الطاقة بجميع أنواعها أعمال شديدة الاستهلاك لرأس المال، وبالتالي، فإن تكلفة رأس المال تلك إما تساعد على نجاح مشروع جديد أو تتسبب في فشله، ويعد هذا الأمر صحيح بشكل خاص في مشروعات الطاقة المتجددة، حيث تضخ الاستثمارات جميعها مقدما، وعلى عكس حقول البترول، على سبيل المثال، لا يوجد خيار متضمن في تقلبات أسعار السلع، وهكذا، كلما كانت التكنولوجيات حديثة ومتطورة، مثل كهربة المركبات، تكون عادة في مراحل مبكرة أو غير مربحة، وبالتالي يكون الوصول لرأس المال قضية حياة أو موت.
وبالتالي، عندما يتكلم الناس عن "تحول الطاقة" يكونون عند مرحلة ما يصفون التحول في رأس المال أو الأموال التي يتم توظيفها في أحد أنواع البنية التحتية للطاقة دون الآخر.
وكان مضاعف ربحية مؤشر "ويلدرهيل" للطاقة النظيفة منتعشا بالفعل منذ عام عند 41 مرة، واليوم، تراجع بشكل مفرط عند 123 مرة، وإذا عبرنا عن ذلك بالعائد على الأرباح، بنسبته الكاملة عند 0.8%، فسنفهم إلى أي مدى يتدفق رأس المال بحرية إلى القطاع.
ودعونا نتأمل واحدا من شركات المؤشر الأكثر شهرة "تسلا إنك"، فبعد أن ارتفعت ثمانية أضعاف تقريبا العام الماضي، أعلنت شركة صناعة السيارات عما لا يقل عن ثلاث طروحات أسهم بقيمة 12.3 مليار دولار، وهو ما يزيد بكثير عن جميع طروحاتها في العقد السابق بأكمله، وواصل السهم الارتفاع.
وفي نفس الوقت، طرح ما يزيد عن عشرة شركات تكنولوجيا نظيفة أو شركات مرتبطة بالمناخ أسهمهم للعامة عبر كيانات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، وهناك المزيد من شركات الشيك على بياض في القطاع الأخضر تبحث عن أموال أو أهداف.
ومثل سوق الأسهم بشكل عام، يتسم هذا المجال بجميع العلامات المميزة للفقاعات: مضاعفات الأرباح العالية، والزيادات السريعة في الأسعار، واقبال من تداولات الأفراد وضمن قصة لطيفة لتبرير كل ما سبق، يبدو الأمر وكأننا كنا هنا من قبل.
وكما نعرف جميعا، الفقاعات ليست جيدة، ومن ناحية أخرى، لا يعني ذلك أن إرثهم الوحيد هو أقسام فرعية مبتذلة في فلوريدا، أو شركات دوت كوم لا فائدة منها وغرور ممزق، وصاغ الاقتصادي "روتشير شارما" مصطلح "الشراهة الجيدة" ليصف نوبة من الاستثمار التي ربما قد تنتهي بانهيار إلا أنها تترك وراءها بعض الأصول المنتجة أو المميزة، وهذا لا ينطبق على الأقسام الفرعية المبتذلة في فلوريدا، ولكنه ينطبق على الأشياء المفيدة مثل السكك الحديدية والإنترنت والنفط الصخري وشبكات الألياف الضوئية ومحطات الطاقة التي تعمل بالغاز.
وينطبق ذلك أيضا على الأرجح على شركات التكنولوجيا النظيفة، التي لديها بالفعل بعض الأصول المميزة، ويعود التراجع المذهل في تكلفة الطاقة الشمسية إلى رأس المال الصيني المدعوم من الحكومة لبناء المصانع التي تستهدف الألواح في سوق الطاقة الألمانية المدعوم أيضا، فهل الأمر مثالي؟ لا، وهل حدثت حالات إفلاس؟ نعم، وكل من اشترى أسهم شركة "كيو-سيل" (Q-Cells SE) بقيمة 81 يورو في 2007 قد مر بتجربة مريرة، ورغم كل ذلك، هل سيستمر التحول نحو اقتصاديات الطاقة صفرية الكربون؟ بالتأكيد.
وبالمثل، يعرف القراء المتابعون أني أرى تقييم "تسلا" أكبر مما يجب بثلاثة أضعاف، ولكن إذا اختفت "تسلا" غدا - أو هبط سهمها بقدر كبير - هل ستختفي معها استراتيجيات تسيير السيارات بالكهرباء لشركات السيارات (بجانب الدول والمدن) الرئيسية الأخرى في العالم أو التقدم المحرز بشأن تكاليف البطاريات؟ لا.
جنون الاستثمار بشركات الاستحواذات
قد تكون شركات الشيك على البياض لها بعض الفوائد، وجادل روب داي، شريك في "سبرنغ لاين كابيتال" (Spring Lane Capital)، صندوق الاستثمار المستدام، في مقال حديث له في مجلة "فوربس" أن أحد الأسباب التي تدفع جنون شركات الشيك على بياض هو - على عكس قطاع التكنولوجيا - أن شركات الطاقة المخضرمة كانت بطيئة في تمويل أو الاستحواذ على المشروعات الجديدة الواعدة، وهو ما خلق "بيئة غنية بالأهداف" لشركات الشيك على بياض، وفقا لما كتبه داي، وقد تتمتع بعض هذه الأهداف على الأقل بنجاح مستمر.
