كيف تتصدى تداولات الكهرباء للظلام في أوروبا؟

القارة تحتضن سوقاً تريليونية للشراء والبيع عبر الشبكات الإقليمية

time reading iconدقائق القراءة - 7
أضواء مشتعلة بمنازل داخل مجمع سكني ليلاً في برلين، ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
أضواء مشتعلة بمنازل داخل مجمع سكني ليلاً في برلين، ألمانيا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تواجه شبكات الكهرباء في أوروبا اختباراً صعباً هذا الشتاء، في ظل تهديد الإمدادات بسبب انهيار واردات الطاقة الروسية، وانقطاعات الطاقة النووية في فرنسا، وتضاؤل احتياطيات الطاقة الكهرومائية. سيخوض معركة تجنب انقطاع التيار الكهربائي هذه جزئياً المتداولون المتخصصون، ممن يوردون الكهرباء عبر الحدود إلى المناطق التي يصل فيها الطلب والأسعار لأعلى مستوياتها. لن يكون هناك مجال للخطأ؛ فقد تؤدي أي حالات انقطاع غير مخططة لمحطات الطاقة الكبرى، أو أعطال مفاجئة في كابلات النقل، إلى إغراق مدن كاملة في الظلام، وإجبار المصانع على التوقف عن العمل.

1. ما طرق تداول الكهرباء الأوروبية؟

بدأت المملكة المتحدة ودول الشمال في تحرير الأنظمة المركزية للطاقة في أوائل التسعينيات. تطور ذلك وتحول إلى سوق قوامها تريليون يورو تُشترى وتُباع فيها الكهرباء عبر الشبكات الإقليمية. جاء جزء كبير من هذا النمو مع ظهور مزارع طاقة الرياح والألواح الشمسية كمصادر مهمة لتوليد الطاقة. أدت الإمدادات غير القابلة للتنبؤ بها لطاقتي الرياح والشمس إلى احتياج حجم أكبر ومجموعة هائلة من الصفقات، لتحقيق الاستقرار بعيداً عن الارتفاعات والانخفاضات القياسية في العرض. يمكن للمتداولين حالياً شراء وبيع الطاقة في فترات تناهز 15 دقيقة، وتسليمها في اليوم نفسه عبر بورصة "إبكس سبوت" (Epex Spot)، التي تعد أكبر سوق للعقود قصيرة الأجل. تركز مجموعات التداول الأخرى على ما يعرف باسم "المنحنى" أو العقود الأطول أجلاً. يدرس هؤلاء المتداولون اتجاهات عرض الطاقة والتغيرات الطفيفة في الطلب المنزلي والصناعي للتعامل مع العقود التي تُسلم بعدها بسنوات. وتُبرم عدة آلاف من الصفقات يومياً.

2. ما دور متداول الكهرباء؟

ما يميز متداولو الكهرباء عن أقرانهم في النفط أو المعادن أو المحاصيل الزراعية هو الكم الهائل من البيانات التي يحتاجون إلى تتبعها، مثل: التعرف على ماهية محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود الأحفوري، وحجم الطاقة اللازمة للتصنيع، ودلالات اتجاهات أسعار السوق، وتقارير الطقس، ومزيج توليد الطاقة بشكل عام، مما يضيف تعقيداً أكبر إلى حساباتهم.

اقرأ المزيد: أسعار الكهرباء في أوروبا تصل لمستويات قياسية مع تصاعد تكلفة الغاز

أصبحت الأسواق قصيرة الأجل مؤتمتة بشكل متزايد، لكن البشر ما زالوا يبتكرون استراتيجيات التداول. أما الأسواق الأطول أجلاً، فيحلل المتداولون فيها عوامل مثل: تكلفة تشغيل محطة تعمل باستخدام الغاز للعام التالي، أو مدى تأثير أسعار الطاقة المتزايدة على تراجع طلب المصانع في أنحاء متفرقة من المنطقة.

3. كيف يساهم التداول في توازن الشبكات؟

يجب تحقيق التوافق بين العرض والطلب في كل الأوقات للحفاظ على استقرار التيار الكهربائي وتجنب الانقطاعات. يعتمد التداول بين الدول على نظام المزاد اليومي. كما تقدم شركات المرافق عطاءات لمقدار ما تريد شراءه وبيعه على أساس الساعات المتوقع احتياجها في اليوم التالي. ترتبط أجهزة الكمبيوتر في البورصات الوطنية بتلك الخاصة بشركات إدارة شبكات الكهرباء، مما يتيح اختيار حجم التدفقات بناءً على تغيرات الأسعار. هناك أيضاً سوق لتداول الكهرباء خلال اليوم نفسه عبر الحدود. وتتحدد كمية الكهرباء التي يمكن شراؤها وبيعها بين الدول جزئياً بناءً على سعة "الموصل البيني" الفعلية التي تشتريها الشركات مقدماً.

