بلومبرغ
عاد العمال البريطانيون إلى سوق العمل بوتيرة سريعة مقارنةً بما كان عليه الحال قبل تفشي الجائحة حيث أعادت أزمة تكاليف المعيشة الراهنة في البلاد المزيد من المواطنين إلى العمل.
تراجع عدد الأشخاص خارج سوق العمل بمقدار 144000 في الربع المنتهي في مايو، حسبما قال مكتب الإحصاءات الوطنية يوم الثلاثاء. وارتفعت معدّلات التوظيف لتسجّل 296 ألفاً، حيث تجاوزت المستوى الذي كان قد توقّعه الاقتصاديون البالغ 170 ألفاً.
تشير الأرقام إلى تراجع محتمل في النقص الحادّ في الوظائف مع ملء العمال لعددٍ كبيرٍ من الوظائف الشاغرة التي أُتيحت عقب رفع الإغلاقات التي فُرضت في البلاد لاحتواء الجائحة. وقد يخفّف الاستمرار بهذه الوتيرة من مخاوف بنك إنجلترا بشأن ضيق سوق العمل الذي قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدّلات التضخم.
من جهتها، أوضحت كيتي أوشر، كبيرة الاقتصاديين في "معهد المديرين" أنّ سوق العمل لا يزال ضيّقاً. وأضافت: "مع ذلك، هناك احتمال بأن الأمور قد تتحسن".
بالنسبة لشهر مايو وحده، ارتفعت نسبة التوظيف مرة أخرى مقارنةً بالمستويات التي كانت عليها قبل تفشي جائحة كورونا لأول مرة، في إشارةٍ إلى أن سوق العمل يعود شيئاً فشيئاً إلى طبيعته.
ولا يزال عدد الأشخاص الذين لا يعملون ولا يبحثون عن وظائف أعلى بـ 378 ألف شخص مما كان عليه قبل تفشي كورونا في أوائل عام 2020.
وكان تراجع معدّلات الخمول، مع عودة الناس إلى سوق العمل، ملحوظاً في فئة كبار السن. بما في ذلك أولئك الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر، حيث انخفض مستوى الخمول بمقدار 225,000 - ومن بينهم 130,000 ممّن تتراوح أعمارهم بين 50 وما فوق.
تأثير التضخم على سوق العمل
لا يزال سوق العمل يشهد ضغوطا،ً تدّعي الشركات أنّها بدأت تؤثّر على إنتاجها. كما لا تزال معدّلات البطالة قريبة من أدنى مستوى سجّلته منذ عام 1974، بينما لا تزال الوظائف الشاغرة عند مستوى شبه قياسي.
تراهن أسواق المال على احتمال بنسبة 80% لرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة في أغسطس، بعد أن لمّح لمثل هذه الخطوة خلال الأسبوع الماضي.
في هذا الإطار، قال ديفيد فريمان، رئيس إحصاءات سوق العمل والأسرة في مكتب الإحصاءات الوطني: "لا تزال أرقام اليوم تشير إلى صورة مختلطة لسوق العمل". وأضاف: "على الرغم من تراجع عدد الأشخاص الذين لا يعملون ولا يبحثون عن وظيفة، إلاّ أنّه لا يزال مرتفعاً مقارنةً بما كان عليه قبل تفشي الجائحة".
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"
"أشارت بيانات الوظائف الأحدث في المملكة المتحدة إلى أن سوق العمل قد يبلغ "ذروته" في هذه الدورة الاقتصادية. ومع ذلك، عندما نرى ارتفاع نمو الأجور وارتفاع توقعات التضخم، نعتقد أن البنك المركزي لا يزال في طريقه لرفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في أغسطس".
- دان هانسون، "بلومبرغ إيكونوميكس".
مع اقتراب التضخم من رقمين، يستخدم العمال قوتهم التفاوضية للسعي إلى زيادة أجورهم. كما يهدّد موظفو القطاع العام بالإضراب إذا فشلت تسوياتهم. ويشعر بنك إنجلترا بالقلق من احتمال حدوث دوامة في أسعار الأجور التي قد تُعيق تراجع معدّلات التضخم كما كان متوقعاً.
وارتفع نمو الأجور باستثناء المكافآت، بوتيرة بطيئة مقارنةً بالتضخم. على الرّغم من تعديل الأجور بما يتماشى مع الأسعار الحالية، إلّا أنّها تراجعت فعلاً بنسبة 2.8%، أي أكثر من أي وقت مضى منذ بدء السجلات في عام 2001.
"يشهد العمال البريطانيون أسوأ ضغط على الأجور في التاريخ"، وفقاً لما قاله فرانسيس أوغرادي، الأمين العام لاتحاد نقابات العمال. مؤكّداً أنّه من غير الممكن الاستمرار على هذا النحو.
رفع الأجور
استقرت معدلات البطالة عند 3.8% خلال الأشهر الثلاثة حتى مايو. فيما يشهد اقتصاد بريطانيا حالياً المزيد من الوظائف الشاغرة - حوالي 1.3 مليون – أي ما يفوق عدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل. وأضافت شركات القطاع الخاص 31 ألف كشف رواتب في يونيو، وهي نصف الوتيرة التي توقعها الاقتصاديون. وقد تراجعت معدّلات تسريح الموظّفين لتسجّل مستوى قياسياً جديداً.
في هذا السياق، يمكن اتخاذ قرار بشأن زيادة أجور القطاع العام لنحو 2.5 مليون عامل في القطاع العام في وقت مبكر من اليوم. وأكّد الأطباء والممرضون والمعلمون والشرطة استعدادهم للإضراب ما لم تحقّق مطالبهم.
تُشير بعض التقارير إلى استعداد وزارة الخزانة لزيادة الأجور بنسبة 5%، أي أكثر من 3% التي اقترحتها كمبدأ توجيهي. وبلغ متوسط نمو الأجور في القطاع الخاص 7.2% في الأشهر الثلاثة الأخيرة، على الرغم من منحها على شكل مكافآت لمرة واحدة. في المقابل، نمت أجور القطاع العام بشكل أبطأ بكثير بنسبة 1.5%.
تأثير ارتفاع تكاليف المعيشة
من المتوقع أن يؤثر الضغط الذي تشهده مستويات المعيشة على الاقتصاد في وقتٍ لاحق من هذا العام ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يمنع ذلك بنك إنجلترا من رفع أسعار الفائدة، حيث حذّر واضع السياسة السابق مايكل سوندرز يوم الاثنين من أن تكاليف الاقتراض قد تتجاوز 2% في العام المقبل.
أصبح المستثمرون أكثر تشدداً، مع تسعير أسواق المال في زيادة قوية بمقدار نصف نقطة في أغسطس لتصل إلى 1.75% ومعدلات الفائدة عند 3% بحلول نهاية العام.
من جهته، ذكر ناظم الزهاوي وزير الخزانة البريطانية: "تؤكد أرقام اليوم مدى قوة سوق العمل لدينا، ما يحفّز العمال في ظلّ الأوقات الاقتصادية غير المستقرة". مضيفاً: "أنا أدرك تماماً مدى تأثير ارتفاع الأسعار على الدخل الذي يكتسبه العمّال بعد جهدٍ جهيد، لذلك نحن نحرص على تقديم المساعدة للأسر من خلال المنح النقدية والتخفيضات الضريبية".