أسهم شركات الدفاع أكثر من مجرد ملاذ من الركود

time reading iconدقائق القراءة - 15
دبابة قتال تابعة للجيش الأمريكي من طراز \"أبرامز\" (M1A1 Abrams) خلال تدريب مشترك متعدد الجنسيات - المصدر: بلومبرغ
دبابة قتال تابعة للجيش الأمريكي من طراز "أبرامز" (M1A1 Abrams) خلال تدريب مشترك متعدد الجنسيات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عادة ما تكون أسهم شركات صناعة الأسلحة، من طائرات مقاتلة وسفن حربية وصواريخ، أحد أفضل الملاذات الدفاعية للمستثمرين عندما تترنّح الاقتصادات، أما في هذه الأيام، فإن الصراعات والتوترات الجيوسياسية، تجعل من هذه الأسهم مكوّنات رئيسية في الترسانة الهجومية أيضاً.

عندما يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى تآكل الطلب أو اهتزاز السوق بسبب صدمة خارجية، تميل ميزانية الحكومة الأميركية في الغالب إلى الاستقرار، لا سيما لجهة الإنفاق على الجيش، ما يجعل أسهم شركات، مثل "لوكهيد مارتن" (Lockheed Martin) و"نورثروب غرومان" (Northrop Grumman) وغيرهما، أسهماً جذّابة في ظل تزايد المخاوف من الركود.

هناك بعض المخاطر، بما في ذلك تركيز الرئيس الأميركي على البرامج الاجتماعية أكثر من الدفاع. في العادة، تتم موازنة هذا الأمر مع مرور الوقت، من قبل إدارة تسعى إلى بناء الجيش. فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، لم تتأرجح كفتي الميزان بشكل كبير مع متوسط إنفاق دفاعي يبلغ 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعزز ثبات النمو، وإن لم يكن نمواً كبيراً، في مبيعات شركات الدفاع.

الآن، تتغير هذه المعادلة على الأرجح، بما يتناسب مع الزيادة المفاجئة في المخاطر الجيوسياسية التي زادت من تدفقات طلبات شراء الأسلحة. فقد أعلنت "جنرال ديناميكس" (General Dynamics) في 25 أغسطس، أنها ستزوّد بولندا بـ250 دبابة من طراز "أبرامز"، بتكلفة إجمالية تصل إلى نحو 1.1 مليار دولار. كما جرى التعاقد مع "نورثروب غرومان" في أغسطس، من أجل تعزيز أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية، ما سيوفّر للشركة إيرادات تصل إلى نحو 3.3 مليار دولار. كذلك حصلت "لوكهيد مارتن" في يونيو الماضي على طلبية بقيمة 4.4 مليار دولار، لتوريد ما يصل إلى 255 طائرة هليكوبتر من طراز "بلاك هوك"، بما يتضمن خيارات للجيوش الأميركية والأجنبية.

تزايد الإنفاق العسكري

في الوقت الذي تراقب فيه الدول، تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية والحرب الدائرة هناك، فإنها تعمل على زيادة إنفاقها العسكري. وفي الوقت ذاته، يزداد التوتر بسبب علاقة الرئيس الصيني شي جين بينغ الوثيقة بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، خصوصاً مع مشاركة القوات الصينية في التدريبات المشتركة التي تستضيفها روسيا؛ إلى جانب القلق بشأن استعراض الصين قوتها العسكرية حول تايوان مؤخراً، وتصاعد التوترات عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى الجزيرة في أغسطس.

برز اندفاع المستثمرين تجاه أسهم شركات الدفاع عقب انطلاق غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، ما دعم الارتفاع الجماعي للأسهم هذا العام، وإن كان بنسب متفاوتة، إذ ارتفعت أسهم كل الشركات التي يتركز نشاطها في صناعة الأسلحة، ومن بينها "نورثروب غرومان"، و"لوكهيد مارتن"، وشركة صناعة السفن الحربية "هنتنغتون إنغلس إندستريز" (Huntington Ingalls Industries)، بأكثر من 18 % هذا العام، كما ارتفع سهم الشركة التي تصنع الطائرات الخاصة إلى جانب الدبابات والغواصات النووية، "جنرال ديناميكس" 11%، بينما ارتفع سهم شركة بيع المحركات النفاثة لشركتي "بوينغ" و"إيرباص" وكذلك الطائرات الحربية، "رايثيون تكنولوجيز" (Raytheon Technologies Corp)، 5% فقط.

أداء متميز

يُعدّ أداء الشركات متميزاً مقارنة بانخفاض مؤشر "ستاندرد آند بورز500" بنسبة 16% منذ بداية العام، لذلك لم تعد تلك الأسهم رخيصة، لكن في المقابل، يتزايد زخم الطلب على المعدات العسكرية.

قال بيل ستون، مدير الاستثمار، الذي يشارك في إدارة 18 مليار دولار في "غلين فيو ترست" (Glenview Trust Co): "يمكنك أن تثبت أنك حصلت على مفاجأة إيجابية محتملة، من خلال النظر إلى الإنفاق على الدفاع". اشترى ستون أسهم شركات "لوكهيد مارتن"، و"رايثيون تكنولوجيز" و"جنرال ديناميكس" في 2021، ضمن استراتيجية دفاعية، وتمسّك بها مع توقعات بأن تسجل هذه الشركات زيادة في الإيرادات. وأضاف ستون: "لم تعد مغرية للشراء الآن، لكن هناك بالتأكيد جانب إيجابي".

