بلومبرغ
كانت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا من بين أكبر داعمي مشروعات النفط والغاز والبتروكيماويات في روسيا خلال السنوات العديدة الماضية عبر وكالات التمويل التجاري التي لا يعرفها معظم الناس، مما ساعد على إثراء وحماية روسيا بينما كانت تستعد لـغزو أوكرانيا.
منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 وحتى أواخر عام 2021، ضمنت وكالات ائتمان الصادرات الألمانية والإيطالية والفرنسية ما يقرب من 13 مليار دولار لتمويل المشاريع الروسية، وفقاً للبيانات الحصرية التي جمعها "مجلس الاتصالات الاستراتيجية العالمية" (Global Strategic Communications Council)، وهي شبكة عالمية غير ربحية يشكل قوامها خبراء المناخ. كما أقرضت البنوك الحكومية في كل من ألمانيا وإيطاليا 425 مليون دولار أخرى لتمويل المشروعات الروسية.
ترتبط العديد من المشروعات التي حصلت على تمويل الوكالات الأوروبية بأفراد خاضعين للعقوبات، بما في ذلك ليونيد ميخلسون ثاني أغنى شخص في روسيا، وغينادي تيموشينكو صديق فلاديمير بوتين المقرب. كانت ألمانيا وإيطاليا قدمتا ضمانات بقيمة 4 مليارات دولار لمشروعات تتعلق بأكبر مصنع لمعالجة الغاز الطبيعي في روسيا، والتابع لشركة "غازبروم". يذكر أن عملاقة الغاز الروسية خضعت للعقوبات منذ فبراير، فيما يخضع رئيسها التنفيذي أليكسي ميلر لعقوبات منذ عام 2018.
صرحت مؤسسات "أويلر هيرميس" (Euler Hermes) الفرنسية، و"وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية" (SACE)، و"شركة ضمان الصادرات الفرنسية" (Bpifrance Assurance Export)، وشركة "كي إف دبليو- إيبيكس" التابعة لـ"بنك الائتمان لإعادة الإعمار" (KfW-IPEX Bank) الألماني، وبنك "كاسا ديبوستي اي بريستيتي" (Cassa Depositi e Prestititi) الإيطالي، لـ"بلومبرغ" بأنها علقت ضمان أو منح قروض جديدة للمشاريع الروسية بعد غزو أوكرانيا، حيث أكدت المؤسسات الخمس امتثالها للعقوبات السارية.
غياب الرقابة
لا تخضع عمليات العديد من وكالات ائتمان الصادرات لكثير من التدقيق العام، إذ عادةً ما تقدم هذه الوكالات الضمانات الائتمانية والقروض وحلول التأمين للشركات المحلية التي تزاول أعمالاً تجارية في أخطر المناطق حول العالم. قال ماركوس ألفاريز، رئيس قطاع التأمين للمؤسسات المالية العالمية لدى وكالة "دي بي آر أس مورنينغستار" (DBRS Morningstar) للتصنيف الائتماني، إن الشركات الفرنسية والإيطالية والألمانية ربما كانت ستبقى خارج روسيا على مدى العقد الماضي من دون هذا الدعم، واصفاً مؤسسات التمويل التجاري بأنهم "وكلاء الملاذ الأخير".
من جانبها، حظرت الولايات المتحدة على وكالة ائتمان الصادرات لديها إجراء أي معاملات في روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم. وعلى الرغم من تعليق الوكالات الأوروبية ضمان الأعمال التجارية الجديدة في روسيا؛ إلا أن أوليغ أوستينكو كبير المستشارين الاقتصاديين في أوكرانيا يضغط على الوكالات المعنية لحظر التمويل التجاري بصفةٍ دائمة. كما أدرج أوستينكو وكالات التمويل التجاري سالفة الذكر على قائمة طويلة تشمل الجهات الفاعلة في القطاع المالي، والذين ساعدوا في تمويل الحرب الروسية، على حد قوله.
لفت أوستنكو إلى أن: "هذه المؤسسات المالية الحكومية جعلت حكوماتها متواطئة في جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين، وملأت خزينة الحرب الروسية، وساعدت الكرملين في تأمين مسارات جديدة لتصدير النفط والغاز الملطخين بالدماء".
مخاطر مادية
يقول المحللون إن وكالات ائتمان الصادرات غير مُلزمة بالكشف عن تفاصيل القروض والضمانات التي تمنحها على الدوام؛ لذا يصعب تقدير تعرضها الحالي للمطالبات المالية المتعلقة بروسيا على وجه التحديد. غير أن المدة النموذجية لتمويلات المشاريع تتراوح بين 10 إلى 15 سنة، مما يشير إلى أن مليارات الدولارات من الضمانات والقروض قد تكون مستحقة اليوم.
في يونيو، تخلفت روسيا عن سداد ديونها السيادية لأول مرة منذ قرن، كما تخلفت الشركات المقترضة عن السداد، ما يوصف على أنه عجز عن سداد ديون روسية تقدر بالمليارات من الناحية التقنية.
