بلومبرغ
تتضمن خطط الصين لتعزيز النمو، في ظل تفشي وباء "كوفيد-19" وعمليات الإغلاق المرتبطة به التي شلّت النشاط، ضخ 5.3 تريليون دولار في اقتصادها خلال العام الجاري.
اقرأ المزيد: الصين تحيل مسؤولاً رفيع المستوي في البنك المركزي وزوجته للتحقيق
يعادل الرقم، الذي يستند إلى حسابات "بلومبرغ" للتدابير النقدية والمالية التي جرى الإعلان عنها حتى الآن، نحو ثلث حجم اقتصاد الصين البالغ 17 تريليون دولار، لكنه في الواقع أصغر من برنامج التحفيز المالي لعام 2020، عندما ظهر الوباء للمرة الأولى. وهذا يشير إلى أنه يمكن إنفاق المزيد، في حال فشل الاقتصاد في التعافي من حالة الفوضى التي يتخبط فيها حالياً، وهو احتمال، طرحه رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ في وقت سابق من هذا الأسبوع.
اقرأ أيضاً: إغلاقات كورونا تغيِّم على رؤية اقتصاد الصين
قال ديفيد كو، خبير الاقتصاد الصيني لدى "بلومبرغ إيكونوميكس": "تتمثل الدعامة الرئيسية للسياسة الاقتصادية للعام الجاري، في الإنفاق المالي والاستثمار الحكومي، بينما يقوم البنك المركزي بدور الداعم فقط حتى الآن". وأضاف: "لا يزال هناك مجال كبير لفرض سياسة مالية أقوى، وهذا أكثر فاعلية لتعزيز النمو الاقتصادي حالياً".
وفق حسابات "بلومبرغ"، يصل حجم الدعم المالي الذي جرى التعهد به حتى الآن هذا العام إلى 35.5 تريليون يوان. على الصعيد المالي، أضفنا نفقات الميزانية العامة للصين إلى مبلغ الأموال الصادرة عبر السندات الحكومية المحلية الخاصة وعمليات خفض الضرائب والرسوم. يتضمن الدعم من خلال السياسة النقدية مئات المليارات من اليوان، من السيولة التي ضخها "بنك الشعب الصيني" عبر قروض السياسة، وتخفيض معدل الاحتياطي النقدي للبنوك، علاوة على القروض الرخيصة لمساندة الشركات الصغيرة والمشروعات الخضراء أثناء فترة تفشي الوباء.
ضغوط متزايدة
واجه ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ضغوطاً كبيرة من أجل تحقيق هدف النمو الذي حددته الحكومة عند نحو 5.5% لهذا العام. في ظل إغلاق شنغهاي والمدن والمناطق الأخرى خلال فصل الربيع الحالي، بهدف السيطرة على تفشي وباء "كوفيد"، هبط الناتج الصناعي وإنفاق المستهلكين إلى أدنى مستوياتهما منذ أوائل عام 2020.
في الوقت الذي تعهدت فيه السلطات بتحقيق هدفها الاقتصادي، أوضح كبار القادة أيضاً أنهم ملتزمون بنهج "صفر كوفيد"، ما أثار الشكوك في أوساط خبراء الاقتصاد، إزاء ما إذا كان باستطاعة بكين تحقيق كلا الهدفين في الوقت ذاته.
يشير واقع أن غالبية برنامج التحفيز الاقتصادي قد جرى الإعلان عنه في الدورة السنوية لمجلس الشعب الصيني في أوائل شهر مارس المنصرم، قبيل زمن طويل من حدوث عمليات الإغلاق، إلى أن المسؤولين قد يعلنون عن مزيد من الإجراءات، وفقاً لما يتطلبه الأمر خلال العام الجاري. رغم ذلك، سيتحرك البنك المركزي بطريقة حذرة على الأرجح، تحسباً للابتعاد كثيراً عن السياسات المتشددة في مناطق أخرى من العالم لمكافحة معدلات التضخم المرتفعة، أو تكرار إستراتيجية مماثلة لرد فعله تجاه الأزمة المالية عام 2008، والتي أسفرت عن تصاعد حجم الديون.
نمو الائتمان
قال دينغ شوانغ، كبير خبراء الاقتصاد في "ستاندرد تشارترد غروب": "ربما تكون الصين في حاجة إلى تقديم دعم إضافي في حال واصل الاقتصاد التراجع على نحو سريع". وأضاف أن نمو الائتمان سيزداد على الأرجح، حيث قال "بنك الشعب الصيني" مؤخراً، إن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد ستزيد خلال العام الجاري. كما توقع صعود حجم التمويل في قطاع البنية التحتية، وعودة القروض العقارية إلى طبيعتها، وارتفاع مستوى الإقراض الموجه نحو بعض القطاعات، على غرار الشركات الصغيرة والمشروعات الخضراء.
