قفزات التضخم تزيد الترقب حول تحريك الفائدة في المغرب

البنك المركزي يتوقّع عودة التضخم إلى 2% العام المقبل

time reading iconدقائق القراءة - 11
مقر بنك المغرب في العاصمة الرباط. المملكة المغربية - المصدر: بلومبرغ
مقر بنك المغرب في العاصمة الرباط. المملكة المغربية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

تترقب الأسواق ما سيقرره بنك المغرب المركزي في اجتماعه غداً الثلاثاء بشأن سعر الفائدة الرئيسي، إذ تتباين الترجيحات بين الإبقاء على السعر الحالي 1.5% أو رفعه قليلاً، في ظل استمرار تسجيل معدل التضخم لمستويات قياسية.

شهد معدل التضخم في المغرب للشهر السادس على التوالي ارتفاعاً قياسياً، ليبلغ ذروته عند 8% في أغسطس على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1995، مدفوعاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكلفة النقل، حسب البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط المكلفة الإحصاء في البلاد.

لم يغيّر بنك المغرب سعر الفائدة الرئيسي منذ شهر يونيو 2020 بحجة أن التضخم الذي تشهده البلاد مستورد ولا يمكن التحكم فيه، أي مرتبط بارتفاع الأسعار العالمية، مراهناً على عودة معدل التضخم إلى أقل من 2% خلال العام المقبل.

السيناريو الأرجح

يتوقع رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن يُبقي بنك المغرب، بقيادة المحافظ المخضرم عبد اللطيف الجواهري، على سعر الفائدة عند مستوى 1.5% الحالي، مضيفاً بحديثٍ لـ"الشرق": "في حال قرّر المركزي رفع الفائدة فلن يكون بنسبة كبيرة، وطبعاً سيكون لذلك تأثير في بعض القطاعات التي تتوقف ديناميكيتها على القروض".

يتفق عمر باكو، الخبير المالي، مع رأي أوراز بترجيح اختيار بنك المغرب التريث عبر إبقاء سعر الفائدة الرئيسي عند مستواه الحالي دون تغيير، باعتبار أن "السياسة النقدية للمركزي مرتبطة بسيناريوهات التضخم المستقبلية وتوقعات النمو الاقتصادي".

سيناريوهات التضخم في المغرب مرتبطة إلى حد كبير بما تشهده الأسواق العالمية من ضغوط تضخمية، على اعتبار أن واردات المملكة "تمثل 40% من الناتج المحلي الإجمالي"، حسب باكو. والأمر عينه ينطبق على توقعات النمو الاقتصادي التي ترتبط بالاقتصاد العالمي، خصوصاً مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، وعلى رأسهم بلدان الاتحاد الأوروبي.

يتوقع بنك المغرب أن يسجل العام المقبل انخفاضاً في معدل التضخم إلى ما دون 2%، وهو توقع يعتبره عمر باكو في محلّه بالنظر إلى انخفاض أسعار النقل البحري في الشهور الماضية، وهي التي تلعب دوراً كبيراً في غلاء السلع في العالم وبالتالي ارتفاع التضخم، ناهيك باستقرار أسعار النفط.

سجّلَت ميزانية المغرب عجزاً بقيمة 30.4 مليار درهم (نحو 3 مليارات دولار) بنهاية أغسطس، وفقاً لوزارة الاقتصاد والمالية، إذ شهدت النفقات ارتفاعاً بقيمة 22 مليار درهم، نجمت بشكل أساسي عن الدعم المخصص لقطاع النقل، وزيادة الإنفاق على السلع والخدمات.

بخصوص توقعات النمو الاقتصادي، تبقى متسمة بعدم اليقين حالياً، إذ حذّر البنك الدولي مؤخراً من توجه العالم نحو ركود اقتصادي في 2023 وسلسلة من الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ورغم هذه النظرة التشاؤمية للبنك، فإن المغرب يتوقّع أن يصل متوسط معدل النمو خلال الأعوام الثلاثة المقبلة إلى 4%، مقابل نمو متوقّع بنسبة 1.5% خلال العام الحالي.

