بلومبرغ
شهد الأسبوع الماضي، الذي يُعدّ الأكثر إثارة في تاريخ سوق العملات المشفرة القصير، إعلانات كانت تعد أكثر ما يخشى أن يتلقاه المستثمرون من الطرف المقابل، والتي كان مفادها: نحن آسفون، لكنَّنا لا نستطيع إعادة أموالكم في الوقت الحالي.
ما بين بداية الأسبوع ونهايته، تعرّضت صناعة تكنوقراطية ناشئة، ذات طموحات كبيرة تسعى نحو تغيير وجه النظام المالي، مراراً وتكراراً لصدى الأزمات السابقة في النظام القديم.
لقد كان أسبوعاً شهد الكثير من نداءات الهامش، والبيع القسري، والضمانات المهمة التي ظهرت كوسيلة غير مجدية في وقت الأزمات.
هناك الكثير من القصص عن نسف صناديق التحوط، وعن تجارة انتهازية ومفترسة، وخفض الوظائف، فضلاً عن إنكار صاخب للمشكلات من قبل اللاعبين الرئيسيين الذين ثبت خطؤهم تقريباً على الفور.
وسط كل ذلك، تحطّمت مرة واحدة وإلى الأبد الأسطورة التي تقول إنَّ هذا النظام المالي الجديد للعملات المشفرة كان إلى حد ما محصناً - أو كان قادراً على الاستفادة من - الأساسيات الاقتصادية التي تعاقب النظام القديم حالياً.
بدأ كل شيء في وقت متأخر من يوم الأحد، عندما قام ما يمكن وصفه بأنَّه بنك ظل للعملات المشفَّرة يسمى "سيليزيوس نيتورك" (Celsius Network) بتعليق عمليات السحب من جانب المودعين الذين أغرتهم أسعار الفائدة المرتفعة للغاية، والتي من المحتمل في وقت لاحق أن تكون جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها.
وبحلول نهاية الأسبوع، على الجانب الآخر من العالم في هونغ كونغ، جمّدت شركة "بابل فاينانس" (Babel Finance) أيضاً عمليات السحب.
"سيليزيوس نيتورك" يوقف جميع عمليات السحب والمبادلة والتحويلات بين الحسابات مؤقتاً. العمل لمصلحة مجتمعنا هو أولويتنا القصوى. وستستمر عملياتنا، وسنواصل مشاركة المعلومات مع المجتمع. معلومات أكثر متاحة هنا: https://t.co/CvjORUICs2 - "سيليزيوس" 13 يونيو 2022
أخبرت الشركتان العملاء بأنَّهما تعملان على ذلك، وليس هناك شك في هذا، لكن تتزايد التكهنات بأنَّ شبكة "سيليزيوس"، على الأقل، تغرق فيما وصفته شركة الأبحاث "كايكو" (Kaiko) بموقع يُشبه حال بنك "ليمان".
مثلما فعل بنك "ليمان براذرز" (Lehman Brothers) منذ ما يقرب من 14 عاماً؛ أظهرت مشكلات "سيليزيوس" مدى ترابط اللاعبين الكبار في هذا النظام المالي، ومدى سرعة انتشار العدوى، مما يجعل دراما هذا الأسبوع مشهداً مُتمّماً للأسبوع الماضي وسابقاً للأسبوع المقبل.
في هذا السياق، أشار العديد من المحللين إلى المشكلات التي يواجهها بنك "سيليزيوس" مع عملة مرتبطة بـِ"إيثريوم" (Ethereum) تُسمى "ستيكد إث" (staked ETH)، أو "ستيث" (stETH) - وهي عملة مصمّمة لتكون بمثابة وكيل قابل للتداول لـ"إيثر" (Ether) يُستخدم على نطاق واسع في التمويل اللامركزي.
وفي حين من المفترض أنَّ كلّ "ستيث" قابل للاسترداد مقابل "إيثر" واحد بعد أن تسري التحديثات التي طال انتظارها لـبلوكتشين "إيثريوم"؛ فإنَّ اضطراب السوق الأخير تسبب في انخفاض قيمته السوقية إلى ما دون هذا المستوى.
الصلة مع "تيرا"
حدّدت شركة الأبحاث "نانسن" (Nansen) أيضاً "سيليزيوس" كأحد الأطراف المشاركة عندما فقدت عملة "يو إس تي" (UST) المستقرة ربطها بالدولار في مايو، إذ تسبّبتْ الحلقة التي تحمل هذا الرمز، والتي كانت مدفوعة إلى حد كبير بالخوارزميات، والغرائز والعواطف إزاء العملات المشفَّرة، وعائدات لا يمكن الدفاع عنها بنسبة 19.5% للمودعين في "بروتوكول أنكور" (Anchor Protocol)، في خسارة عشرات المليارات من الدولارات خلال الانهيار المذهل لبلوكتشين "تيرا".
فضلاً عن ذلك، أكّد تحليل "نانسن" أنَّ برنامج "أنكور" من "تيرا" كان مصدراً مهماً للعائد بالنسبة لـ"سيليزيوس"، وفقاً لتعليق من بورصة العملات المشفَّرة "كوين بيس" (Coinbase)، إذ كتب الفريق المؤسسي في "كوين بيس" قائلاً: "من وجهة نظرنا، من المحتمل أن يثير هذا السؤال حول كيفية وفاء "سيليزيوس" بالتزاماتها دون عائد 19.5%".