خطط سابقة أكثر ضخامة
أياً كان الدعم الذي توفره الصين خلال العام الجاري، فإنه لا زال أقل من خطة التحفيز الضخمة التي أسهمت في عودة الاقتصاد إلى مسار النمو العالي في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. وتمثل قيمة الاستثمار الإضافي التي تبلغ 4 تريليونات يوان، والتي جرى الإعلان عنها في ذلك العام، نسبة 13% من حجم الاقتصاد. كما كان "بنك الشعب الصيني" أكثر جرأة خلال تلك المدة الزمنية، حيث خفض سعر الإقراض القياسي بما يفوق 200 نقطة أساس خلال سنة واحدة، وقلص معدل متطلبات الاحتياطي بنقاط كثيرة.
قال كو: "هناك تحديات اليوم أمام تعزيز النمو الاقتصادي، تفوق ما كانت عليه في عام 2008". وأضاف أن معدلات أسعار الفائدة في ذلك الوقت كانت عالية، ما أتاح لـ"بنك الشعب الصيني" إطلاق العنان لخطط تحفيز أكبر. كان الاستثمار أيضاً أكثر جاذبية، حيث كان الاقتصاد ينمو بمعدلات أسرع، فيما كان باقي بلدان العالم يزيد برامج التحفيز لتدعيم الاقتصاد العالمي أيضاً.
أشار كو إلى أن الصين تتعرض في الوقت الراهن، لكل هذه المشكلات وحدها. وقال إن الاستثمار الذي تقود الحكومة، هو "الأمر الوحيد الذي يمكن أن نأمله في الأجل القريب".
نلقي في ما يلي، نظرة على الدعم المالي والنقدي الذي قدمته بكين خلال العام الجاري:
إجراءات "بنك الشعب الصيني"
لم يقدّم "بنك الشعب الصيني" تيسيرات كثيرة خلال العام الجاري، عقب تخفيضه لأسعار الفائدة الأساسية مرة واحدة فقط في شهر يناير الماضي بمقدار 10 نقاط أساس. ويجري مقارنة ذلك بعمليتي تخفيض بلغ مجموعهما 30 نقطة أساس في غضون الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020.
كما خفض البنك المركزي معدل متطلبات الاحتياطي النقدي –وهو عبارة عن مقدار الأموال التي يتوجب على البنوك الاحتفاظ بها في الاحتياطي النقدي الخاص بها- مرة واحدة، وكانت أقل من التخفيضات الثلاثة التي جرى تنفيذها مع حلول هذه المرحلة من عام 2020. أسفر التغيير في المعدل خلال شهر أبريل الماضي، وهو أول عملية تخفيض خلال شهر ديسمبر المنصرم، عن ضخ نحو 530 مليار يوان من السيولة طويلة الأجل في الاقتصاد.
إعادة الإقراض
يمتلك البنك المركزي أدوات أخرى في ترسانة أسلحته، إلى جانب إدخال تعديلات على سياسات القروض ومعدلات متطلبات الاحتياطي النقدي. يستفيد البنك بطريقة متنامية من برنامج إعادة الإقراض، الذي يقدم قروضاً رخيصة للبنوك التجارية، من أجل الإقراض المستهدف للشركات الصغيرة وغيرها من المجالات المصنفة على أنها بحاجة إلى عملية إنقاذ.
كشف "بنك الشعب الصيني" أيضاً عن وجود خطط لتحويل 1.1 تريليون يوان إلى الحكومة المركزية خلال العام الجاري، ما يُعد استئنافاً لممارسة جرى وقفها مؤقتاً خلال فترة تفشي الوباء. يدعم هذا التحويل الموارد المالية للحكومة المركزية خارج الميزانية العامة، بينما يرفع أيضاً مقدار المال الأساسي في الاقتصاد.
جرى تحويل مبلغ تصل قيمته إلى 800 مليار يوان حتى حد الآن خلال العام الجاري، وهو تحرك يعادل تقليص معدل متطلبات الاحتياطي النقدي بحوالي 0.4 نقطة مئوية.
الإجراءات المالية
يأتي الجزء الأكبر من الدعم الحكومي خلال العام الجاري في صورة حوافز مالية، بما في ذلك وضع هدف لحجم إنفاق الميزانية العامة يصل إلى 26.7 تريليون يوان، أي ما يزيد عن إنفاق عام 2021 بما يقترب من تريليوني يوان.
أما الجزء المتبقي من الأموال، فسيأتي من التخفيضات الضريبية والخصومات، بجانب حصة تصل إلى 3.65 تريليون يوان من السندات الحكومية المحلية، التي تُعتبر مصدراً مهماً لتمويل المشروعات العامة، كمشروعات البنية التحتية.
هناك أيضاً مبلغ تريليوني يوان، متاح من الدخل الزائد فوق المحدد في الميزانية، علاوة على الأموال المتبقية من عمليات الإنفاق الأقل من المحددة في الميزانية في حساب الصندوق الحكومي لعام 2021، والتي يمكن للسلطات استخدامها في مشروعات البنية التحتية والمشروعات العامة الأخرى في حال تطلب الأمر ذلك، بحسب كو.