بلومبرغ
ماذا بعد الاتفاق النفطي الذي أطلقه تحالف "أوبك+" في بداية جائحة كورونا، والذي شارف على الانتهاء؟ سؤال، ترتبط الإجابة عنه بالكثير من العوامل السياسية.
بحلول شهر أغسطس المقبل، تُجري دول التحالف آخر تخفيضات إنتاج النفط الضخمة التي أقرّتها في عام 2020، فيما يقول مندوبو هذه الدول الـ23، إنهم منهمكون في بحث ما سيلي ذلك.
في الوقت الذي يستعد الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة المملكة العربية السعودية –الزعيم الفعلي لمنظمة "أوبك"- يمهّد المسؤولون الأميركيون الطريق أمام المملكة وجارتها، الإمارات العربية المتحدة، لتجاوز مستويات إنتاجهما في أغسطس، والإعلان عن المزيد من الإمدادات للمساعدة في الحد من ارتفاع الأسعار التي تجاوزت 110 دولارات للبرميل، وذلك وفق ما أفاد به أشخاص مطلعون على الأمر.
اقرأ أيضاً: "أوبك" تتوقع ارتفاع الطلب على النفط بالنصف الثاني من 2022
في هذه الأثناء، لا يزال مصدرو الخليج العربي، الذين يسعون إلى الحصول على ضمانات بشأن الأمن الإقليمي قبل موافقتهم على الضخ بمستويات نادراً ما نشهدها من قبل، يقيمون خياراتهم، كما قالت هذه المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، نظراً لأن هذه المعلومات غير علنية.
اقرأ المزيد: السعودية تُخفّض تدفقات النفط إلى الصين مع تلبية معظم الطلبات الآسيوية
كانت السعودية تسير على خط رفيع، بين الاستجابة لطلبات حليفها الأميركي المتكررة منذ فترة طويلة، والمتباعدة نسبياً في آن، وعلاقتها مع روسيا، المهندس الشريك في التحالف الذي أنقذ أسعار النفط من أسوأ تراجع لها على الإطلاق.
في إشارة إلى دعم روسيا، شارك وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي هذا الأسبوع، حيث التقط صورة مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، ووصف العلاقات بين الرياض وموسكو بأنها "جيدة".
اقرأ أيضاً: وزير الطاقة السعودي يزور روسيا في إشارة إلى دعم الدولة العضو بـ"أوبك+"
لكن في وقت سابق من الشهر الجاري، أظهرت الرياض أيضاً بعض التعاطف مع ما يعانيه مستهلكو النفط، وذلك من خلال توجيه التحالف بتسريع زيادات الإنتاج في يوليو وأغسطس بنسبة 50%.
قال بيارن شيلدروب، كبير محللي السلع في بنك "إس إي بي" (SEB) السودي: "تتمتع (أوبك) بتاريخ طويل من البراغماتية في ظل التغيرات الجيوسياسية". وأضاف: "يريد أعضاء المنظمة أن يُنظر إليهم على أنهم يقومون بدور مسؤول".
قدرة محدودة
من الناحية النظرية ، يضيف الجدول الزمني المتسارع لزيادات "أوبك+" ما يصل إلى 648 ألف برميل يومياً في كل شهر من تلك الأشهر. لكن هذا الرقم رمزي إلى حد كبير، إذ إن معظم أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وشركائها، غير قادرين على زيادة الإنتاج أكثر، فيما تقتصر القدرة الإنتاجية الاحتياطية، على عدد قليل من أعضاء المنظمة في الشرق الأوسط.
تظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقراً لها، أنه بمجرد الوصول إلى الأهداف المحددة لشهر أغسطس في الاتفاق الحالي، سيكون لدى السعوديين والإماراتيين ما يقرب من 2.2 مليون برميل يومياً من الإنتاج غير المستخدم.