وقد خضنا بالفعل دورة مشابهة مع طفرة البترول الصخري، التي قلبت سوق الطاقة الأمريكي (والعالمي) رأسا على عقب من خلال التسبب في انهيار الطلب على الفحم واستبداله بالغاز بالرخيص ما قلص انبعاثات الكربون (للميثان قصة مختلفة)، ومع ذلك، سجل قطاع الطاقة بطريقة ما أداء أسوأ من أي قطاع آخر في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في العقد الماضي، ما يعبر عن ثنائي الشراهة الجيدة الكلاسيكي وهو التحول وإماتة بعض المجالات.
تجربة ضخ التمويل بشركات النفط الصخري
وفي حالة البترول الصخري يجدر بنا أن نركز على جانب سيء بشكل خاص لشراهة الاستثمار وهو الدور الكبير للديون، والاضطرار للتعامل مع هذا العبء بعد مرور الأوقات الجيدة في السوق ما يتسبب في زيادة الديون المتعثرة كما نرى الآن مع الكثير من شركات الاستكشاف والإنتاج، وكذلك شركات تشغيل خطوط الأنابيب التي كانت منتعشة سابقا، وعلى النقيض، نرى أثر فقاعة التكنولوجيا النظيفة على الحصص (سواء الأسهم أو الملكية الخاصة أو المشروعات المشتركة) وهو ما يشبه أكثر فقاعة التكنولوجيا في أواخر القرن الماضي.
ولا يعني قول إن هذا الجنون قد ينتهي به الأمر بتمويل بعض الأشياء الجيدة أن نشعر بالرضا عن الوضع الحالي، وكما أخبرني كريس والتينغ، مؤسس شركة التحليل الواقعة في لندن "لونغفيو إيكونوميكس" (Longview Economics)، في وقت سابق، نحن لا نعلم متى ستنفجر الفقاعات، ولكننا نعلم أنهم تحدث دائما لنفس السبب: انسحاب الأموال الرخيصة.
ويعد المسبب الأكثر ترجيحا هو الاحتياطي الفيدرالي (وسوق السندات) إذا فقد أعصابه بشأن التضخم، وهذا هو الحال اليوم بالفعل في أجزاء محددة من السوق (بما في ذلك السلع مثل البترول) والتي لديها الكثير من سمات الفقاعة.
وتقدر شركة والتينغ أن مزيج من الدخول الأعلى - نتيجة مدفوعات الإغاثة وتراجع الإنفاق - سيضيف ما يصل إلى 3.8 تريليون دولار أي ما يعادل 17% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء من النقدية "الفائضة" التي تنتظر أن توظف في الاقتصاد الأمريكي في ظل سلاسل التوريد شديدة الاضطراب، ومن ناحية أخرى هناك وباء كوفيد الذي لا يزال يطاردنا، ووصلت البطالة إلى 7% تقريبا وهناك قدرة إنتاجية فائضة في الأماكن الأخرى في سوق البترول، بجانب مستويات التضخم غير المحببة الحالية، وبالتالي فإن محاولات تحديد توقيت انفجار الفقاعة هي كالمعتاد تمرين محفوف بالمخاطر.
فقاعة أسهم التكنولوجيا النظيفة
إذا كانت الفقاعة الواضحة في قطاع التكنولوجيا النظيفة تمثل أي شيء، فهي تذكرنا بالحاجة لسياسة طاقة ومناخ شاملة في أي شيء سيعلن عنه بايدن الشهر المقبل، ويعد الاعتماد على الفقاعات وانفجاراتها لتحقيق تقدم صناعي عادة أمريكية جوهرية، ولكن في الوضع الحالي، سيكون الأمر مدمرا وسيضر بكفاءة التعامل مع مشكلة عاجلة وضخمة وهي التغير المناخي، وقبل أن تصل إلى علم غادسدن الخاص بك، تذكر أن شبكة الكهرباء بأكملها هي منشأة خاضعة للتنظيمات وأن الطلب على الغازولين يدين دينا ليس صغيرا للطرق السريعة بين الولايات الممولة فيدراليا.
وهذا لا يعني أننا نحتاج قدر ما من ملايين الدولارات الفيدرالية لكل تكنولوجيا وليدة (والتي يرجح أن تحظى بعضها باستثمارات هائلة نتيجة الفقاعة في كل الأحوال)، ولكن محاذاة السياسات بحيث تحد من الحماسة الحالية يمكن أن ترشد أغلب هذه الحماسة، وقد تقدم بعض آليات تسعير الانبعاثات مثل اقتراح بايدن بإحياء حسابات التكلفة الاجتماعية للغازات الدفيئة ومعايير الطاقة النظيفة أو الكفاءة بعض الطرق لترتيب الأمور بدون الإملاء على المستثمرين اختيارات بعينها.
ويستفيد الممولين بالفعل من أسعار الفائدة السلبية لبناء قلاع في الهواء، وربما يتعين على الحكومات أيضا استغلال بعض هذا السحر لوضع (أو التشجيع على وضع) بعض الأساسات الفولاذية في الأرض وبالتالي ترسخ تحول الطاقة الذي نحتاجه.