لم تقدم أي مطالبات بشأن وكالة ائتمان الصادرات الألمانية منذ أن بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير، وفقاً لمتحدثة باسم وزارة الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي الألمانية التي ردت على الأسئلة الموجهة إلى "أويلر هيرميس". بينما امتنعت الشركات الأخرى عن التعليق على أي مطالبات مالية تتعلق بالمديونيات الروسية لديها.
قال ألفاريز إن هناك "تعرضاً للمخاطر المادية" بالنسبة لوكالات ائتمان الصادرات التي تقدم ضمانات دفع حال تخلف الشركات الروسية عن السداد، لكن "في ظل التمويل الكامل والدعم من حكومات بلدانهم، فإنه يحتمل إنقاذهم- وهذا يعني تغطية تمويلاتهم من أموال دافعي الضرائب".
صرح متحدث باسم "وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية" بأن تعرضها للمخاطر المادية "مراقب عن كثب وبعناية". لكن الوكالة الإيطالية رفضت مشاركة الأرقام الحالية، شأنها في ذلك شأن "أويلر هيرميس" و"شركة ضمان الصادرات الفرنسية" وبنك "كاسا ديبوست اي بريستيتي". قالت متحدثة باسم "بنك الائتمان لإعادة الإعمار" الألماني إن قرض البنك البالغ 42 مليون دولار لعملاقة الشحن الروسية "سوفكومفلوت" (Sovcomflot) سُدد في مايو 2022 "امتثالاً لجميع العقوبات السارية".
التصدير لآسيا
بدعم مالي أوروبي، ساعد ما لا يقل عن مشروعين روسيا على تطوير مسارات تصدير الغاز إلى آسيا، والتي اكتسبت بدورها أهمية بالغة لكفالة القدرة الروسية على تخفيف آثار العقوبات الغربية.
في عام 2021، ضمنت شركة "أويلر هيرميس" نيابة عن ألمانيا و"وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية" 25% من تمويل الديون البالغ 9 مليارات دولار لـ"مجمع آمور غاز للكيماويات" (Amur Gas Chemical Complex)، وهو مصنع للبتروكيماويات في شرق روسيا. يحتل المجمع موقعاً استراتيجياً لخدمة المشترين في الصين، فضلاً عن كونه مملوكاً جزئياً لشركة "سينوبك" (Sinopec) الصينية.
وافقت "وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية" في نفس العام على ضمان ما يزيد عن 560 مليون دولار من القروض التي منحها بنكا "كاسا ديبوست اي بريستيتي" و" انتيسا سان باولو" الإيطاليين لـ "أركتيك إل إن جي 2" (Arctic LNG 2)، وهي منشأة تنقيب عن الغاز في المنطقة الروسية من المحيط المتجمد الشمالي. من المقرر أن تبدأ منشأة "أركتيك إل إن جي 2" المثيرة للجدل إنتاجها في عام 2023، وبمجرد تشغيلها، ستتمكن روسيا من تصدير ما يقرب من 20 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً إلى الأسواق الآسيوية بشكل أساسي.
أفادت "رويترز" أن القروض المصرفية عُلقت اعتباراً من مارس، لكن الاتفاقات لم تُلغ. رفضت "وكالة ائتمان الصادرات الإيطالية" وبنك "كاسا ديبوست اي بريستيتي" الإدلاء بأي تعليقات لـ"بلومبرغ" على الأمر.
كبار المتقاعسين
واجهت المؤسسات المالية الحكومية ضغوطاً لخفض تمويلات تطوير قطاع الوقود الأحفوري في روسيا ومناطق أخرى قبل الحرب، وذلك في إطار الحملة الأوسع لخفض الانبعاثات وعكس آثار تغير المناخ. تعد وكالات ائتمان الصادرات من بين أكثر الداعمين حماسة للمشاريع الملوثة، حيث يتجاوز دعمها لمشروعات الوقود الأحفوري الدعم المخصص لمشروعات الطاقة المتجددة بـ11 ضعفاً خلال الفترة بين عامي 2018 و2020، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة "أويل تشينج إنترناشيونال" (Oil Change International) في أكتوبر الماضي.
قالت نينا بوشيتش، المحللة الاستراتيجية بالمنظمة سالفة الذكر، إن وكالات ائتمان الصادرات تعتبر "متقاعسة بشكل كبير" عندما يتعلق الأمر بسياسة المناخ "يعزى السبب جزئياً إلى تمكنهم من الاختباء خلف الأبواب المغلقة".
كانت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا من بين 34 دولة اتفقت العام الماضي على إنهاء التمويل الدولي الحكومي لمشروعات الفحم والنفط والغاز بحلول عام 2023.
قالت لوسي بينسون، المديرة التنفيذية لمنظمة "ريكليم فاينانس" (Reclaim Finance) في فرنسا "إن الطريقة الوحيدة لكي تتسق وكالات ائتمان الصادرات مع الالتزامات المتعلقة بالمناخ وحقوق الإنسان التي تعهدت بها بلادها هي التوقف عن دعم أي مشاريع جديدة للنفط والغاز والفحم بالمال العام. فتفويضهم برمته بحاجة إلى التغيير".