بلومبرغ
أثار استبعاد شركة "تسلا" هذا الأسبوع من مؤشر قياسي للصناعة تساؤلات جديدة بشأن ما تعنيه المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) للمستثمرين.
ظهرت تلك الإستراتيجية، التي تتعلق على نطاق واسع بتفضيل الاستثمار في الشركات التي تهتم بشكل معلن بالاستدامة (المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة)، منذ نحو عقدين من الزمن، كطريقة لحماية المستثمرين من المخاطر المرتبطة بقضايا مثل الاحتباس الحراري وانتهاكات العمل والتمييز.
منذ ذلك الحين، نما حجم الصناعة إلى 35 تريليون دولار، حيث سمحت لملايين المستثمرين بالشعور بأنهم "يقومون بعمل جيد".
حوادث السيارات وظروف العمل تُسقط "تسلا" من مؤشر "S&P 500" للاستدامة
عاد الناس حالياً إلى الارتباك بشأن ما يفترض أن تحققه المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في الوقع.
قال روب دو بوف، كبير محللي المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في "بلومبرغ إنتليجنس": "تواصل السوق الخلط بين المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة وبين الاستدامة، وأنت ترى بالتأكيد ذلك يحدث هنا".
أضاف دو بوف: "يفضل فريق صناديق المؤشرات المتداولة لدينا اعتبار تسلا قمة النجاح في اختبار رورشارخ للمستثمرين المهتمين بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة".
يتفق الكثيرون أن عدداً قليلاً من شركات صناعة السيارات لديها مساهمات أفضل من شركة إيلون ماسك بشأن التحول العالمي بعيداً عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن إدارة "تسلا" وقضايا مكان العمل كانت في بعض الأحيان إشكالية، للدرجة التي قررت فيها شركة "ستاندرد آند بورز داو جونز للمؤشرات" (S&P Dow Jones Indices) -ورغم معرفتها بتفوق "تسلا" فيما يخص المعايير البيئية- استبعاد شركة صناعة السيارات الكهربائية من الشركات المدرجة ضمن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500 إي إس جي" (S&P 500 ESG)، بسبب قضايا السلامة والعمل.
"تسلا" تراهن على القيادة الآمنة وخفض تكاليف التأمين
كتبت مارغريت دورن، كبيرة مديرين ورئيسة مؤشرات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في "ستاندرد آند بورز داو جونز للمؤشرات" في أمريكا الشمالية، منشوراً في مدونة قالت فيه: "كيف يمكن لشركة تقول إن مهمتها الرئيسية تتمثل في (تسريع انتقال العالم إلى الطاقة المستدامة) يتم استبعادها من مؤشر خاص بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة؟".
رداً على سؤالها الخاص، قالت دورن: "هناك العديد من الأسباب"، من بينها أن "تسلا"، "تخلفت عن أقرانها عند النظر إليها من زاوية تتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ولكن بشكل أوسع".
اتهامات التمييز العنصري
ركزت دورن على المعايير الاجتماعية والحوكمة في الشركة، والتي كان لها تأثير سلبي على مجموع نقاط الشركة فيما يتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
أشارت دورن بالتحديد إلى واقعتين متعلقتين باتهامات بالتمييز العنصري وسوء ظروف العمل في مصنع "تسلا" في فريمونت، بكاليفورنيا، بالإضافة إلى طريقة تعامل الشركة مع التحقيق الذي قامت به "الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة" الأمريكية عقب الربط بين العديد من الوفيات والإصابات و"القيادة الذاتية".
يتفق أكاديميون مثل تود كورت من "جامعة ييل" مع دورن. حيث قال كورت، تركز منهجية "ستاندرد آند بورز داو جونز للمؤشرات" على أداء الشركات، وإن "أنظمة وضوابط إدارة تسلا لا تزال غير متطورة إلى حد كبير" مقارنة بباقي الشركات الرائدة في الصناعة.
لكن المستثمرين بما في ذلك كاثي وود مؤسسة شركة "آرك إنفسمنت مانجمنت" عارضت ذلك الرأي بشدة.
كتبت وود في منشور على "تويتر"، وصفت فيه قرار "ستاندرد آند بورز داو جونز للمؤشرات" بأنه "سخيف"، وقالت، إن القرار "لا يستحق أي تعليق آخر".