وفي هذا السياق؛ قالت تلك الشركة هذا الأسبوع إنَّها ستُسرِّح 18% من قوتها العاملة التي كانت سريعة النمو سابقاً، لتنضم إلى الشركات الناشئة الأخرى في عالم العملات المشفَّرة مثل "جيميناي" (Gemini) و"بلوك فاي" (BlockFi) التي تكافح وسط انخفاض لا هوادة فيه في أسعار الأصول المشفَّرة، والذي يطلق عليه اسم "شتاء العملات المشفَّرة".
كذلك تصاعدت الدراما، يوم الأربعاء الماضي، بتغريدة مثيرة للقلق بدا وكأنَّها تؤكّد التكهنات التي كانت تدور حول أحد صناديق التحوط الأكثر نفوذاً في العملات المشفَّرة، ألا وهو "ثري آروز كابيتال" (Three Arrows Capital)؛ فقد كتب أحد مؤسسي الشركة: "نحن في طور التواصل مع الأطراف المعنية، ونلتزم تماماً بالعمل على ذلك" دون الكشف عن أي تفاصيل حول ما هو "ذلك" الذي كان يتم العمل عليه بالضبط.
نحن في طور التواصل مع الأطراف المعنية ونلتزم تماماً بالعمل على ذلك. - تشو سو 15 يونيو 2022
خطة إنقاذ
بحلول نهاية الأسبوع، أوضح مؤسسو الصندوق الذي تبلغ قيمته عدّة مليارات من الدولارات لصحيفة "وول ستريت جورنال" أنَّهم كانوا يستكشفون خيارات تشمل إنقاذ شركة أخرى، واتفاقاً مع الدائنين من شأنه أن يكسبهم الوقت من أجل وضع خطة.
كانت شركة "ثري آروز" أيضاً من ضحايا ويلات "ستيث" وانهيار "تيرا"، حيث اشترى الصندوق حوالي 200 مليون دولار بعملة "لونا" (Luna) المستخدمة لدعم قيمة عملة "يو إس تي" المستقرة من "تيرا"، وفقاً للصحيفة. ويُشار إلى أنَّ قيمة عملة "لونا"، التي بيعت بأكثر من 119 دولاراً في أبريل، تبلغ الآن حوالي 0.000059 دولار.
كما كانت صناديق التحوط الخاصة بشركة "بير ستيرنز" (Bear Stearns) من بين أولى الصناديق التي كشفت عن مشكلات من أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر، فمن المحتمل ألا تكون شركة "ثري آروز" هي الوحيدة في هذا السياق. إذ تتبادر إلى الذهن "نظرية الصرصور" التي تقول: إذا رأيت إحدى تلك الحشرات السيئة تندفع عبر الأرض، فمن المحتمل أن يكون هناك الكثير منها خلف الثلاجة أو تحت المغسلة".
ضرر مُروع
في الواقع، لم يعد التداول المشتعل للعملات المشفَّرة يُرسل تلك العملات "إلى القمر" بتغريدات مليئة بالرموز التعبيرية للسفن الصاروخية، بل يحاول بدلاً من ذلك العثور على المكان الذي تختبئ فيه هذه الصراصير ليصنع منها وجبة، فقد أرسل بعض المتداولين الماكرين روبوتات للتجول في منصات "بلوكتشين" بحثاً عن مراكز عالية الاستدانة معرضة لخطر التصفية القسرية لأنَّ قيمة ضماناتها لم تعد كافية لدعم قروضها. وفي حال نجاحهم؛ فإنَّهم يحصلون على حصة بنسبة 10% إلى 15% من بيع الضمانات – وهي الحوافز التي تُدفع من خلال البروتوكولات الآلية التي تهدف إلى حمايتهم من الإفلاس.
مع انقشاع الغبار في نهاية الأسبوع، كان الضرر مروعاً؛ إذ تراجعت بتكوين لمدة 11 يوماً على التوالي، وهو أطول ركود مستدام على الإطلاق، لتُسجّل بذلك خسارة تزيد عن 70% من أعلى مستوياتها في نوفمبر عندما كانت تقترب من 70,000 دولار. في حين تكافح "إيثريوم" للبقاء فوق مستوى ألف دولار، بعد أن وصل سعرها إلى 4866 دولار قبل سبعة أشهر. وما كان في يوم من الأيام صناعة تزيد قيمتها عن 3 تريليونات دولار؛ أصبح الآن صناعة تقلّ قيمتها عن تريليون دولار.
وبالرغم من تشابه الأزمات السابقة في التمويل التقليدي؛ إلا أنَّ هناك فرقاً كبيراً واحداً مع اقتراب عطلة نهاية الأسبوع، فاللاعبون في الأسواق القديمة يمكنهم على الأقل إيقاف تشغيل أجهزتهم في يومي السبت والأحد للحصول على قسط من النوم وتضميد جراحهم. لكنْ مع اقتراب عطلة نهاية الأسبوع الممتدة لثلاثة أيام في الولايات المتحدة، وتوقُّعات السماء المشمسة في نيويورك؛ سيظل أولئك الذين يتعرّضون بشدة للأصول الرقمية ملتصقين بشاشاتهم، حيث تُظهِر العاصفة الثلجية القاتلة في شتاء العملات المشفَّرة علامات ضئيلة على الهدوء.