4. ما هو الموصل البيني؟

كابل كهربائي يربط بين سوقين وطنيين، على سبيل المثال عبر الأسلاك الممتدة في قاع البحر بين فرنسا والمملكة المتحدة، أو تلك المدفونة تحت الأرض، ويمكن أن يتم ذلك فوق سطح الأرض باستخدام أبراج نقل الطاقة المعروفة باسم أبراج الضغط العالي. هذه الكابلات تمتلك سعة أكبر، في بعض الأحيان تعادل نفس مقدار الطاقة التي يمكن إنتاجها من مفاعل نووي، مقارنة بخطوط الطاقة التقليدية عالية الجهد. هناك المئات من هذه الموصلات في أوروبا، وبعضها مرتبط ببلدان خارج السوق الداخلية للمنطقة.

ألمانيا تحتفظ بمحطاتها النووية نشطة مع بحث أوروبا عن حلول لأزمة الكهرباء

يحقق المتداولون ربحاً من خلال استغلال فروق الأسعار بين الدول. لكن الكابلات تؤدي أيضاً دوراً أكبر في تحقيق التوافق بين العرض والطلب على نطاق مساحة أكبر. كان من الممكن أن ترتفع أسعار الطاقة القياسية التي شهدناها في 2022 إلى مستوى أعلى إذا لم تكن هناك موصلات بينية تتيح للمشترين الوصول لمجموعة أكبر من الموردين، مما يجعل السوق أكثر كفاءة.

5. ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟

انشغلت شركات شبكات الكهرباء بربط الأسواق الوطنية للمساعدة في مواجهة عدم القدرة على التنبؤ بإمدادات مصادر الطاقة المعتمدة على الطقس، والاستفادة من انخفاض أسعار الطاقة الخضراء. يعتمد كل شيء على الحفاظ على تردد الشبكة الثابت، وهو 50 هيرتز بالنسبة لأوروبا. أظهر توقف محطة فرعية كرواتية في يناير من العام الماضي الخطر الذي يمكن أن يهدد النظام بأكمله بسبب مشاكل صغيرة غير متوقعة. أجبر انقطاع التيار الكهربائي مديري الشبكة على تقسيم الشبكة الأوروبية لجزأين بهدف تجنب انقطاع التيار الكهربائي على مستوى القارة. وهناك أيضاً مشكلات تحدث عندما يُخطأ مديرو الشبكة أو المتداولون في عملية حسابية أو لا يضغطون على زر غير صحيح على لوحة المفاتيح.

أسعار الكهرباء في فرنسا تتجاوز 1000 يورو للمرة الأولى

في سبتمبر الجاري، باعت إحدى شركات المرافق الإقليمية الفرنسية كميات هائلة من الطاقة عن طريق الخطأ، مما أجبر مشغل الشبكة في البلاد على طلب إمدادات احتياطية من المملكة المتحدة وإسبانيا.

6. كيف يستعد مشغلو شبكات الكهرباء للشتاء؟

لتجنب انقطاع التيار الكهربائي، عادةً ما يكون لدى شركات المرافق مصروفات هامشية، وهي مبلغ احتياطي يؤمنهم إذا ما حدثت مشكلة. يمكنهم أيضاً تشغيل مولدات الطوارئ، ومطالبة الدول القريبة بزيادة الصادرات. دفعت التحذيرات المستمرة من السلطات الوطنية ما يقرب من 200 مليون أسرة وشركة في أوروبا إلى توقع بعض الاضطراب على الأقل خلال الأشهر المقبلة. في 14 سبتمبر الجاري، أعلنت فرنسا مسبقاً أنها تتوقع إصدار تنبيهات للحد من الطلب في فصل الشتاء عدة مرات خلال الـ6 أشهر المقبلة. أما بالنسبة للمتداولين، فإن التقلب القياسي في السوق يجعل الأشهر القليلة المقبلة مثيرة للقلق للغاية، إذ سيكون البعض بصدد تحقيق أرباح ضخمة، فيما سيخسر البعض الآخر أموالاً كثيرة إذا اتخذوا قرارات تجارية خاطئة.

تصنيفات

قصص قد تهمك