كانت الدراجات الأولى متنوعة على صعيد الأحجام والأشكال والأنماط، وكانت تُعطى تسميات حيوية. مثلاً كانت درّاجة "الحصان المتأنق" بدون دواسات، إذ اعتمدت على الدفع بواسطة أقدام الشخص الذي يقودها، ما جعلها فعلياً عجلات مساعدة على المشي. بينما كانت دراجة "ربع فارثينغ" التي تحمل اسم العملة الإنجليزية القديمة، لها دواسات، إلا أن سائقها كان عليه الجلوس فوق عجلة أمامية ضخمة جداً مقارنة بالعجلة الخلفية الأصغر، بشكل مشابه للاختلاف بين حجم العملة المعدنية البريطانية القديمة والبنس الحالي. بينما كانت دراجات "رجاجّة العظام" مزودة بعجلات مصنوعة من الحديد والخشب، ولم تكن مناسبة للطرق الوعرة.
وكان العامل المشترك بين كافة هذه الدراجات أنها ليست مريحة وغير آمنة وباهظة الثمن.
تاريخ تطوّر الدراجات
في أواخر القرن التاسع عشر، ساهمت سلسلة من الابتكارات التكنولوجية في ظهور "الدراجات الآمنة" التي كان لها عجلتين متطابقتين، وسلسلة حديدية تتحرك بها الدواسات، وهيكل معدني، وإطارات قابلة للنفخ. وقدّر البريطانيون تلك الدراجات المتطورة، وما تقدمه من سلامة وراحة وتكلفة منخفضة. ومنحت هذه الدراجات البريطانيين من الطبقة الوسطى، ممن لم يكونوا قادرين على شراء حصان أو عربة بحصان، القدرة على التنقل بسهولة عبر المدن وفي الريف أيضاً، حتى على الطرق الوعرة. وكانت هذه الدراجات صديقة للبيئة أيضاً، حيث وفرّت حلاً منخفض التكلفة لما كان يُعرف بـ"أزمة روث الخيول الكبرى عام 1894"، في إشارة إلى المشكلة الناتجة عن انتشار روث الخيول التي كانت تنقل الأشخاص والبضائع عبر المدن، وما خلفته من فضلات كريهة الرائحة، ونشر للأمراض.
وسرعان ما تضاعف عدد صانعي الدراجات في بريطانيا خمس مرات ليصل إلى 833 من نحو 163 مصنْعاً، وحصل العديدين منهم على التمويل من خلال بيع الأسهم، وزاد عدد الشركات البريطانية المتداولة في البورصة، من صانعي الدراجات أو منتجي العجلات أو الإطارات، من أقل من 10 شركات في عام 1895 إلى 127 شركة عام 1897. وفي ذروتها عام 1896، أنتجت الشركات البريطانية 750 ألف دراجة سنوياً، تم تصدير العديد منها إلى الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى كانت مبهورة بالدراجات الآمنة، وتتوق للتخلص من مشكلاتها مع روث الخيول.
الفقاعة
كما الحال مع العديد من فقاعات مضاربات الأسهم، أدى ذلك الابتكار التكنولوجي إلى نمو الشركات المستفيدة من هذا الابتكار الجديد وارتفاع أسعار أسهمها، جاذبة المضاربين، الذين توقعوا استمرار ارتفاع الأسعار. وتحققت هذه التوقعات لبعض الوقت، حيث تضاعفت أسعار أسهم شركات صناعة الدراجات 3 مرات خلال شهرين في عام 1896، بينما كان يشهد سوق الأسهم بشكل عام تراجعاً.
وتغلبت العواطف على العقل. فخلال فقاعة زهور التوليب في القرن التاسع عشر، زاد المعروض من زهور التوليب (حتى انخفضت أسعارها بالنهاية) بسبب تكاثر بذور التوليب بشكل طبيعي. وخلال فقاعة الدراجات، أدى ظهور الشركات الجديدة إلى زيادة المعروض من الدراجات، وخاصة من الشركات الأميركية ذات خطوط الإنتاج الضخمة، والتي تنخفض تكلفتها بنسبة 50% مقارنة بالدراجات البريطانية التي كانت تصنع يدوياً. وتجاهل المتحمسون للصناعة مخاوف كثرة الإمدادات واندفعوا نحو مستقبل ستكون فيه الدراجات وسيلة النقل المهيمنة.
فكانت الدراجات أمراً ثورياً، لكن أسعار أسهم صانعي الدراجات باتت غير مرتبطة بأرباح شركات مصنعّي الدراجات، واستمر الحمقى في الإشارة إلى الثورة التي أحدثتها الدراجات، والجودة الفائقة للدراجات البريطانية، لكن مع ذلك تناقص المعروض من الجهات التي "تفوقهم حماقة".
وبعد تسجيلها لمستويات قياسية عام 1897، انخفضت أسعار أسهم شركات تصنيع الدراجات بنسبة 73% خلال سنوات قليلة، وكانت فقاعة الدراجات هذه مختلفة عن فقاعة التوليب وفقاعة شركة البحر الجنوبي، حيث لم يكن هناك هبوط مفاجئ، ولكن انكماش بطيء في القيمة، يشبه تسرب الهواء من ثقب صغير في إطار الدراجة.