أسوأ تخصيص للأموال

قد يكون الاستثمار في أسهم شركات الدفاع مثيراً للجدل، حيث تصنع تلك الشركات منتجات لقتل الناس أو تدمير المباني والجسور. لو أن السلام يسود العالم، لوجب حينها تصنيف ما يوجّه من عمل ومال نحو صناعة الأسلحة، بأنه أسوأ تخصيص لرأس المال. فتلك الاستثمارات لا تزيد الإنتاجية ولا تلبي احتياجات تسهم في تحسن حياة المستهلكين، بل وعلى العكس من ذلك، فإن الهدف من إنفاق الحكومات حول العالم 2 تريليون دولار في عام 2020 على شراء الأسلحة، يتمثّل بالتحديد في تدمير الإنتاجية، والأصول، وحياة الناس.

بالتأكيد العالم لا ينعم بالسلام، حيث تلاشت "ثمار السلام" عقب انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي اللذين أصبحا من التاريخ. وقد تشعر الدول ومواطنوها بالضعف إذا تخلفوا عن الركب في الوقت الذي تتسلح فيه دول أخرى، مع وجود تاريخ من العداء فيما بينها، وهو الأمر الذي يفسر رغبة بولندا في شراء 250 دبابة "أبرامز".

على الرغم من ذلك، صنّفت معايير الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية مؤخراً، شركات الدفاع والطاقة معاً، ضمن الشركات الخاسرة في ما يتعلق بالاستثمار المستدام. ربما لم يفكر مديرو الاستثمار الذين تشككوا من قبل بشأن شركات الدفاع، في الأمر بشكل مفصّل.

البديل هو التأميم

رفض فيبي نوفاكوفيتش، الرئيس التنفيذي لشركة "جنرال ديناميكس"، وداريوس أدامكزيك، الرئيس التنفيذي لشركة "هوني ويل إنترناشيونال" (Honeywell International)، نتائج معايير توجهات الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، التي صنّفت شركات الدفاع في عام 2021، باعتبارها خطراً على الأمن القومي، أي قبل وقت طويل من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي أثبت صحة السياسة الواقعية هذه.

قال أدامكزيك، إن الخلاصة المنطقية لتوجهات الحوكمة البيئية والمجتمعية والمؤسسية، هي أن الحكومات ستكون مجبرة على السيطرة على شركات صناعة الأسلحة المدرجة، لضمان عدم توقفها عن العمل وخروجها من السوق. وأضاف في مقابلة أجريت معه في أغسطس 2021 في مقر "بلومبرغ" في نيويورك: "هل نقترب من تأميم شركات الدفاع كافة؟ لأنها إذا أصبحت غير قابلة للاستثمار، لا بد من تأميمها كمسار إجباري".

على الأرجح، لا يرغب المستثمرون في حرمان أوكرانيا من أنظمة الصواريخ المدفعية عالية الحركة وطويلة المدى، "جافلين"، وهي الصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للدروع، التي تصنعها "لوكهيد مارتن" من خلال مشروع مشترك مع "رايثيون تكنولوجيز".

الحقيقة هي أن الإنفاق الدفاعي العالمي، نما بنسبة 5% على مدى عقدين حتى 2020 (آخر عام تتوافر له الأرقام). خلال تلك الفترة، نما الإنفاق الدفاعي لدى الصين بمعدل 13% سنوياً، وروسيا بمتوسط ​​11%، على الرغم من أن بوتين كان قد بلغ ذروة الإنفاق العسكري في 2013، قبل انهيار سوق النفط في 2014.

سباق تسلّح

لا يزال إنفاق الولايات المتحدة على الجيش يعادل 3 أضعاف ما تنفقه الصين، وفقاً لميزانيات عام 2020. وخلال العامين الماضيين، كثّف البلدان إنفاقهما، على غرار توجهات باقي دول العالم لزيادة التسلّح أيضاً. إلا أن لدى الولايات المتحدة متسعاً لمزيد من الإنفاق، بعدما انخفض في عام 2021 إلى 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المتوسط المسجل ​​على مدى ثلاثة عقود.

قال كين هربرت، المحلل لدى "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets) في تقرير بعنوان "الحرب الباردة الجديدة"، بدأ به تغطية شركات الدفاع هذا الأسبوع: "التصنيف الإيجابي للقطاع يرجع إلى ارتفاع الإنفاق الدفاعي وانخفاض التذبذب"، حيث عززت الحرب الروسية على أوكرانيا من الطلب، كما "يدعم استمرار خطر الصين، زيادة التمويل واستمرار تلك المعنويات في الأجل الطويل".

الخلاصة هي أنه، على الرغم من تفوق أسهم شركات الدفاع على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بشكل كبير هذا العام، إلا أنها لم تقترب من التقييم الكامل، في ظل تضخم الأعمال المتراكمة لتصنيع الأسلحة. لذلك، لن يضطر المستثمرون إلى التركيز على الطلب، ولكن على قدرة كل شركة على العمل بكفاءة. وإلى أن يحل السلام، ستبقى هناك حاجة إلى الأسلحة.

تصنيفات

قصص قد تهمك