قال بول واتشمان، مستشار الصناعة، الذي كتب تقريراً في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، كان له دور رئيسي في تعزيز الاستثمار في الأصول التي تطبق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، إن "تسلا" يجب أن تكون ضمن الشركات المدرجة في مؤشرات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وأضاف واتشمان: "لا تتساوى كافة انتهاكات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وذلك التقييم يظهر مدى الانحراف في تقييم ستاندرد آند بورز".
تواجه "تسلا" العديد من المشكلات المتعلقة بحوكمة الشركات والصحة والسلامة، لكن واتشمان يرى أنه يجب النظر إليها في سياقها الصحيح، وقال: "مهما كانت تلك الإخفاقات وأوجه القصور وثيقة الصلة بالموضوع، لكن لا يمكن أن تتساوى بشركات أخرى بنفس السوء"، في إشارة منه إلى عمالقة الوقود الأحفوري كمثال.
ارتباك معايير التقييم
تبقى "تسلا" ضمن الشركات المدرجة ضمن مؤشرات شركة "إم إس سي آي" (MSCI Inc)، المزود الرائد لمؤشرات تصنيف الشركات التي تطبق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، (تضم كذلك إكسون موبيل) التي تركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة على نطاق واسع، ما يزيد الارتباك حول طبيعة تلك المعايير في الواقع.
(تتشابه إلى حد كبير المنهجية التي تستخدمها كل من إم إس سي آي وستاندرد آند بورز بشأن مؤشرات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الخاصة بهما).
قالت "إم إس سي آي"، إن مؤشراتها التي تركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة قد تم تصميمها "للتركيز بشكل مكثف على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الإيجابية"، بينما "تميز بين الشركات حسب المخاطر والعائد" المتشابهة للسوق بالكامل، حيث تستبعد "إم إس سي أي" من مؤشراتها الشركات المتعلقة بصناعات التبغ والأسلحة "المثيرة للجدل"، والأسلحة النارية المدنية والرمال الزيتية والفحم الحراري.
قالت "ستاندرد آند بورز داو جونز للمؤشرات" إن مؤشر "ستاندرد آند بورز500 إي إس جي"، يمثل "مؤشراً واسع النطاق مرجحاً بالقيمة السوقية للشركات، وقد تم تصميمه لقياس أداء أسهم الشركات المتوافقة مع معايير الاستدامة، مع الحفاظ على الأوزان النسبية للقطاعات بنفس الأوزان في مؤشر ستاندرد آند بورز500", ويستثني المؤشر الشركات العاملة في صناعة الفحم الحراري والتبغ والأسلحة المثيرة للجدل.
رغم ذلك، زاد الارتباك بشكل كبير بشأن المعايير التي تدخل في تقييم المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وأصبحت أكثر إثارة للجدل بمرور الوقت.
لكن من وجهة نظر السوق، تبقى مؤشرات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ضرورية، حيث ضخ المستثمرون 410 مليارات دولار في الصناديق التي تتبع تلك المؤشرات، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ إنتليجنس".
قال دو بوف من "بلومبرغ إنتليجنس"، إن "تسلا" جعلت العالم مكاناً أكثر خضرة، من خلال سياراتها الكهربائية المبتكرة، وقد قام المستثمرين بمكافأة الشركة على ذلك.
وأشار دو بوف إلى أن المساهمين أصيبوا بصدمة أيضاً بسبب نزاعات ماسك مع "لجنة الأوراق المالية والبورصات" الأمريكية، فيما يخص نهج استحواذ ماسك على "تويتر".
وأضاف دو بوف: "يبدو أن المستثمرين عليهم التركيز بشكل مكثف على المؤشرات الدالة على سوء إدارة الشركات".
يعيد ذلك الحديث والجدل حول طبيعة المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، فبعد ساعات من استبعاد "تسلا" من مؤشرات "ستاندرد آند بورز داو جونز"، نشر شاهين كونتراكتور وإريك بالشوناس من "بلومبرغ إنتليجنس" مذكرة بحثية بعنوان: "هل تسلا توافق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة؟ العديد من الصناديق تعتقد ذلك حتى مع حذفها من مؤشر ستاندرد آند بورز إي إس جي".
أشار كل من كونتراكتور وبالشوناس إلى أن تحليلهما يصنف "تسلا" في المرتبة 46 من بين الشركات المدرجة في مؤشر "ستاندرد آند بورز500" بالنسبة للصناديق التي تركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، وكتبا: "تظل حالة توافق شركة صناعة السيارات مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة من بين أكثر الحالات جدلاً مقارنة بكافة الأسهم".