بلومبرغ
توصّل تحقيق عام استمر لثلاث سنوات حول مكافحة غسل الأموال في مقاطعة غربي كندا، إلى أنّ الأموال المشبوهة لم تسبب أزمة ارتفاع التكاليف في المقاطعة. وكان التحقيق مدفوعاً جزئياً بالتكهنات العامة التي تُحمّل المجرمين مسؤولية رفع أسعار المساكن في فانكوفر.
التحقيق، الذي قاده قاضي المحكمة العليا في كولومبيا البريطانية، أوستن كولين، كان مرتقباً على نطاق واسع بين السياسيين المحليين ووسائل الإعلام والمدافعين عن الإسكان، الذين ألقوا باللّوم خلال السنوات الأخيرة على أموال العمليات الإجرامية وتحميلها مسؤولية غلاء السوق العقارية في البلاد وخاصة الأموال القادمة من آسيا، إلا أنّ التقرير الشامل الذي أعدّه "كولين" من 1800 صفحة، عارض هذه التكهنات استناداً إلى شهادات أدلى بها 188 شاهداً وأكثر من 1000 معارض.
بناءً على ذلك، أكّد التقرير أن السبب الكامن وراء عدم القدرة على تحمل تكاليف السكن ليس غسل الأموال. كما أشار "كولين" في تقريره إلى الأسباب والعوامل الأخرى التي قد تؤثّر بشكلٍ كبير على أسعار المساكن مثل العرض والطلب والزيادة السكانية، وأسعار الفائدة، مضيفاً أنّه لا ينبغي النظر إلى الخطوات المتخّذة لمكافحة غسل الأموال على أنّها حل للقدرة على تحمل تكاليف السكن".
تضاعفت أسعار المنازل في فانكوفر بشكل قياسي خلال العقدين الماضيين، بالتزامن مع موجة قدوم "المهاجرين المليونيرات" من آسيا، حيث صُممت سياسات الهجرة الكندية من أجل جذب الأثرياء، كما عُرفت هذه المنطقة بقصص كبار السن الصينيين الذين يظهرون في الكازينوهات وفي أيديهم حقائب مليئة بالنقود، والطلاب الآسيويين الذين لا يملكون دخلاً سوى امتلاك منازل بملايين الدولارات.
لكن مع ارتفاع سعر منزل يتسع لأسرة واحدة إلى أكثر من 20 ضعف متوسط دخل الأسرة، انفجر غضب واستياء الشعب، وما حمله من مشاعر معادية للآسيويين.
عاصمة جرائم الكراهية
في أوائل عام 2019، أعلنت وزيرة المالية آنذاك، كارول جيمس، أن الأموال المشبوهة كانت مسؤولة عن رفع أسعار المساكن بنحو 5% في العام السابق، مستشهدةً بتقديرات مثيرة للجدل بتكليف من حكومة المقاطعة.
وصنّفت دراسة أخرى دققت في سندات ملكية الأراضي بحثاً عن أدلة على غسل الأموال، أكثر من 2000 عقار باعتبارها عالية المخاطر لمجرد وجود عناوين بريدية في الصين أو هونغ كونغ. وفي مايو 2019، ووسط الضغوط لتقديم إجابات للجمهور الغاضب، ألقى رئيس الوزراء، جون هورغان باللّوم على الاحتيال "غير المراقب" في ارتفاع أسعار المساكن، وعيّن "كولين" لقيادة ومتابعة التحقيق العام عن كثب.
أعرب "كولين" في تقريره النهائي، عن شكوكه بشأن تلك التقديرات السابقة لغسل الأموال وقال إن تأثيرها على عدم القدرة بشأن تحمّل تكاليف السكن "ضعيفاً".
أدّت اللّقطات التي نشرتها حكومة "هورغان" في عام 2018 والتي ظهر عبرها المقامرون الآسيويون في كازينوهات منطقة فانكوفر إلى تأجيج الرأي العام بشكل خاص. وأقر التقرير النهائي إلى أنّ مئات الملايين من الدولارات من الأموال غير المشروعة التي تم المقامرة بها في المنشآت قد غذّت "نمواً استثنائياً في المعاملات النقدية المشبوهة"، لكنّه حذّر من اتّهام الزبائن جميعهم بذلك ووصفهم بـ"المجرمين".
وذكر التقرير أن هؤلاء الزبائن عادة ما يكونون من أثرياء الصين، الذين يواجهون صعوبات في الحصول على أموالهم من الصين للمقامرة بها بسبب ضوابط العملة في البلاد، لذلك تحولوا إلى ميسّرين نقدييّن سريينّ يرتبطون بمنظماتٍ إجراميةٍ.
قصور كبيرة
حذّر "كولين" من أن "الخطاب المتعلّق بالاستثمار الأجنبي والهجرة وأسعار المساكن يمكن أن ينحرف إلى التفكير النمطي أو العنصري"، معرباً عن قلقه إزاء الحوار العام الذي يعامل "أي مجتمع عرقي على أنّه غير شريف أو غير قانوني".
رداً على أسئلة سياسية مشروعة تتعلّق بالملكية الأجنبية للعقارات، أجاب "كولين" قائلاً: "لا أستطيع أن أستنتج بشكلٍ قاطع أنّ غسل الأموال أو الاستثمار الأجنبي (مهما كان تعريفه) هو السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار في العقارات السكنية في كولومبيا البريطانية".
مع ذلك، وجد "كولين" قصوراً كبيراً في قدرة كندا على مراقبة ووضع حدٍّ لعمليات غسل الأموال، مُشيراً إلى أنّ "حجماً هائلاً" من الأموال غير المشروعة يتسرّب عبر اقتصاد كولومبيا البريطانية كل عام. واعتبر أن هذه التدفقات تُدمّر المجتمع بطرق أخرى، مثل تشويه الأسواق وتمكين المجرمين من الاستفادة من جرائم أخرى.
أوضح التقرير أن الشرطة الفيدرالية الكندية حلّت وحدات متطورة لمكافحة الجرائم المالية خلال فترة خفض التمويل في عام 2012، وأن عدم اهتمامها منذ ذلك الحين "سمح بالنمو غير المنضبط لعمليات غسل الأموال"، كما وصف "كولين" وكالة الاستخبار المالية الوطنية، ومركز تحليل المعاملات المالية والتقارير في كندا، بأنّها "غير فعالة"، قائلاً إنها تجمع كمّاً كبيراً من تقارير المعاملات المشبوهة إلاّ أنّها غير قادرة على التّوصل إلى معلومات استخبارية مفيدة في الوقت المناسب.
ذكر "كولين" أنّ عدد وقيمة الأصول التي تم الحصول عليها بشكل غير قانوني والتي صادرتها سلطات كولومبيا البريطانية "منخفضة بشكل صادم". وشبّه في تقريره نظام مكافحة غسل الأموال السائد بـ"قرية بوتيمكين"، التّي تعتمد بشكلٍ أساسي على المظهر الخارجي للهياكل التنظيمية بدلاً من حقيقتها الفعلية. كما قدّم "كولين" 101 توصية للتصدي إلى غسل الأموال في المقاطعة بشكلٍ أفضل، وعيّن مفوض مخصّصّ ووحدة تحقيق لمتابعة ذلك الأمر، فضلاً عن مجموعة من التغييرات في المجالات القانونية والمصرفية والعقارية والمحاسبية والألعاب حول كيفية إدارة أعمالهم.