بلومبرغ
تجاوزت ضوابط الأسعار، التي تم تصميمها لتجميد تكاليف الغذاء خلال تفشي جائحة كورونا في الكويت منذ فترة طويلة، أسوأَ ما في مرحلة الوباء، لكنَّها تسبّبت في فوضى اقتصادية عشوائية بعد عامين من تطبيقها.
اتخذت واحدة من أغنى دول العالم إجراءً مؤقتاً لبلد يعتمد على استيراد أكثر من 90% من غذائه. لكن مع تفاقم الآثار الجانبية لضوابط الأسعار، حيث تتمثّل بزيادة التكلفة على الشركات والمستهلكين؛ تمثل تجربة الكويت درساً لعدد كبير من الدّول التي تفرض أو على الأقل تسعى إلى فرض ضوابط الأسعار لمواجهة معدّلات التضخم القياسية.
أشار عيد الشهري، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة جمعية رواد الأعمال الكويتية إلى أنَّ السيطرة على الأسعار ستؤدي إلى نقص في السلع، موضحاً أنَّ تجميد الحكومة للأسعار يعني أنَّها تتحوّل بعيداً عن توازن السوق لتطال هذا التأثيرات بذلك جانبي العرض في السوق.
وحتى في ظلّ ارتفاع أسعار الغذاء العالمية إلى مستويات قياسية، وانتشار أزمة الإمدادات عقب الغزو الروسي لأوكرانيا؛ استمرت الكويت في التشبث بقيودها المفروضة على المبالغ الذي يمكن أن تتقاضاها الشركات مقابل المواد الغذائية الأساسية، مما أدّى إلى إبعاد المورّدين، وزيادة خطر ندرة بعض المواد الغذائية الأساسية.
تعد عملية صياغة حل محلي لمعضلة عالمية، أمراً محفوفاً بالمخاطر، حتى في حالة الكويت التّي تُعدُّ منتجاً رئيسياً للنفط، وتقع ضمن قائمة المستفيدين من ارتفاع أسعار الطاقة. كما تُدير الكويت بالفعل نظاماً من الإعانات الحكومية السخية، فضلاً عن توفير وظائف مضمونة للمواطنين كضمانة ضدّ جماح التضخم.
الوقاية من الجائحة
رأت الحكومة الكويتية الحاجة إلى تضافر جهودها التي تهدف إلى حماية الاقتصاد من الأزمات، وصموده خلال فترة الوباء، إذ أصدرت وزارة التجارة والصناعة قراراً في مارس 2020 يقضي بتجميد جميع أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية.
وتعد معدّلات التضخم في الكويت هي الأعلى مقارنةً بالدّول المجاورة، ويُقدّر صندوق النقد الدولي أنَّ متوسط التضخم سيبلغ 4.8% هذا العام.
مع ذلك؛ لم يتم رفع القيود المفروضة على الرغم من أنَّها كانت تنوي القيام بذلك، وتأتي هذه القيود بنتائج عكسية، إذ تُكافح الكويت لاحتوائها، لأنَّ هناك الكثير من الخاسرين بسبب هذا الوضع.
في ظل هذه الأزمة، تسعى بعض الشركات المصنّعة لإعادة توجيه بعض منتجاتها بعيداً عن الكويت، وفقاً لأشخاص مطلّعين على الأمر. وفي بعض الأحيان يوجّه المنتجون سلعهم بعيداً عن الكويت في اللحظة الأخيرة، ليتوجّهوا إلى دولٍ خليجية أخرى، حيث يمكنهم تحقيق المزيد من الأرباح والتعامل مع بيروقراطية أقلّ، بحسب ما قال بعض الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً إلى حساسية هذه القضية.
تهديد كبير
برز توريد الدجاج مؤخراً كأحد أكثر القضايا إشكالية في البلاد، إذ أشار أحد الأشخاص إلى أنَّ بيع الدّجاج وغيره بالأسعار نفسها لم يعدّ ممكناً بسبب الضوابط التي تفرضها الحكومة على الدواجن. ومن المتوقَّع أيضاً حدوث نقص في السّكر خلال الأسابيع المقبلة، وفقاً لتاجر تجزئة كويتي كبير.
يشكّل النقص الرّاهن تهديداً كبيراً في حال لم يسمح للشركات برفع أسعارها، وإن لم تتم إزالة الحواجز في الميناء، بما في ذلك القيود المفروضة على السفن الكبيرة، وفقاً لبعض المصادر.
تحرم تدابير الحكومة الكويتية المستهلكين بالفعل من الاختيار. وأشار أحد كبار تجار التجزئة في الكويت الذي طلب عدم الكشف عن هويته إلى أنَّ السلع الرئيسة المتوفّرة كانت محدودة، وقدّم قائمة بالمورّدين الذين خفّضوا خياراتهم بسبب التضخم والقيود المفروضة على الأسعار.
أوضح محمد الصقر، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الكويت أنَّه ليس باستطاعة التجار استيراد كلّ ما يحتاجه المواطن، مُشيراً إلى الاتصال الذي جرى مع الحكومة حول هذا الموضوع على مدى الأشهر الـ18 الماضية، وأكد أنَّ القرار الذي اتخذته الحكومة كان خاطئاً، لأنَّ الأسعار ارتفعت.
ولم تتسنَّ فرصة الحصول على تعليقات وزارة التجارة ومسؤولين في الحكومة حول الأمر.
تكمن المعضلة التي تواجهها السلطات الكويتية في أنَّ فكرة تحرير الأسعار من القيود المفروضة ما تزال غير محبّذة، على الرغم من عدم استدامة سياسة ضبط الأسعار.
لا يأخذ القرار الوزاري الذي مضى عليه مدة عامين في الحسبان أياً من التكاليف الجديدة، بدءاً من النفقات اللوجستية الإضافية، وصولاً إلى أسعار مواد الخام المرتفعة عقب الحرب في أوكرانيا.
استقالت حكومة الكويت في أبريل الماضي، كما تستعد البلاد إلى تشكيل حكومة جديدة، مما أدّى إلى شلل في عملية صنع القرار. وعلى عكس دول الخليج الأخرى؛ لدى الكويت برلمان منتخب، حيث تُعقّد الانقسامات بداخله السياسة في البلاد.
من غير المرجح أن يتمّ رفع سقف الأسعار حتى تشكيل حكومة جديدة.
وفي الوقت نفسه، تزداد التحذيرات أكثرَ من أيِّ وقت مضى. ففي رسالةٍ نقلتها صحيفة "الأنباء" هذا الأسبوع؛ أشار الاتحاد الكويتي للأغذية، وهو مجموعة صناعية، إلى أنَّ مستوردي المواد الغذائية سيوقفون شحن عدد كبير من المنتجات الأساسية التي تحتاجها الأسر. وأكد عدم قدرة المستهلكين على مواجهة الزيادة العالمية في أسعار هذه المنتجات، مما يُهدّد بخفض احتياطيات الكويت الاستراتيجية.