يمثل هذا الرقم حوالي 2% من الإمدادات العالمية. وفي ظل الأسعار المرتفعة التي تهدد بدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود، وكذلك في ظل العقوبات المفروضة على روسيا العضو في "أوبك+"، فإن المستهلكين سيرحبون بأي كمية إضافية تدخل السوق.
قال بيل فارين برايس، المدير في "إنفروس إنتليجنس ريسيرش" (Enverus Intelligence Research) لأبحاث النفط والغاز: "قد تكون هناك بعض الإشارات الصادرة عن السعودية بشأن زيادة إمدادات النفط، لكن الكل يعلم أن هناك حدوداً لما يمكنهما القيام به".
النفوذ السياسي
يدرس السعوديون ما إذا كانوا سيوافقون على هذا الطلب. لكن، في ظل ما تتمتع به المملكة من نفوذ سياسي منذ سنوات عديدة، فإنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق، وفقاً لما يقوله أشخاص مطلعون على المفاوضات.
قال مندوبون في "أوبك"، إن دولاً أخرى في تحالف "أوبك+"، تتبادل وجهات النظر بهدوء بشأن الطريقة الأفضل للمضي قدماً. سينظر الوزراء في الخطوات التالية إما خلال اجتماع عبر الإنترنت في 30 يونيو، أو خلال اجتماع لاحق في أواخر يوليو أو أوائل أغسطس على أبعد تقدير.
على صعيد التحالف الأوسع، يتساءل بعض الأعضاء بشكل خاص عمّا إذا كان يجب على التحالف أن يقرّ قيود الإنتاج، من خلال التحوّل إلى نهج أقل رسمية، كما قال المندوبون. يمكن مثلاً تخفيف نظام حصص الإنتاج المعمول به منذ أواخر عام 2016، بما يسمح لعدد قليل من البلدان التي لديها القدرة والإمكانات، بأن تنتج النفط بأي مستوى مطلوب، كما اقترحت بعض البلدان.
أضافوا أنه قد لا تكون هناك حاجة إلى عقد اجتماعات بالوتيرة الشهرية السارية إلى حد كبير منذ تفشي الوباء في عام 2020. فقبل "كوفيد-19"، كان التحالف يجتمع كل ستة أشهر في العادة.
من غير الواضح ما إذا كان مثل هذا التحوّل ستؤيده الرياض، التي شددت مراراً وتكراراً على أن الأسواق العالمية مطمئنة إلى أسلوب إدارة منظمة "أوبك" الدقيق. ووفقاً لأحد المندوبين، تتمنى المملكة أن تكون الخطوة التالية قراراً توافقياً على مستوى المجموعة.
رهانات سياسية
تسلّط زيارة بايدن إلى المملكة، الضوء على تغيير ميزان القوى لمصلحة الرياض، جراء الغزو الروسي لأوكرانيا. فبعد أربع سنوات من جفاء السعودية وولي العهد بعد مقتل جمال خاشقجي، ها هو الرئيس الأميركي يطلب المساعدة من المملكة. فمن دون براميل نفط سعودية إضافية، هناك فرصة ضئيلة لترويض التضخم الذي يضرّ بالاقتصاد الأميركي. كذلك، فإن نفط المملكة يُعتبر حيوياً أيضاً لدعم الجهود الدولية لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب غزوه أوكرانيا.
على الجانب الآخر، هناك تحالف استمر ما يقرب من ست سنوات مع موسكو، والذي أدى إلى تضخيم نفوذ "أوبك" في سوق النفط العالمية. وقد اتضحت جيداً مخاطر انهيار العلاقات بين المنتجين، خلال حرب الأسعار القصيرة في أبريل 2020.
في تصريح له في لندن الخميس، قال الأمين العام لمنظمة "أوبك"، محمد باركيندو، إن روسيا "تواصل مشاركتها" في مجموعة البلدان المصدرة للنفط. وأضاف: "نريد أن تكون لدينا علاقات طويلة الأمد ومستدامة مع هذه البلدان المنتجة".