محللو بنك التمويل والاستثمار "سي دي جي كابيتال" (CDG CAPITAL)، يرجّحون أيضاً إبقاء بنك المغرب على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 1.5%، مع الأخذ بالاعتبار توقعات عودة التضخم إلى مستويات أقل خلال العام المقبل.

وأشاروا، في مذكرة صادرة مؤخراً، إلى أنّ توقّع عدم رفع سعر الفائدة من قِبل بنك المغرب "يستحضر كون مصدر التضخم الحالي خارجياً، ناهيك بضرورة الاستمرار في ضمان شروط تمويل مناسبة لدعم الانتعاش الاقتصادي المتأثر بتداعيات كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية".

"سي دي جي كابيتال" نوّه أيضاً بأن انعقاد مجلس بنك المغرب "يأتي في سياق وطني ودولي شديد الصعوبة، يتسم أساساً بمستويات عالية من التضخم وتباطؤ في النمو الاقتصادي الوطني نتيجة ضعف الموسم الفلاحي، ناهيك بقرارات البنوك المركزية في البلدان المتقدّمة بمواجهة التضخم، وتأثير ذلك في تحركات رؤوس الأموال وظروف تمويل الاقتصادات".

احتمال الرفع

يؤكد أوراز أن "قرار بنك المغرب برفع سعر الفائدة لن يخفّض معدل التضخم، لأنه مستورد"، وأضاف أن "قيمة الدولار ارتفعت بعد خطاب فلاديمير بوتين وقراراته العسكرية الجديدة بخصوص أوكرانيا. وبالنسبة إلى المغرب هذا ليس جيداً لأن دولاراً مرتفعاً يعني تضخماً أكثر".

في المقابل، يرى باكو أن ارتفاع معدل التضخم إلى مستوى 8% يمكن استخدامه مبرراً من قِبل بنك المغرب لرفع سعر الفائدة بنسبة 0.25%، لكنه أشار إلى أن المركزي "يبني قراراته بصفة عامة على توقعات المستقبل لا معطيات الحاضر".

يَعتبر يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحوكمة والتسيير، أن المغرب "بحاجة إلى رفع سعر الفائدة الرئيسي ليصل إلى نسبة 2.5%، بهدف تحقيق توازن بين العرض والطلب في السوق لتخفيف الضغوط التضخمية".

ويوضح لـ"الشرق" أن بقاء سعر الفائدة منخفضاً "ينتج عنه ارتفاع في الطلب الداخلي أمام ضعف العرض، وبالتالي استمرار ارتفاع معدل التضخم، وهو ما يؤثر في الطبقة المتوسطة بشكل أكبر"، لافتاً إلى أن التحكم بالتضخم المستورد الذي تعيشه البلاد حالياً ممكن جزئياً، من خلال رفع سعر الفائدة لخفض الطلب الداخلي، وهو قرار يحتاج إلى جرأة كبيرة من قِبل بنك المغرب".

في مقابل حذر البنك المركزي، اتخذت الحكومة عدداً من القرارات لتخفيف أثر التضخم في المواطنين، إذ خصصت إنفاقاً إضافياً لصندوق المقاصة الذي يدعم أسعار غاز البوتان والسكّر والدقيق، وصرفت دعماً مالياً مباشراً للعاملين في قطاع نقل المسافرين والبضائع، لكن ذلك لم يحُل دون ارتفاع مستمرّ لمعدل التضخم.

بدأ المغرب مطلع سبتمبر تطبيق زيادة على الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، بواقع 6% و10% على التوالي، بعد اتفاق وُقّع شهر مايو الماضي مع النقابات الكبرى واتحاد أصحاب العمل.

الحكومة أفادت في بيان بأن "هذه الزيادات ستدعم القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، رغم صعوبة الظروف وانعكاسات الأزمات العالمية المتتالية على الإمكانيات المالية للدولة".

تصنيفات

قصص قد تهمك