بلومبرغ
شهد اقتصاد جنوب أفريقيا تراجعاً دون المستويات التي كان عليها قبل تفشي جائحة كورونا، بعد أسوأ موجة فيضانات ضربت البلاد منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، كما أسهم انقطاع التيار الكهربائي الحاد في انكماش الاقتصاد خلال الربع الثاني.
انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.7% خلال الأشهر الثلاثة حتى يونيو، هبوطاً من نمو معدل بنسبة 1.7% خلال الربع السابق، حسبما ذكرت هيئة الإحصاء في جنوب أفريقيا يوم الثلاثاء في تقرير صدر في العاصمة بريتوريا. حيث يُعتبر أول انخفاض تشهده البلاد منذ الربع الثالث من العام الماضي، بعد أن أثّرت أعمال الشغب الدامية والهجوم الإلكتروني على شركة الموانئ المملوكة للدولة وشركة الشحن للسكك الحديدية بشكل كبير على الاقتصاد.
توقّع نحو 13 خبيراً اقتصادياً خلال استطلاع أجرته "بلومبرغ، انخفاضاً بنسبة 0.8%. بينما نما الاقتصاد بنسبة 0.2% خلال الربع الثاني على أساس سنوي، فيما أشارت بعض التوقعات في استطلاع منفصل إلى نمو بنسبة 0.6%.
جنوب أفريقيا تستعين بالقطاع الخاص لحل أزمة الكهرباء الحادة
عوامل مؤثّرة
بمبلغ سنوي قدره 4.57 تريليون راند (أي ما يُعادل 266.2 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة حتى يونيو، تراجع الناتج المحلي الإجمالي الآن بنحو 21 مليار راند عن الربع الرابع من عام 2019، قبل تفشي الجائحة.
يأتي هذا الانخفاض الفصلي بعد أن تسببت الأمطار الغزيرة في مقاطعة كوازولو ناتال الساحلية الواقعة شرق جنوب أفريقيا، وهي ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي لجنوب أفريقيا، في فيضانات وانهيارات أرضية جرفت الطرق والجسور والمنازل، وأوقفت عمليات الإنتاج في مصانع السيارات، ودمرت البنية التحتية في أكبر ميناء للحاويات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. كما أسهم انقطاع التيار الكهربائي -الذي شهدته القارة لأكثر من نصف أيام الربع الثاني، وفقاً لحسابات "بلومبرغ"- في تراجع الاقتصاد.
لا يزال اقتصاد أفريقيا الأكثر تصنيعاً عالقاً في أطول مرحلة هبوط يشهدها منذ الحرب العالمية الثانية ولم ينمُ بأكثر من 3% سنوياً منذ عام 2012. ولا تزال الإصلاحات السياسية البطيئة وضعف معنويات الشركات وارتفاع معدلات الجرائم تُلقي بثقلها على الإنفاق الاستثماري الثابت، مع قلق الشركات الخاصة من تخصيص مبالغ كبيرة من المال واستثمارها في المشاريع المحلية. كما ارتفع إجمالي تكوين رأس المال الثابت بنسبة 0.5% عن الربع السابق.
معنويات المستهلك
نما إنفاق الأسر، الذي يمثل نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 0.6% خلال الربع الثاني. ومن المرجح أن يتعرّض الإنفاق الاستهلاكي للأسر المعيشية لمزيد من الضغوط مع معاناة المستهلكين الراهنة من ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية والإجراءات التشددية لرفع أسعار الفائدة بشكل عدواني. حيث تشهد معنويات المستهلكين حول التوقعات المستقبلية أسوأ حالاتها منذ منتصف 1980 عندما واجهت البلاد طفرة في المعارضة العنيفة لحكم الأقلية البيضاء.
يشكّل تباطؤ النمو الاقتصادي وتفاقم ضغوط ارتفاع الأسعار تهديداً للاستقرار الاجتماعي في واحد من أكثر المجتمعات تفاوتاً في العالم، مُعقِّداً بذلك الجهود الرامية إلى خفض العجز المالي والديون، كما تدرس الحكومة توسيع شبكة الرعاية الاجتماعية في بلد يحصل فيه ما يقرب من نصف السكان على منحة اجتماعية واحدة على الأقل. في هذا الإطار، يُنظر إلى ظاهرة عدم المساواة الملحوظة والفقر المُدقع والارتفاع الكبير في معدلات البطالة على أنها إرث لنظام الفصل العنصري الذي أضرّ بالأغلبية السوداء.
لن يصل النمو الاقتصادي في الربعين الثالث والرابع من العام إلى عتبة 1%، وفقاً لتوقعات البنك المركزي. حيث يُعتبر ارتفاع أسعار الفائدة، وتآكل القوة الشرائية للمستهلكين، واضطرابات سلاسل التوريد الناجمة عن الإجراءات التي فُرضت تحقيقاً لاستراتيجية الصين "صفر كوفيد"، والتوترات الناجمة عن الحرب الأوكرانية في الاتحاد الأوروبي، من بين المخاطر التي تهدّد توقعات النمو المحلي للنصف الثاني من عام 2022.