ابتكار السيارات الكهربائية
بالانتقال تاريخياً بشكل متسارع إلى ثورة السيارات الكهربائية اليوم، وأكبر مشجعيها، إيلون ماسك، الذي تباهى في عام 2016 قائلاً إن "كافة السيارات التي تخرج من مصنع "تسلا" اليوم تتمتع بأجهزة من المستوى الخامس لديها القدرة على القيادة الذاتية. وإن كل سيارة نصنعها، من الطلبات البالغة ألفي سيارة أسبوعياً، يتم شحنها الآن وهي تحمل معدات المستوى الخامس، ما يعني أن الأجهزة المزودة بها لديها القدرة على القيادة الذاتية الكاملة، أو بدون سائق". أعجب كثير من المشاهدين بمقطع الفيديو الترويجي، وعلق أحدهم: "يا له من يوم نشهده في حياتنا".
لكن للأسف، يلزم طريق طويل دائماً حتى تتحول نظرية إثبات المفهوم إلى منتج قابل للتطبيق. ومن بين 6 مستويات للقيادة الذاتية، لا تزال سيارات "تسلا" عالقة في المستوى الثاني، مع ملاحظات إصدار في برنامجها "التجريبي الكامل للقيادة الذاتية" بتحذيرات تنص على أنه "يمكنه القيام بالتصرف الخاطئ في أسوأ الأوقات، لذلك يجب عليك دائماً إبقاء يديك على عجلة القيادة وإيلاء اهتمام مضاعف للطريق".
وهي نصيحة حكيمة بأخذ كمية الثغرات التي تم الإبلاغ عنها في البرنامج ، ومنها تجاهل سيارات "تسلا" أحياناً لمطبات السرعة وعلامات التوقف.
الشركة العملاقة
تجاوزت القيمة السوقية لشركة "تسلا" تريليون دولار في أكتوبر 2021، بما يساوي إجمالي مجموع القيم السوقية لشركات تصنيع السيارات العشرة التي تليها. في ظل الركود الحالي في سوق الأسهم، تراجعت القيمة السوقية لشركة "تسلا" إلى 800 مليار دولار، وبالرغم من ذلك، تبقى قيمتها السوقية تفوق 100 مرة أرباحها. ويعتقد محللون بارزون أن سهمها رخيص حالياً، حيث توقع ألين رووت، الكاتب المخضرم لدى "بارون" (Barron)، تخطي سعر سهم "تسلا"، الذي يبلغ حالياً 700 دولار، مستوى 3000 دولار بحلول عام 2030، بينما كانت تاشا كيني، محللة "آرك" (Ark) أكثر جرأة، وتوقعت أن يصل سعر السهم لذلك المستوى بحلول عام 2026.
حماسة مبالغ بها
تفترض توقعات سعر 3000 للسهم بحلول عام 2030، أن 60% من مبيعات السيارات بكافة أنحاء العالم بحلول ذلك العام، ستكون كهربائية، وأن 20% منها ستكون من سيارات "تسلا"، ما يصل بالحصة السوقية للشركة إلى 10 ملايين سيارة بحلول عام 2030، مقارنة بأقل بقليل من مليون سيارة في عام 2021. بينما تشير توقعات الوصول لذلك السعر بحلول عام 2026، إلى افتراض بيع "تسلا" ما يتراوح بين 5 و10 ملايين سيارة في ذلك العام، وهي توقعت أيضاً سعر يبلغ 3000 دولار للسهم.
سيارات "تسلا" هي سيارات جيدة (عائلتي تمتلك اثنتين منها)، لكن هناك فرق كبير بين السيارة الجيدة والسهم الرائع. هذه التوقعات الحماسية لها أوجه تشابه مع الحماس الجامح حول الدراجات منذ 125 عاماً. من الناحية الاقتصادية، تُعد السيارات الكهربائية ابتكاراً تقنياً رائعاً، ويتضح ذلك من الجهود الحثيثة لشركات صناعة السيارات الجديدة والرائدة لتصنيع السيارات الكهربائية.
وحالياً، كما حصل وقت الدراجات، لا يبدو أن المتحمسين فكروا في تداعيات القفزات الكبيرة الفقاعة التي تلوح في الأفق من ناحية العرض. حيث سوف تتنافس السيارات الفارهة مثل "بي إم دبليو"، و"مرسيدس بنز"، و"أودي" مباشرة مع "تسلا"، بينما ستوفر شركات أخرى مثل: "بي واي دي"، و"جنرال موتورز"، و"هيونداي"، و"نيسان" سيارات جذابة أيضاً وبنصف السعر.
تستحوذ "تسلا" حالياً على 14% من سوق السيارات الكهربائية بكافة أنحاء العالم، تليها "فولكس واجن" بنسبة 12%، و"إس إيه آي سي موتور" (SAIC) بنسبة 11%. لذلك يمثل افتراض ارتفاع حصة "تسلا" إلى 20% من السوق العالمية خلال السنوات العشر المقبلة أمراً يتخطى التفاؤل، ويقترب من الهذيان.
كان لدى "تسلا" بداية قوية على صعيد تصميم البطاريات، وأنظمة مساعدة السائق، لكن السيارات الكهربائية ذات البطاريات الصلبة، على وشك تغيير وجه المنافسة في البطاريات. ولا تزال السيارات ذاتية القيادة بالكامل بعيدة المنال، ولا تحظى بثقة المستهلكين. و"تسلا" تصبح بشكل متزايد مجرد واحدة من بين العديد من شركات السيارات الكهربائية التي تتزايد بشكل مطرد، كما أصبح صانع الدراجات الأول، واحداً من بين العديد من المصنعين مع الوقت.
انتهت فقاعة الدراجات البريطانية مع تذمر المتضررين منها، ومن المرجح أن ينطبق الأمر نفسه على فقاعة "تسلا".